بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.[1]
﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾، معنى هذا المقطع من الآية الشريفة هو أنّ مثل من أنفق وتصدّق ثمّ منّ وأذى لمن يتصدّق عليه، كمثل صخرة عظيمة عليها تراب فأصابها المطر الشديد فيغسل التراب منها، فيتركها صلدا لا تصلح للانتفاع منها في شيء من الحوائج.
وأكدت الروايات أنّ المنّ صفة رذيلة، والمنّان شخص رذل ساقط في عداد النّمام والعتل والزنيم. والحبط الواقع في بعض العبارات والأخبار حبط للثواب. والمنّ بعد الصدقة ليس من دأب الأحرار النجباء، والأخيار الأتقياء. ويشهد على ذلك تشبيه عمل المانّ والمؤذي في إنفاقه بالّذي ينفق ماله رئاء الناس، من دون أن يقصد بعمله وجه اللّه الكريم، والّذي لا يؤمن باللّه واليوم الآخر، فإنّه لا شكّ في عدم الثواب لعمل المنافق المرائي الّذي لا يؤمن باللّه واليوم الآخر.
وعليه فتخليص العمل والصدقة عن الرياء أمر صعب جدّا ولذا بالغ السلف في إخفاء صدقتهم عن أعين الناس حتّى كان يطلب بعضهم فقيرا أعمى لئلاّ يعلم أحد من المتصدّق، وبعضهم كان في ثوب الفقير نائما و بعضهم يلقي الصدقة في طريق الفقير ليأخذها كما أنّ [الملامتيّة][2] كانوا يظهرون أمورا غير مشروعة حتّى يتّهمون فيخلصون من الرياء في العبادة لكن طريق الملامتيّة غير حسن أيضا والمؤمن ينبغي أن يجاهد في تخليص عمله من الرياء بطريق المشروع حتّى تكون مجاهدته في هذا الأمر سببا لكثرة ثوابه.
وذكر اَلشَّهِيدُ اَلثَّانِي فِي كتابه مُنْيَةِ اَلْمُرِيدِ، قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اَلشِّرْكُ اَلْأَصْغَرُ قَالُوا: وَمَا اَلشِّرْكُ اَلْأَصْغَرُ قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: هُوَ اَلرِّيَاءُ يَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِذَا جَازَى اَلْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ اِذْهَبُوا إِلَى اَلَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي اَلدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمُ اَلْجَزَاءَ)).[3]
وكذلك ذكر اَلشَّهِيدُ اَلثَّانِي فِي كتابه أَسْرَارِ اَلصَّلاَةِ، عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : ((إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ رَجُلٌ جَمَعَ اَلْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اَللهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ اَلْمَالِ فَيَقُولُ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ فَيَقُولُ: مَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قُمْتُ بِهِ فِي آنَاءِ اَللَّيْلِ وَأَطْرَافِ اَلنَّهَارِ فَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: كَذَبْتَ وَتَقُولُ اَلْمَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ اَلْمَالِ فَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُولُ بَلَى يَا رَبِّ فَيَقُولُ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ اَلرَّحِمَ وَ أَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى كَذَبْتَ وَ تَقُولُ اَلْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اَللهِ فَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: مَا فَعَلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: كَذَبْتَ وَتَقُولُ اَلْمَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اَللهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ شُجَاعٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: أُولَئِكَ تَسَعَّرُ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 264.
[2] الملامتية هي طريقة من طرق الصوفية، تتقوّم أُسسها على الضلال والانحراف وطريقتهم تقوم على ملامة النفس، أي: عَذْلُها ولَّومُها في كل الأَحوال، وعاقبوها بالإِكثار من العبادات وأَنواع القُرُبات من الله سرّاً، لأَنها الطريقة المثلى في رأيهم؛ وذلك لتأديب النفس والإِعراض عن العُجُب والرُّعونة، وحتّى لا يشاهدوا محاسنهم، ولا يُعجبوا بأنفسهم، ولا يقعوا في آفة العُجُب والكبرياء.
[3] مستدرك الوسائل، ج 1، ص 106.
[4] ن، م، ج1، ص 111.
تعليق