بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في عدم نجاة أصحابه إلّا مثل همل النعم
وقد صرح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في مناسبات عديدة بأن أقواماً من أصحابه سيرتدّون ويذهبون إلى النار ، وروى عنه أهل الحديث ذلك بطرق متعددة وألفاظ مختلفة.
قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (1).
أخرج البخاري ومسلم بطرق كثيرة في صحيحيهما وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ والبغوي وابن أبي عاصم وأبو يعلى وابن ماجه وأبو إسماعيل الهروي عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُجْلَون عن الحوض ، فأقول : يارب أصحابي ! فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (2).
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري وأحمد والحاكم ونعيم بن حماد والبيهقي وأبو إسماعيل الأنصاري وابن أبي عاصم عن حذيفة ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « أنا فرطكم على الحوض أنظركم ، ليرفع لي رجال منكم حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : ربي أصحابي أصحابي !! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك !! » (3).
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل والطبراني وابن أبي عاصم وأبو إسماعيل الأنصاري والبيهقي عن سهل بن سعد ، سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « إنّي فرطكم على الحوض ، من مرَّ عليَّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم » ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عيّاش ، فقال : هكذا سمعتَ من سهل ؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري ، لسمعتُه وهو يزيد فيها : « فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي » (4).
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أعقابهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل هَمَل النعم ».
قال الحافظ : قال الخطابي : الهَمَل ما لا يرعى ولا يستعمل ، ويطلق على الضوالّ ، والمعنى أنه لا يَرده منهم إلا القليل ، لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره.
وقال في النهاية : الهمل ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ، أي أن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة (5).
وأخرج البخاري ومسلم والطبراني عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّي على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يارب مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ».
فكان ابن مليكة يقول : اللهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا (6).
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد وأبو يعلى والبزّار وأبو إسماعيل الهروي وابن أبي عاصم والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ثم ليخلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».
قال البخاري : تابعه عاصم عن أبي وائل ، وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (7).
وأخرج البخاري بعدة طرق ومسلم وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحاكم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو إسماعيل وابن حبّان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي والبزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « إنّ أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي أصحابي ! فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) الى قوله : ( الْحَكِيمُ ) (8).
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأحمد وأبوداود والحاكم وأبو إسماعيل والنسائي وابن أبي عاصم وأبو يعلى والبيهقي عن أنس ، أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني ، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني ، فلأقولن : أي رب أصيحابي أصيحابي ! فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (9).
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لأصحابه : « لأعرفنكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ».
وفي لفظ أحمد عن جرير بن عبد الله : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « استنصت الناس » ثم قال عند ذلك : « لأعرفن ـ بعدما أرى ـ ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » (10).
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأحمد والنسائي وأبو إسماعيل والطبراني في الكبير من طُرقٍ والأوسط عن أم سلمة ، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قام فقال : « أيها الناس ! » قالت فَسَمِعْتُ وأنا أُمتَشَطُ ، فَأَمَرْتُ مَاشِطَتِي ، فَكَفَّتْ رأسي ثم تَقَدَّمْتُ في أدنى الحُجْرةِ ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أيها الناس ! أنا لكم فرط على الحوض وأنه سيؤتى بكم رسلاً فترهقون عني ، فأقول : أين ؟ فيقال : إنهم بدلوا بعدك ، فأقول : سُحقاً سحقاً » (11).
وأخرج أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى والطبراني والبزّار والذهبي وعن ابن طهمان عن أم سلمة أنها قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إن من أصحاب من لا يراني بعد أن أفارقه ».
فخرج عبد الرحمان بن عوف فلقي عمر ، فأخبره بالذي قالت أم سلمة ، فدخل عليها عمر ، فقال : بالله أمنهم أنا ؟ فقالت : لا ، ولا أبرئ أحداً بعدك.
أورده الهيثمي بثلاثة ألفاظ في مجمعه ، ففي موضع عزاه لأحمد وأبي يعلى والطبراني في الكبير ، وفي آخر عزاه لأحمد وأبي يعلى ، وفي ثالث وقال : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وقال المحشي لمسند أبي يعلى : إسناده صحيح. وفي هامش مسند ابن راهويه : صحيح رجاله ثقات كلّهم. وفي هامش سير أعلام النبلاء : ورجاله ثقات (12).
وأخرج ابن عساكر والطبراني والبزار وأبو إسماعيل الأنصاري وعن يعقوب بن سفيان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لألفينَّ ما نوزعت أحداً منكم عند الحوض فأقول : هذا من أصحابي. فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟! ».
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والبزَّار ورجالهما ثقات. وقال في موضع آخر : رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح (13).
وأخرج مسلم وأحمد عن عائشة تقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ـ وهو بين ظهراني أصحابه ـ : « إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم ، فو الله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن : أي ربي ، مني ومن أمتي ! فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ما زالوا يرجعون على أعقابهم » (14).
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد والحاكم وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « فأقول : أصحابي أصحابي !! فقيل : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ قال : فاقول : بُعداً بُعداً » أو قال : « سُحْقاً سُحقاً لمن بَدَّل بعدي ».
وجاء في لفظ لأحمد والحاكم وصحّحه مع الذهبي : « ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم ـ أو ارتددتم ـ على أعقابكم القهقرى » (15).
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي عاصم وأبو إسماعيل عن أبي بكرة ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ليرِدَنّ عليّ الحوض رجال ممن صحبني ورآني ، فإذا رُفِعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : أصيحابي أصيحابي !! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟! » (16).
أخرج نعيم بن حمّاد عن هشام بن حسّان عن الحسن نحوه (17).
وروي في ذلك عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء وزيد بن خالد (18).
وأخرج البخاري عن علاء بن المسيّب عن أبيه ، قال : لقيت البراء بن عازب ، قلت له : طوبى لك صحبت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده (19).
قال الواقدي : وكان طلحة بن عبد الله وابن عباس وجابر بن عبد الله يقولون : صلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على قتلى أُحُد وقال : « أنا على هؤلاء شهيد » ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أليس إخواننا أسلموا كما أسلمنا ، وجاهدوا كما جاهدنا ؟ قال : « بلى ، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئاً ، ولا أدري ما تحدثون بعدي » ، فبكى أبو بكر ، وقال : إنّا لكائنون بعدك ؟!
ورواه الامام مالك في الموطأ (20).
قال أحمد بن محمّد المغربي : وخرّج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض الّذي حُكي عن مالك أنه قال : ما ندمت على حديث أدخلته في [ الموطأ ] إلّا هذا الحديث . وعن الشافعي أنه قال : ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلّا حديث الحوض ، ووددنا أنه لم يذكره ، أو نحو هذه العبارة (21).
فيتعجب المرء ـ عند سماع هذا الكلام ـ من صنيع هذين الإمامين ومن تأسفهما على رواية هذا الحديث ! فتأسفهما في الواقع ليس على نقل الحديث فحسب ، بل مآل هذا التأسف هو التأسف على إخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم به ؛ لأنّ الحديث ثبت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم بطرق مستفيضة صحيحة بل متواترة ، كما لاحظت.
وكان على هذين الإمامين التأسّف على وقوع هذه الحادثة فيما بين الصحابة ، لا على إخبار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم بها ، ولا على تدوينها في كتبهم الحديثية.
فندمُ مالك وتأسّفُ الشافعي ـ لو صحت الحكاية ـ دليل على أن صون مكانة الصحابة أهم لهما من حماية دين الله ووقاية سنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لأن الجدال عن الذين يختانون أنفسهم والخصام للخائنين يكون سبباً لتشويش الإسلام وتغطية الباطل ، فإننا نأخذ جميع مبادئ ديننا من هؤلاء الصحابة ، فإذا لم نستطع أن نميّز المحقّ من المبطل فسنكون متمسّكين بروايات جماعة من الذين أنبأ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بارتدادهم من بعده ومقتدين بسنتهم بحسبان أنها من الحق من دون أن نشعر بأنها عين الباطل.
الهوامش
1. آل عمران : 144.
2. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض : 4 / 206 ح : 6585 و 6586 ، صحيح مسلم كتاب الطهارة باب استحباب الغرة والتحجيل : 3 / 139 و 140 و 141 ح : 37 و 39 م : 247 و 249 و 15 / 69 ح : 38 م : 2302 ، كنز العمال : 14 / 417 و 418 ح : 39124 و 39128 ، مسند أحمد : 2 / 298 و 300 و 408 و 454 و 467 ، بلوغ الأماني : 1 / 195 ، النهاية في الفتن : 1 / 340 و 341 و 342 ، أضواء على السنة المحمدية / 355 ، السنة لابن أبي عاصم : 343 : ح : 769 ، الموطأ كتاب الطهارة باب جامع الوضوء : 1 / 28 ـ 30 ح : 28 ، شرح السنة : 1 / 221 ـ 222 ح : 151 ، سنن ابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر الحوض : 2 / 1439 ـ 1440 ح : 4306 ، مسند أبي يعلى : 11 / 387 ـ 388 ح : 6502 ، ذم الكلام وأهله : 5 / 24 ـ 27 ح : 1361 ، المسند الجامع : 20 / 685 ـ 686 ح : 17643.
3. كنز العمال : 14 / 417 و 419 و 433 ـ 434 ح : 39125 و 39131 و 39185 ، مسند أحمد : 5 / 388 و 393 و 400 ، السنة لابن أبي عاصم : 340 ح : 761 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 455 ح : 37166 وذمّ الكلام وأهله : 5 / 37 ـ 38 ح : 1370 ، المصنف لعبد الرزاق : 11 / 369.
4. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض : 4 / 206 ح : 6583 و 6584 وكتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن ... : 4 / 312 ح : 7050 و 7051 ، صحيح مسلم 15 / 59 ح : 26 م : 2290 ، مجمع الزوائد : 10 / 363 ، الوفا بأحوال المصطفى / 834 ح : 1585 ، أضواء على السنة / 355 ، الفتح الرحماني : 1 / 195 ح : 19 ، النهاية في الفتن والملاحم : 1 / 328 ، السنة لابن أبي عاصم : 345 ح : 774 ، شعب الايمان : 1 / 321 ح : 360 ، صحيح الجامع الصغير : 1 / 484 ـ 485 ح : 2468 ، ذمّ الكلام وأهله : 5 / 30 ـ 32 ح : 1363 ..
5. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض : 4 / 206 ـ 207 ح : 6587 ، فتح الباري : 11 / 580 ، النهاية لابن الاثير 5 : 274.
6. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض : 4 / 207 ح : 6593 وكتاب الفتن باب قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ... ) : 4 / 312 ح : 7048 ، صحيح مسلم : 15 / 61 م : 2293 ، أضواء على السنة / 355 ، كنز العمال : 14 / 419 ح : 39129 ، النهاية في الفتن والملاحم : 2 / 342 ، المعجم الكبير : 24 / 94 ح : 251.
7. صحيح البخاري باب كيف الحوض : 4 / 205 ح : 6576 وكتاب الفتن الباب الأول : 4 / 312 ح : 7049 ، صحيح مسلم : 15 / 64 ـ 65 ح : 32 م : 2297 بأربعة أسانيد ، الوفا باحوال المصطفى / 834 ـ 835 ح : 1586 ، كنز العمال : 14 / 418 ح : 39126 ، أضواء على السنة / 355 ، السنة لابن أبي عاصم : 340 و 341 ح : 761 و 763 ، مسند أبي يعلى : 9 / 102 و 126 ح : 5168 و 5199 ، مسند أحمد : 1 / 384 و 402 و 406 و 407 و 425 و 439 و 453 و 455 ، النهاية في الفتن والملاحم : 1 / 333 وذم الكلام وأهله : 5 / 38 ـ 41 ح : 1371.
8. صحيح البخاري كتاب الأنبياء باب قوله : ( وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) : 2 / 459 ح : 3349 وباب قوله : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ) : 2 / 490 ح : 3447 وكتاب التفسير باب ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) : 3 / 226 ـ 227 ح : 4625 وباب ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) : 3 / 261 ح : 4740 وباب ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) : 3 / 226 ـ 227 ح : 4626 وكتاب الرقاق باب الحشر : 4 / 196 ح : 6526 ، صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب فناء الدنيا وبيان الحشر : 18 / 199 ـ 200 ح : 2860 ، سنن النسائي : 4 / 117 ، مسند أحمد بن حنبل : 1 / 235 و 253 ، مجمع الزوائد : 10 / 364 ، تفسير ابن كثير : 2 / 124 ـ 125 ، السنة لابن أبي عاصم : 345 ح : 773 ، الدر المنثور : 3 / 239 ـ 240 ، أضواء على السنة / 354 ، مسند أبي يعلى : 4 / 452 ح : 2578 ، المستدرك : 2 / 447 ، ذمّ الكلام واهله : 5 / 32 ـ 35 ح : 1364 ـ 1366.
9. صحيح البخاري كتاب الرقاق : 4 / 206 ح : 6582 ، صحيح مسلم : 16 / 70 ح : 40 م : 2304 وكتاب الصلاة ، باب حجة من قال البسملة ... : 4 / 355 ـ 356 ح : 400 ، مسند أحمد : 3 / 102 و 281 ، كنز العمال : 14 / 418 ـ 419 ح : 39127 و 39131 ، سنن النسائي باب قرائة بسم الله ... : 2 / 133 و 134 كتاب السنة : 341 ح : 764 ، مسند أبي يعلى : 7 / 34 ـ 35 و 40 ح : 3942 و 3951 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 455 ح : 37167 وذمّ الكلام وأهله : 7 / 41 ـ 43 ح : 1372.
10. جامع المسانيد والسنن : 22 / 503 ح : 1947 ، مجمع الزوائد عنهما : 7 / 296 ، مسند أحمد : 4 / 366 ، وعن كشف الاستار (3351).
11. صحيح مسلم : 15 / 62 ـ 63 ح : 29 م : 2295 ، مسند أحمد : 6 / 297 ، الفتح الرباني : 1 / 196 ح : 22 ، المعجم الكبير : 23 / 297 و 413 ـ 414 ح : 661 ـ 662 و 996 ـ 997 ، المعجم الأوسط : 9 / 326 ح : 8709 ، كنز العمال : 14 / 419 و 436 ح : 39130 و 39193 ، النهاية في الفتن والملاحم : 344 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 455 ح : 37168 ، ذم الكلام وأهله : 5 / 28 ـ 29 ح : 1362.
12. مسند أحمد : 6 / 290 و 307 و 317 ، مسند ابن راهويه : 4 / 140 ح : 1913 ، مسند أبي يعلى : 12 / 436 ح : 7003 ، مجمع الزوائد : 1 / 112 و 9 / 72 ، سير أعلام النبلاء : 1 / 82 ، وعن ابن طهمان في مشيخته (143) ، والاستيعاب : 6 / 79 و 80.
13. مجمع الزوائد : 9 / 367 و 10 / 365 ، كنز العمال : 13 / 94 ح : 3621 و 36322 و 14 / 435 ح : 39190 ، ذمّ الكلام وأهله : 5 / 35 ـ 36 ح : 1367.
14. صحيح مسلم : 15 / 61 ـ 62 ح : 28 م : 2294 ، كنز العمال : 14 / 419 ح : 39129 ، الفتح الرباني : 1 / 196 ح : 21 ، مسند أحمد : 6 / 121 ، النهاية في الفتن والملاحم : 1 / 343 ، صحيح الجامع الصغير : 1 / 484 ح : 2467.
15. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض : 4 / 206 ح : 6584 وكتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الخ ... : 4 / 312 ح : 7051 ، مسند أحمد : 3 / 18 و 28 و 39 و 62 ، الفتح الرباني : 1 / 195 ح : 19 ، صحيح مسلم : 15 / 60 م : 2291 ، مجمع الزوائد : 10 / 364 ، كنز العمال : 14 / 434 ح : 39186 ، مسند أبي يعلى 7 / 434 ح : 4455 ، المستدرك : 4 / 74 ـ 75 ، جامع الأحاديث للسيوطي : 8 / 500 ـ 501 ح : 30291 ـ 30293.
16. مسند أحمد : 5 / 48 ، 50 ، الفتح الرباني : 1 / 195 ح : 18 ، كتاب السنة : 342 ح : 765 و 766 ، المصنف لابن أبي شيبة : 6 / 310 ـ 311 ح : 31664 ، ذم الكلام وأهله : 5 / 36 ـ 37 ح : 1369.
17. الفتن لنعيم بن حماد : 1 / 94 ح : 222.
18. كتاب السنة : 342 ـ 343 و 344 ح : 771 ، كنز العمال : 14 / 427 و 421 ح : 39166 و 39137 ، مجمع الزوائد : 10 / 364 ، البحر الزخار : 1 / 314 ح : 204.
19. صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية : 3 / 130 ح : 4170.
20. الموطأ كتاب الجهاد باب الشهداء في سبيل الله : 2 / 461 ـ 462 ح : 32 ، المغازي : 1 / 310.
21. فتح الملك العلي / 91 ـ 92.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في عدم نجاة أصحابه إلّا مثل همل النعم
وقد صرح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في مناسبات عديدة بأن أقواماً من أصحابه سيرتدّون ويذهبون إلى النار ، وروى عنه أهل الحديث ذلك بطرق متعددة وألفاظ مختلفة.
قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (1).
أخرج البخاري ومسلم بطرق كثيرة في صحيحيهما وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ والبغوي وابن أبي عاصم وأبو يعلى وابن ماجه وأبو إسماعيل الهروي عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُجْلَون عن الحوض ، فأقول : يارب أصحابي ! فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (2).
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري وأحمد والحاكم ونعيم بن حماد والبيهقي وأبو إسماعيل الأنصاري وابن أبي عاصم عن حذيفة ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « أنا فرطكم على الحوض أنظركم ، ليرفع لي رجال منكم حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : ربي أصحابي أصحابي !! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك !! » (3).
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل والطبراني وابن أبي عاصم وأبو إسماعيل الأنصاري والبيهقي عن سهل بن سعد ، سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « إنّي فرطكم على الحوض ، من مرَّ عليَّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم » ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عيّاش ، فقال : هكذا سمعتَ من سهل ؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري ، لسمعتُه وهو يزيد فيها : « فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي » (4).
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أعقابهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل هَمَل النعم ».
قال الحافظ : قال الخطابي : الهَمَل ما لا يرعى ولا يستعمل ، ويطلق على الضوالّ ، والمعنى أنه لا يَرده منهم إلا القليل ، لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره.
وقال في النهاية : الهمل ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ، أي أن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة (5).
وأخرج البخاري ومسلم والطبراني عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّي على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يارب مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ».
فكان ابن مليكة يقول : اللهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا (6).
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد وأبو يعلى والبزّار وأبو إسماعيل الهروي وابن أبي عاصم والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ثم ليخلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».
قال البخاري : تابعه عاصم عن أبي وائل ، وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (7).
وأخرج البخاري بعدة طرق ومسلم وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحاكم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو إسماعيل وابن حبّان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي والبزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « إنّ أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي أصحابي ! فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) الى قوله : ( الْحَكِيمُ ) (8).
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأحمد وأبوداود والحاكم وأبو إسماعيل والنسائي وابن أبي عاصم وأبو يعلى والبيهقي عن أنس ، أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني ، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني ، فلأقولن : أي رب أصيحابي أصيحابي ! فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (9).
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لأصحابه : « لأعرفنكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ».
وفي لفظ أحمد عن جرير بن عبد الله : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « استنصت الناس » ثم قال عند ذلك : « لأعرفن ـ بعدما أرى ـ ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » (10).
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأحمد والنسائي وأبو إسماعيل والطبراني في الكبير من طُرقٍ والأوسط عن أم سلمة ، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قام فقال : « أيها الناس ! » قالت فَسَمِعْتُ وأنا أُمتَشَطُ ، فَأَمَرْتُ مَاشِطَتِي ، فَكَفَّتْ رأسي ثم تَقَدَّمْتُ في أدنى الحُجْرةِ ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أيها الناس ! أنا لكم فرط على الحوض وأنه سيؤتى بكم رسلاً فترهقون عني ، فأقول : أين ؟ فيقال : إنهم بدلوا بعدك ، فأقول : سُحقاً سحقاً » (11).
وأخرج أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى والطبراني والبزّار والذهبي وعن ابن طهمان عن أم سلمة أنها قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إن من أصحاب من لا يراني بعد أن أفارقه ».
فخرج عبد الرحمان بن عوف فلقي عمر ، فأخبره بالذي قالت أم سلمة ، فدخل عليها عمر ، فقال : بالله أمنهم أنا ؟ فقالت : لا ، ولا أبرئ أحداً بعدك.
أورده الهيثمي بثلاثة ألفاظ في مجمعه ، ففي موضع عزاه لأحمد وأبي يعلى والطبراني في الكبير ، وفي آخر عزاه لأحمد وأبي يعلى ، وفي ثالث وقال : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وقال المحشي لمسند أبي يعلى : إسناده صحيح. وفي هامش مسند ابن راهويه : صحيح رجاله ثقات كلّهم. وفي هامش سير أعلام النبلاء : ورجاله ثقات (12).
وأخرج ابن عساكر والطبراني والبزار وأبو إسماعيل الأنصاري وعن يعقوب بن سفيان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لألفينَّ ما نوزعت أحداً منكم عند الحوض فأقول : هذا من أصحابي. فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟! ».
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والبزَّار ورجالهما ثقات. وقال في موضع آخر : رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح (13).
وأخرج مسلم وأحمد عن عائشة تقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ـ وهو بين ظهراني أصحابه ـ : « إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم ، فو الله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن : أي ربي ، مني ومن أمتي ! فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ما زالوا يرجعون على أعقابهم » (14).
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد والحاكم وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « فأقول : أصحابي أصحابي !! فقيل : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ قال : فاقول : بُعداً بُعداً » أو قال : « سُحْقاً سُحقاً لمن بَدَّل بعدي ».
وجاء في لفظ لأحمد والحاكم وصحّحه مع الذهبي : « ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم ـ أو ارتددتم ـ على أعقابكم القهقرى » (15).
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي عاصم وأبو إسماعيل عن أبي بكرة ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ليرِدَنّ عليّ الحوض رجال ممن صحبني ورآني ، فإذا رُفِعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : أصيحابي أصيحابي !! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟! » (16).
أخرج نعيم بن حمّاد عن هشام بن حسّان عن الحسن نحوه (17).
وروي في ذلك عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء وزيد بن خالد (18).
وأخرج البخاري عن علاء بن المسيّب عن أبيه ، قال : لقيت البراء بن عازب ، قلت له : طوبى لك صحبت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده (19).
قال الواقدي : وكان طلحة بن عبد الله وابن عباس وجابر بن عبد الله يقولون : صلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على قتلى أُحُد وقال : « أنا على هؤلاء شهيد » ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أليس إخواننا أسلموا كما أسلمنا ، وجاهدوا كما جاهدنا ؟ قال : « بلى ، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئاً ، ولا أدري ما تحدثون بعدي » ، فبكى أبو بكر ، وقال : إنّا لكائنون بعدك ؟!
ورواه الامام مالك في الموطأ (20).
قال أحمد بن محمّد المغربي : وخرّج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض الّذي حُكي عن مالك أنه قال : ما ندمت على حديث أدخلته في [ الموطأ ] إلّا هذا الحديث . وعن الشافعي أنه قال : ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلّا حديث الحوض ، ووددنا أنه لم يذكره ، أو نحو هذه العبارة (21).
فيتعجب المرء ـ عند سماع هذا الكلام ـ من صنيع هذين الإمامين ومن تأسفهما على رواية هذا الحديث ! فتأسفهما في الواقع ليس على نقل الحديث فحسب ، بل مآل هذا التأسف هو التأسف على إخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم به ؛ لأنّ الحديث ثبت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم بطرق مستفيضة صحيحة بل متواترة ، كما لاحظت.
وكان على هذين الإمامين التأسّف على وقوع هذه الحادثة فيما بين الصحابة ، لا على إخبار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم بها ، ولا على تدوينها في كتبهم الحديثية.
فندمُ مالك وتأسّفُ الشافعي ـ لو صحت الحكاية ـ دليل على أن صون مكانة الصحابة أهم لهما من حماية دين الله ووقاية سنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لأن الجدال عن الذين يختانون أنفسهم والخصام للخائنين يكون سبباً لتشويش الإسلام وتغطية الباطل ، فإننا نأخذ جميع مبادئ ديننا من هؤلاء الصحابة ، فإذا لم نستطع أن نميّز المحقّ من المبطل فسنكون متمسّكين بروايات جماعة من الذين أنبأ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بارتدادهم من بعده ومقتدين بسنتهم بحسبان أنها من الحق من دون أن نشعر بأنها عين الباطل.
الهوامش
1. آل عمران : 144.
2. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض : 4 / 206 ح : 6585 و 6586 ، صحيح مسلم كتاب الطهارة باب استحباب الغرة والتحجيل : 3 / 139 و 140 و 141 ح : 37 و 39 م : 247 و 249 و 15 / 69 ح : 38 م : 2302 ، كنز العمال : 14 / 417 و 418 ح : 39124 و 39128 ، مسند أحمد : 2 / 298 و 300 و 408 و 454 و 467 ، بلوغ الأماني : 1 / 195 ، النهاية في الفتن : 1 / 340 و 341 و 342 ، أضواء على السنة المحمدية / 355 ، السنة لابن أبي عاصم : 343 : ح : 769 ، الموطأ كتاب الطهارة باب جامع الوضوء : 1 / 28 ـ 30 ح : 28 ، شرح السنة : 1 / 221 ـ 222 ح : 151 ، سنن ابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر الحوض : 2 / 1439 ـ 1440 ح : 4306 ، مسند أبي يعلى : 11 / 387 ـ 388 ح : 6502 ، ذم الكلام وأهله : 5 / 24 ـ 27 ح : 1361 ، المسند الجامع : 20 / 685 ـ 686 ح : 17643.
3. كنز العمال : 14 / 417 و 419 و 433 ـ 434 ح : 39125 و 39131 و 39185 ، مسند أحمد : 5 / 388 و 393 و 400 ، السنة لابن أبي عاصم : 340 ح : 761 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 455 ح : 37166 وذمّ الكلام وأهله : 5 / 37 ـ 38 ح : 1370 ، المصنف لعبد الرزاق : 11 / 369.
4. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض : 4 / 206 ح : 6583 و 6584 وكتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن ... : 4 / 312 ح : 7050 و 7051 ، صحيح مسلم 15 / 59 ح : 26 م : 2290 ، مجمع الزوائد : 10 / 363 ، الوفا بأحوال المصطفى / 834 ح : 1585 ، أضواء على السنة / 355 ، الفتح الرحماني : 1 / 195 ح : 19 ، النهاية في الفتن والملاحم : 1 / 328 ، السنة لابن أبي عاصم : 345 ح : 774 ، شعب الايمان : 1 / 321 ح : 360 ، صحيح الجامع الصغير : 1 / 484 ـ 485 ح : 2468 ، ذمّ الكلام وأهله : 5 / 30 ـ 32 ح : 1363 ..
5. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض : 4 / 206 ـ 207 ح : 6587 ، فتح الباري : 11 / 580 ، النهاية لابن الاثير 5 : 274.
6. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض : 4 / 207 ح : 6593 وكتاب الفتن باب قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ... ) : 4 / 312 ح : 7048 ، صحيح مسلم : 15 / 61 م : 2293 ، أضواء على السنة / 355 ، كنز العمال : 14 / 419 ح : 39129 ، النهاية في الفتن والملاحم : 2 / 342 ، المعجم الكبير : 24 / 94 ح : 251.
7. صحيح البخاري باب كيف الحوض : 4 / 205 ح : 6576 وكتاب الفتن الباب الأول : 4 / 312 ح : 7049 ، صحيح مسلم : 15 / 64 ـ 65 ح : 32 م : 2297 بأربعة أسانيد ، الوفا باحوال المصطفى / 834 ـ 835 ح : 1586 ، كنز العمال : 14 / 418 ح : 39126 ، أضواء على السنة / 355 ، السنة لابن أبي عاصم : 340 و 341 ح : 761 و 763 ، مسند أبي يعلى : 9 / 102 و 126 ح : 5168 و 5199 ، مسند أحمد : 1 / 384 و 402 و 406 و 407 و 425 و 439 و 453 و 455 ، النهاية في الفتن والملاحم : 1 / 333 وذم الكلام وأهله : 5 / 38 ـ 41 ح : 1371.
8. صحيح البخاري كتاب الأنبياء باب قوله : ( وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) : 2 / 459 ح : 3349 وباب قوله : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ) : 2 / 490 ح : 3447 وكتاب التفسير باب ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) : 3 / 226 ـ 227 ح : 4625 وباب ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) : 3 / 261 ح : 4740 وباب ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) : 3 / 226 ـ 227 ح : 4626 وكتاب الرقاق باب الحشر : 4 / 196 ح : 6526 ، صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب فناء الدنيا وبيان الحشر : 18 / 199 ـ 200 ح : 2860 ، سنن النسائي : 4 / 117 ، مسند أحمد بن حنبل : 1 / 235 و 253 ، مجمع الزوائد : 10 / 364 ، تفسير ابن كثير : 2 / 124 ـ 125 ، السنة لابن أبي عاصم : 345 ح : 773 ، الدر المنثور : 3 / 239 ـ 240 ، أضواء على السنة / 354 ، مسند أبي يعلى : 4 / 452 ح : 2578 ، المستدرك : 2 / 447 ، ذمّ الكلام واهله : 5 / 32 ـ 35 ح : 1364 ـ 1366.
9. صحيح البخاري كتاب الرقاق : 4 / 206 ح : 6582 ، صحيح مسلم : 16 / 70 ح : 40 م : 2304 وكتاب الصلاة ، باب حجة من قال البسملة ... : 4 / 355 ـ 356 ح : 400 ، مسند أحمد : 3 / 102 و 281 ، كنز العمال : 14 / 418 ـ 419 ح : 39127 و 39131 ، سنن النسائي باب قرائة بسم الله ... : 2 / 133 و 134 كتاب السنة : 341 ح : 764 ، مسند أبي يعلى : 7 / 34 ـ 35 و 40 ح : 3942 و 3951 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 455 ح : 37167 وذمّ الكلام وأهله : 7 / 41 ـ 43 ح : 1372.
10. جامع المسانيد والسنن : 22 / 503 ح : 1947 ، مجمع الزوائد عنهما : 7 / 296 ، مسند أحمد : 4 / 366 ، وعن كشف الاستار (3351).
11. صحيح مسلم : 15 / 62 ـ 63 ح : 29 م : 2295 ، مسند أحمد : 6 / 297 ، الفتح الرباني : 1 / 196 ح : 22 ، المعجم الكبير : 23 / 297 و 413 ـ 414 ح : 661 ـ 662 و 996 ـ 997 ، المعجم الأوسط : 9 / 326 ح : 8709 ، كنز العمال : 14 / 419 و 436 ح : 39130 و 39193 ، النهاية في الفتن والملاحم : 344 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 455 ح : 37168 ، ذم الكلام وأهله : 5 / 28 ـ 29 ح : 1362.
12. مسند أحمد : 6 / 290 و 307 و 317 ، مسند ابن راهويه : 4 / 140 ح : 1913 ، مسند أبي يعلى : 12 / 436 ح : 7003 ، مجمع الزوائد : 1 / 112 و 9 / 72 ، سير أعلام النبلاء : 1 / 82 ، وعن ابن طهمان في مشيخته (143) ، والاستيعاب : 6 / 79 و 80.
13. مجمع الزوائد : 9 / 367 و 10 / 365 ، كنز العمال : 13 / 94 ح : 3621 و 36322 و 14 / 435 ح : 39190 ، ذمّ الكلام وأهله : 5 / 35 ـ 36 ح : 1367.
14. صحيح مسلم : 15 / 61 ـ 62 ح : 28 م : 2294 ، كنز العمال : 14 / 419 ح : 39129 ، الفتح الرباني : 1 / 196 ح : 21 ، مسند أحمد : 6 / 121 ، النهاية في الفتن والملاحم : 1 / 343 ، صحيح الجامع الصغير : 1 / 484 ح : 2467.
15. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض : 4 / 206 ح : 6584 وكتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الخ ... : 4 / 312 ح : 7051 ، مسند أحمد : 3 / 18 و 28 و 39 و 62 ، الفتح الرباني : 1 / 195 ح : 19 ، صحيح مسلم : 15 / 60 م : 2291 ، مجمع الزوائد : 10 / 364 ، كنز العمال : 14 / 434 ح : 39186 ، مسند أبي يعلى 7 / 434 ح : 4455 ، المستدرك : 4 / 74 ـ 75 ، جامع الأحاديث للسيوطي : 8 / 500 ـ 501 ح : 30291 ـ 30293.
16. مسند أحمد : 5 / 48 ، 50 ، الفتح الرباني : 1 / 195 ح : 18 ، كتاب السنة : 342 ح : 765 و 766 ، المصنف لابن أبي شيبة : 6 / 310 ـ 311 ح : 31664 ، ذم الكلام وأهله : 5 / 36 ـ 37 ح : 1369.
17. الفتن لنعيم بن حماد : 1 / 94 ح : 222.
18. كتاب السنة : 342 ـ 343 و 344 ح : 771 ، كنز العمال : 14 / 427 و 421 ح : 39166 و 39137 ، مجمع الزوائد : 10 / 364 ، البحر الزخار : 1 / 314 ح : 204.
19. صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية : 3 / 130 ح : 4170.
20. الموطأ كتاب الجهاد باب الشهداء في سبيل الله : 2 / 461 ـ 462 ح : 32 ، المغازي : 1 / 310.
21. فتح الملك العلي / 91 ـ 92.
تعليق