بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.[1]
أمر تشريعي أراد الباري عز وجل أن يبينه للناس كي لا يكون السفر حائلا عن المكاتبة بين الدائن والمدين، فقد ارشد تعالى عباده لإصلاح امر المحتاجين الى الدين بأن في صورة السفر وعدم وجدان الكاتب(و لعل ذكر السفر لكون الغالب في عدم الوجدان كونه من باب السفر، والا ففي الحضر يوجد فالملاك عدم وجدان الكتابة)خذوا الوثيقة وهي الرهان واعطوا لهم الدين لافتقارهم، فوصف الرّهان بالمقبوضة يدّل على اشتراط القبض بل قيل بعدم انعقاد الرّهن بدون القبض ويؤيّده ما رواه الشّيخ الطوسي(ره) في تهذيب الأحكام عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((لاَ رَهْنَ إِلاَّ مَقْبُوضاً)).[2] والظاهر أن المطلب قد تم هنا، وكون هذا رافعا للاحتياج وترفيه يكون واضحا، إذ ربما يكون الشيء لأحد ولا يريد بيعه وانتقاله أو لا يأخذون بقيمته المتعارفة، اذ من يحتاج الى ذلك الشيء يأخذه بثمنه لا كل أحد فالذي يريد أن يستقرض يعطي الوثيقة، أي يجعلون في المدة المعينة أن يكون الرهن عند المرتهن، فإن أدى الراهن الدين يأخذ عينه المرهونة وإن لم يؤد في هذه المدة فللمرتهن أن يبيعه بقيمته المتعارفة ويأخذ دينه ويرد الباقي الى الراهن، حتى لا يصل ضرر الى احدهما ويحصل الجمع بين الحقين.
وأيضا قد دلت الآية الشريفة على أن من جعل عند غيره امانة يجب عليه رد الأمانة عند مطالبة من كان لها، وهذا الحكم إلزامي على طبق حكم العقل فإنه بعد المطالبة وعدم الرد يكون التصرف في ذلك الشيء ومنه امساكه وعدم رده غصبا وظلما، والظلم قبيح عقلا، وحرام شرعا، فيجب رد الامانات فلا بد للأمين أن يتقي الله ولا يطمع في مال الأمانة، ويطمع من الله دفع المكاره والإحسان إليه، كما أنه يدفع المكاره عن صاحب المال بحفظ ماله من أن يتلف ويحسن اليه برده.
ولما أن الأمانة تشمل لأن يجعل العهد الذي بين الاثنين عند أحد فذلك الاحد أمين. والمطلب الذي بينهما امانة، فتدخل الشهادة أيضا في ذلك الموضوع وكتمانها يصير امساك الأمانة وعدم ردها فهو أي الممسك آثم قلبا، وذلك أيضا بالتأمل يكون واضحا وأنه على طبق حكم العقل.
أما النّهي عن كتمان الشّهادة عند الاحتياج اليها لإثبات الحقّ.
فيدل عليه ما روي عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: مَنْ كَتَمَ شَهَادَةً أَوْ شَهِدَ بِهَا لِيُهْدِرَ بِهَا دَمَ اِمْرِءٍ مُسْلِمٍ أَوْ لِيَزْوِيَ مَالَ اِمْرِءٍ مُسْلِمٍ أَتَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَلِوَجْهِهِ ظُلْمَةٌ مَدَّ اَلْبَصَرِ وَفِي وَجْهِهِ كُدُوحٌ تَعْرِفُهُ اَلْخَلاَئِقُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ)).[3]
وَفِي أَمَالِي اَلصَّدُوقِ فِي مَنَاهِي اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: وَنَهَى صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَنْ كِتْمَانِ اَلشَّهَادَةِ وَقَالَ: ((مَنْ كَتَمَهَا أَطْعَمَهُ اَللهُ لَحْمَهُ عَلَى رؤوس اَلْخَلاَئِقِ، وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾)).[4]
ويستفاد من الآية أنّ كتمان الشّهادة من الكبائر لتوعّد الله سبحانه عليه بالإثم والعذاب ويدّل عليه ما روي عن ابي جعفر الباقر عليه السّلام لما سأل عن الكبائر قال: ((كلمّا أوعد الله عليه النّار)).[5]
وما روي عَنْ عَبْدِ اَلْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اَللهِ اَلْحَسَنِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: وذكر الكبائر الى أن قال: ((وَكِتْمَانُ اَلشَّهَادَةِ لِأَنَّ اَللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ ﴿وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾)).[6]
[1] سورة البقرة، الآية: 283.
[2] وسائل الشيعة، ج 18، ص 383.
[3] تفسير نور الثقلين، ج 5، ص 353.
[4] الأمالي، ص 514.
[5] تفسير الصافي، ج 1، ص 444.
[6] الكافي، ج 2، ص 285.
تعليق