بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.[1]
عبارات قرآنية ربانية توحي الى معاني عميقة ورائعة يستأنس بمعرفتها الباحث عن الحقائق القرآنية، وعليه فيستفاد من الآية الشّريفة وجود المحكمات والمتشابهات في القرآن وهذا ممّا لا كلام فيه لأحد من المسلمين والذي اختلفوا فيه هو أنّ المتشابهات هل يعلم تأويلها غير الله أوّ لا؟ فإن كان الأوّل فيمكن الأخذ بهما ولو بسبب السّؤال عمّن يعلمها، وإن كان الثّاني فلا سبيل اليها لأحد لأنّ المفروض أنّ العلم بها مختصّ به تعالى وقد استأثر الله بعلمه فقال قوم وهم أكثر المفسّرين من أهل السّنة: فيما نعلم أنّ المتشابهات يجب على كلّ أحد تركها وردّ علمها الى الله تعالى قد استأثر بعلمه ولم يرخصّ لأحد الخوض في المتشابه.
وقالت الشّيعة أنّ الرّسول والأئمة بعده واحدا بعد واحد صلوات الله عليهم أخذوا علم المتشابه عن الله تعالى، والله تعالى أعطاهم العلم به لمكان قربهم اليه واحتياج العباد الى فهم هذه الآيات، كما ورد عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ : ((فِي قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، فَرَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَفْضَلُ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ قَدْ عَلَّمَهُ اَللهُ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ اَلتَّنْزِيلِ وَاَلتَّأْوِيلِ وَمَا كَانَ اَللهُ لِيُنَزِّلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لاَ يُعَلِّمُهُ تَأْوِيلَهُ وَأَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ اَلْحَدِيثَ)).[2] وذلك لأنّ الله تعالى أعطى نبيه وأوصيائه من العلم ما يحتاج إليه البشر فلو كان العلم بالمتشابه مختصّ به تعالى ولم يُعلم أحدا العلم به فلم أنزله في كتابه وهذا هو الذي صار باعثا لوجود الخلاف بين المسلمين.
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا﴾، لو كان صدر الآية لا يكون عطفا على الله، ويحتمل أن يكون المراد ان الراسخ في العلم لا يحمله على شيء ولا يتبعه حتى يكون عملا من غير دليل، بل يقول إن صدور ذلك حق ومن الله، فالإيمان بها بهذا المقدار من القول، وأما في العمل فيتوقف على دلالة الدليل. فكون الكل من عند الله لا يلازم العمل، بل يؤخذ كل على حسبه، وعلى التقدير الآخر يكون عطفا، فهم بتعليم الله عالمون بالتأويل فيقولون كل من عند ربنا، ولا يظهرون المراد إلا عند الاهل للزوم السكوت عما سكت الله، والاجمال والمأمول ما لم يقم القرينة عليهما سكوت، ولعل ما يقع به التكليف هو ما يبين للنوع، لعدم الخصائص في الاحكام إلا للنبي صلّى الله عليه وآله في بعض احكام قد عينت في مقامه ويحتمل حينئذ ان يكون المراد بالقول القول، المقترن بالعمل.
فقد ورد أن أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ َقَالَ: ((وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ هُمُ اَلَّذِينَ أَغْنَاهُمُ اَللهُ عَنِ اَلاِقْتِحَامِ فِي اَلسُّدَدِ اَلْمَضْرُوبَةِ دُونَ اَلْغُيُوبِ فَلَزِمُوا اَلْإِقْرَارَ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ اَلْغَيْبِ اَلْمَحْجُوبِ)).[3]
والحقّ أنّ التّأويل في الأصل بمعنى المرجع والمصير كما ذكره الرّازي إلاّ أنّ المراد منه في الآية ليس ما ذكره بل المراد أنّ الرّاسخين في العلم يرجعون المتشابهات الى المحكمات الّتي هي الأصل في الكتاب لقوله تعالى: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، والأمّ الأصل ومن المعلوم أنّ كلّ شيء يرجع الى أصله ففيه إيماء الى أنّ المتشابه كلام الله كالمحكم ولا فرق بينهما من هذه الجهة إلاّ أنّ المحكمات هي الأصول والمتشابهات بمنزلة الفروع المتولّدة عن الأصول كما هو الشّأن في كلّ فرع بالنّسبة الى أصله فالرّاسخون في العلم يرجعونها الى المحكمات وبذلك يخرجونها عن التّشابه.
[1] سورة آل عمران، الآية: 7.
[2] وسائل الشيعة، ج 27، ص 179.
[3] الكافي، ج 8، ص 394.
تعليق