بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.[1]
قد يحتار الإنسان في فهم ومعرفة معنى كلمة الدين ولماذا استعمل الباري عز وجل هذه المفردة في القرآن الكريم فيأتي دور التفاسير لتوضح ذلك: -
﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾، والدين هي الطريقة التي تؤمن السعادة للبشر دنيا وآخرة، إنه عند الله الإسلام، وإن كان عند غيره اليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها، فإن الله سبحانه لم يرسل إلا الإسلام والإسلام هو دين الأنبياء جميعا فإنه عبارة عن تسليم منهج الأعمال إلى الله الذي خلق الكون وهو أعلم بالنظام السماوي له الذي إن تبعه البشر عاش سعيدا ومات حميدا، وقد ذكرنا سابقا أن الاختلاف بين الأديان السماوية الواقعية في شرائط ومزايا لا في الجواهر والأصول.
وبتعبير آخر الدين هو الخضوع للمقررات الربانيّة في السير الحيّوي تنصّ هذه الآية على أن الدين غير معقول أن يكون فيه أكثر من واحد وذلك لان الواقع واحد لا اثنان والباري تعالى لا يتعبّد الناس بغير الواقع وأن هذا الدين الواحد هو الإسلام لله سبحانه في كل وقت ومقررات الإسلام ايضا متحدة في جذورها وان اختلفت المصالح في تغيير وتبديل فروعها على تسلسل الأجيال وتعدد الأنبياء المرسلين حتى استقرّت بكاملها في نبوّة خاتم الأنبياء.
ولم يبق للتغيير والتبديل ذيل يسترسل اليه لتدوين وتقنين القوانين العامّة والخاصة القائمة بجميع شئون الحياة وما يدعى من تطور الدين حسب تطورات الناس فهو تزوير على الحق فان الناس قد يتطورون الى ما هو فاسد بظاهر ضرورات العقول والأذواق الصحيحة فكيف يتطور الدين مع هذا التطور المفروض فان واقع الأشياء واحد وثابت على كل حال.
إذا فلا دين له مجال في عرض الدين الإسلامي وقد كان اهل الكتاب من يهود ونصارى ينتظرون هذه النبوّة الخاتمة لقيام أنبيائهم كل في دوره بهذه المهمّة ولكن دواعي البغي والحسد والاستنكاف عن قبول الحقّ وحبّ الانحياز هي التي اهابت بهم الى ان يتخلفوا عنه ويشوبوا دين الله بآرائهم وانظارهم.
ثم هدّد سبحانه الكافرين بآياته بأنهم سوف يلقون جزائهم من دون مماطلة ولا تسويف لأنه ليس بعد إتمام الحجة الاّ العقوبة، وخلاصة الآية أن الواقع واحد لا تعدد فيه وأن الله لعدله وحكمته ورأفته بعباده لا يكلفهم الاّ بالواقع الثابت ولا يموه عليهم فان التمويه تدليس وخيانة والله يجلّ عن ذلك والواقع الثابت هو الإسلام على كل حال وكما كلّف عباده بأن لا يفرقوا بين نبيّ ونبيّ في تعظيمه والانقياد له وتصديق نبوته لان الجميع يدعون الى الله كذلك كلف عباده بأن يحترموا دعواتهم ويأخذوا بها إلاّ ما نسخ من بعض فروعها وهذا لا غضاضة فيه كالنسخ الذي يكون في الشريعة الواحدة فكما أن النسخ فيها لا يضر بوحدتها كذلك نسخ بعض الدعوات لبعض فروع دعوة أخرى لا يضر بوحدتها فيظهر أن انقسام الدعوات بعد الدعاة مخلوق آراء وأهواء لا قيمة لها.
وفي الروايات ما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾، قَالَ: ((يَعْنِي اَلدِّينَ فِيهِ اَلْإِيمَانُ)).[2]
وَعَنِ اَلْبَاقِرِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾، قَالَ: ((اَلتَّسْلِيمُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) بِالْوَلاَيَةِ)).[3]
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ((لَأَنْسُبَنَّ اَلْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي اَلْإِسْلاَمُ هُوَ اَلتَّسْلِيمُ وَاَلتَّسْلِيمُ هُوَ اَلتَّصْدِيقُ وَاَلتَّصْدِيقُ هُوَ اَلْيَقِينُ وَاَلْيَقِينُ هُوَ اَلْإِقْرَارُ وَاَلْإِقْرَارُ هُوَ اَلْأَدَاءُ وَاَلْأَدَاءُ هُوَ اَلْعَمَلُ)).[4]
[1] سورة آل عمران، الآية: 19.
[2] تفسير العياشي، ج 1، ص 166.
[3] البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 605.
[4] نهج البلاغة، ص 491.
تعليق