نعمة الأرض
هناك حقوق للطبيعة - بمفهومها العام - من حولنا ينبغي رعايتها، فالأرض بحاجة الى الإحياء عبر الزراعة والبناء والإعمار، فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أنه قال: "من وجد ماءاً وتراباً ثم افتقر فأبعده الله"(1)، وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): " اعلموا أنّكم مسؤولون عن بقاع الأرض وهوامها".ومما ذكر في التأريخ أنه في وقتٍ كان فيه صياح الديكة لا ينقطع بين الكوفة والبصرة لحجم الإعمار والإحياء الكبير بين البلدين ذُكر أن أحد الوزراء العباسيين أسدى خدمة جليلة إلى الخليفة، فأراد هذا الأخير منحه جائزة، فقال لوزيره: ما هي الجائزة التي تتمناها ؟ فقال الوزير: لن تستطيع تقديم ما أطلبه.. فأصرّ عليه الخليفة فأجابه الوزير: أريد قطعة أرض ٍ بائرة في العراق! فأرسل الخليفة من يبحث له عن ذلك، فلم يعثر على ذلك، وكانت هذه إشارة ذكية من الوزير إلى عظمة إنجازاته، وتوجيه وتنبيه الخليفة إلى أهمية الأمر، بينما ترانا اليوم - وللأسف الشديد - يحاصرنا التصحر الزاحف وقلة المحاصيل، فنضطر الى استيراد معظم غذائنا من الدول المجاورة!
ومن الجدير بالذكر إن نِعَم الأرض وردت في العديد من الآيات المباركة فقد
قال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} ، وقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً, أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً}.
إن الله سبحانه وتعالى يذكّر عباده بنعمة الأرض التي جعلها لهم كالفراش ممهدة وموطأة ومستقرة، وهو الذي ذللها لنا للاستفادة من خيراتها ولولا تذليل الله لها ما استطعنا أن نشق فيها الطرق ولا البناء عليها ولا الحرث ولا سائر أنواع المنافع والتي منها أن الأموات يكفتون في بطنها، فهي تُكِنُّ الأحياء على ظهرها في المساكن والأموات في القبور، فكأنها كفتت أذى الناس أحياء وجيفهم أمواتًا.
وهناك نعمة أخرى في الأرض وهي أنها مستودع الرزق, حيث إن فيها معايش بني آدم وأسباب رزقهم، فالله وحده هو الذي جعل في الأرض المعايش والأسباب المختلفة ليكسب العباد بها أقواتهم ويتّجرون, وأكثرهم مع هذا قليل الشكر!!
___________________
(1) بحار الأنوار، ج100، ص65.
تعليق