بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى..﴾.[1]
هذه الآية الشريفة ارشادية للسياسات في المعاملات، بحيث إذا اخذت بها لا يقع تنازع فيحصل العدل في العالم من هذه الجهة، ولا شيء أعظم من العدل.
فلمّا أمر سبحانه بإنظار المعسر وتأجيله، عقّبه ببيان أحكام الحقوق المؤجّلة وعقود المداينة، فقال: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ﴾، أي: إذا داين بعضكم بعضا، تقول: داينته إذا عاملته بدين نسيئة معطيا أو آخذا، كما تقول: بايعته إذا بعته أو باعك. وفائدة ذكر الدّين لئلاّ يتوهّم من التداين المجازاة، ويعلم تنوّعه إلى المؤجّل والحالّ، وأنّه الباعث على الكتبة، وأن يكون مرجع ضمير ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾.
﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، معلوم مؤقّت بالأيّام أو الأشهر أو السنين، لا بالحصاد وقدوم الحاجّ، لأنّه غير معلوم ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾، في صكّ، لأنّه أوثق وأدفع للنزاع.
﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾، أي: كاتب مأمون على ما يكتب بالاحتياط والنصفة، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص. فقوله: «بالعدل» صفة ل «كاتب». وفي هذا دلالة على أنّ الكاتب ينبغي أن يكون فقيها، عالما بدقائق أحكام المعاملات وشروطها، عادلا حتى يكون مكتوبه موثوقا معدّلا بالشرع. والأمر في الحقيقة للمتداينين باختيار كاتب فيه ديّن.
وبتعبير آخر أرشد الله بأن الانسان لما يكون محل النسيان فاذا كان دينكم مؤجلا فلتكتبوه؛ لأن الكتابة تثبت ويزول بها الاختلاف الحاصل من أجل الزمان أو مقدار الدين، ولما أن حفظ النظام يكون لازما فالكتابة الموجبة لرفع النزاع وبها حفظ النظام تكون واجبة على الكفاية فامر الله بها، ولكن لا يتوهم أن الوجوب ينافى العوض فلا بد ان تكون الكتابة مجانية، اذ الوجوب يجتمع مع العوض، فقد يوجب الله شيئا بأن يعطى ويؤخذ عوضه، كما اذا انحصر عندك الطعام وكان أحد في حالة الجوع وعنده الدراهم والدنانير، فانه يجب عليك ان تبيع منه طعامك وتأخذ العوض ولا يجب عليك إعطائه مجانا، فالله تعالى اوجب عليك المعاوضة لا الهبة، والجمع بين الحقين يقتضى ذلك، فإن عمل الكاتب محترم وعدم حصول النزاع بين الدائن والمديون يكون محبوبا؛ والجمع بين الحقين يوجب بأنه يجب على الكاتب أن يكتب ويأخذ الأجرة ولا يأب من الكتابة، اذ هو عبد من عباد الله-ولا بد أن يكون لإصلاح النظام معينا، والمديون يملى عليه ولا بد أن يجعل الله وقاية لا المال، فلا يظهر انقص مما كان عليه بل يظهر تمام ما عليه.
وإن كان المديون ضعيف العقل أو ضعيف النفس لمرض، أو كان في لسانه عقدة فليملي وليظهر وليه أو وكيله وهو أيضا ولي باختيار الموكل، فاطلق عليه اسم الولي هنا وشهادة الشهيدين واخذهما شاهدين يكون محبوبا اذ في حفظ النظام ورفع التشاح يكون وجود الشهيدين اكمل وأقبل عند الناس، ومع عدم الرجلين المرضيين ﴿فَرَجُلٌ وَامرأتان﴾، لأن تذكر احداهما الأخرى، وهذا الحكم عند العقل استحساني لا لزومي اذ خوف النسيان يرتفع بالكتابة والثبت، وخوف النزاع يرتفع بالقضاء، إذ لو لم يكن في البين بينة يكون اليمين قائما، كما هو وارد عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ اَلْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَاَلْأَيْمَانِ..))[2]، فاختلال النظام لا يلزم نعم ذلك حسن في النهاية لا ينكر، ويكره للشهداء الإباء اذا ما دعوا للتحمل كما هو ظاهر السياق أنه في مقام التحمل ولا يستفاد منه التحريم.
[1] سورة البقرة، الآية: 282.
[2] الكافي، ج 7، ص 414.
تعليق