بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.[1]
نزلت هذه الآية الشريفة في قصّة غزوة بدر وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدّة أصحاب طالوت: سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستّة وثلاثون رجلا من الأنصار، وكان صاحب لواء رسول الله صلّى الله عليه وآله والمهاجرين عليّ بن أبي طالب وصاحب لواء الأنصار سعد بن عبادة، وكانت الإبل في جيش رسول الله صلّى الله عليه وآله سبعين بعيرا والخيل فرسين فرس للمقداد بن أسود وفرس لمرثد بن أبي مرثد وكان معهم من السلاح ستّة أدرع وثمانية سيوف وجميع من استشهد يومئذ أربعة عشر رجلا من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
واختلف في عدّة المشركين فروي عن عليّ عليه السلام وابن مسعود أنّهم كانوا ألفا، وعن قتادة وعروة بن الزبير والربيع كانوا بين تسعمائة إلى ألف وكانت خيلهم مائة فرس ورأسهم عتبة ابن عبد شمس، وكان حرب بدر أوّل مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وآله.
والمعنى المقصود هو: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ﴾، جواب قسم محذوف أي والله قد كان لكم أيّها اليهود المغترّون بعددهم ﴿آيَةٌ﴾، عظيمة دالّة على صدق ما أقول لكم: أنّكم ستغلبون ﴿فِي فِئَتَيْنِ﴾، وجماعتين فإنّ المغلوبة منها كان مدلّة بكثرتها معجبة لغرّتها وقد لقاها ما لقاها فسيصيبكم ما يصيبكم ﴿الْتَقَتَا﴾، وتلاقتا بالقتال يوم بدر ﴿فِئَةٌ﴾، خبر مبتدأ محذوف أي إحداهما فئة ﴿تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾، وهم لا كثرة فيهم ولا شوكة وهم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه وآله ﴿َأُخْرَى﴾، أي فئة أخرى ﴿كَافِرَةٌ﴾، بالله ورسوله.
﴿يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ﴾، أي ترى الفئة الكافرة الفئة الأولى المؤمنة مثلي عدد الرائيين وضعفهم ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾، في ظاهر العين، واختلف في معناه فقيل: معناه يرى المسلمون المشركين مثلي عدد أنفسهم قلّلهم الله في أعينهم حتّى رأوهم ستّمائة وستّ وعشرين رجلا تقوية لقلوبهم؛ وذلك أنّ المسلمين قيل لهم: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين فأراهم الله عدوّهم حسب ما حدّ لهم من العدد الّذي يلزمهم أن يثبتوا لهم ولا يحجموا عنهم عن ابن مسعود وجماعة من المفسّرين. وقيل: إنّ الرؤية للمشركين يعني يرى المشركون المسلمين ضعيفهم فإنّ الله تعالى قلّل المسلمين في أعين المشركين قبل القتال ليجترئوا ولا ينصرفوا فلمّا أخذوا في القتال كثّرهم في أعينهم ليجبنوا وقلّل المشركين في أعين المسلمين ليجترئوا عليهم وتصديق ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾[2]، وذلك أحسن أسباب النصر للمسلمين والخذلان للكافرين، وهذا المعنى على قراءة الياء وأمّا من قرأ بالتاء فلا يحتمله إلّا القول الأوّل على أن يكون الخطاب لليهود المعنيّون بقوله: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾[3]، وهم يهود بني قينقاع فكأنّه قال: ترون أيّها اليهود المشركين مثلي المسلمين مع أنّ الله أظفرهم عليهم فأنتم كذلك فلا تغترّوا بكثرتكم، وهذا قول البلخيّ. ﴿وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ﴾، أي يقوّي بإعانته من يريد نصره من غير توسيط الأسباب العاديّة ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾، إشارة إلى ما ذكر من رؤية القليل كثيرا والكثير قليلا ﴿لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾، من العبور كالجلسة من الجلوس والمراد الاتّعاظ فإنّه نوع من العبور إلى فهم المعنى أي عظة عظيمة لذوي العقول والبصائر. فعلى العاقل أن يعتبر ولا يغترّ بكثرة الأعداد والأموال فإنّ الله يمتّعه قليلا ثمّ يضطرّه إلى عذاب غليظ. قيل: إنّه قدم على الأستاذ أبي عليّ الدقّاق مؤمن فقير وعليه مسح وقلنسوة فقال بعض أصحابه من المريدين للفقير على وجه المطايبة: بكم اشتريت هذا المسح؟ فقال اشتريته بالدنيا فطلب منّي الآخرة فلم أبعه. قال أبو بكر الورّاق: طوبى للفقراء في الدنيا والآخرة لا يطلب السلطان منه في الدنيا الخراج ولا الجبّار في الآخرة الحساب.
[1] سورة آل عمران، الآية: 13.
[2] سورة الأنفال، الآية: 44.
[3] سورة آل عمران، الآية: 12.
تعليق