بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.[1]
حالة الترصد للفتك برسول صلى الله عليه وآله من قبل اهل الكتاب والمشركين سواء بقتله أو بالتشكيك بنبوته جارية عل قدم وساق لهذا قال عز وجل: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾، يا رسول الله وجادلوك في أمر التوحيد بعد وضوح الحجة فَقُلْ لهم:
﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ﴾، فأنا لا أعبد إلا الله سبحانه لا أتخذ له شريكا، وإسلام الوجه كناية عن الإسلام المطلق إذ تسليم الوجه إلى نحو يدل على تسليم القلب وسائر الجوارح.
﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾، أي الذين اتبعوني هم أيضا أسلموا وجوههم للهِ فقط دون غيره.
﴿وَقُل﴾، يا رسول الله ﴿لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، أي أعطوا الكتاب السماوي من اليهود والنصارى والمجوس وقل لل ﴿الْأُمِّيِّينَ﴾، من المشركين الذين لا كتاب لهم وسموا أميين إما لجهلهم نسبة إلى الأم وإما لأنهم من أهل مكة - أم القرى - ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾، أي هل أسلمتم وجوهكم للّه وحده - بلا جدال ولا نقاش معهم بعد ما تمت عليهم الحجة - ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾، وتشرفوا بدين الإسلام ﴿فَقَدِ اهْتَدَوا﴾، إلى الحقّ، وسلكوا الصّراط المستقيم، وفازوا بالنّجاة من العذاب، وأصابوا جميع الخيرات.
﴿وَّإِن تَوَلَّوْا﴾، عن قبول قولك، وأعرضوا عن الإسلام والإيمان بك، فليس لك مسئولية، وما عليك من تبعة ﴿فَإِنَّمَا﴾، الواجب ﴿عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾، والدّعوة، وإقامة الحجّة، وإيضاح الحقّ، وقد أدّيت ما عليك بما لا مزيد عليه، وبالغت في تبليغك بلا توان ولا فتور ﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، ومطّلع على فطرتهم، وسجيّتهم، وسوء أخلاقهم، وقبائح أعمالهم. وفيه غاية التّهديد.
ويتببن مما سبق أن الله تعالى يرشد رسوله صلى الله عليه وآله إلى أنهم (اليهود والنصارى والمجوس وَالمشركين) إن تخاصموا في البيان وما قبلوا منك، فقل أن هذا الخير الذي أرشدتكم به ولم تأخذوه آخذه أنا واتباعي، إذ من شفقتي وحبي أن يصل اليكم ما يصل إلىّ واتباعي، ومع عدم قبولكم وتفويتكم على أنفسكم فهو لي ولأتباعي وهو الانقياد لله واطاعته والذل بين يديه.
وقل: لأهل الكتاب وللمشركين الذين لم يقرؤوا شيئا؛ أو من كان من اهل مكة وهي ام القرى استفهاما ء اسلمتم ام لا؟ فإن أسلموا فقد قبلوا الهداية ويصل إليهم ما يصل اليك واتباعك، وقد مر نبذ منه قريبا، وإن أدبروا وما قبلوا فليس عليك شيء لأن عليك الارشاد والبلاغ لا أزيد، والله عالم بحال عباده فيجازيهم بما يستحقونه.
روي من طرق العامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا قرأ هذه الآية على أهل الكتاب، قالوا: أسلمنا، فقال صلّى الله عليه وآله لليهود: ((أتشهدون أنّ عيسى كلمة الله وعبده ورسوله؟)) فقالوا: معاذ الله.
وقال صلّى الله عليه وآله للنّصارى: ((أتشهدون أنّ عيسى عبد الله ورسوله؟» فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدا، وذلك قوله: وإِنْ تَوَلَّوْا)).[2]
وعن ابن عباس قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو والحرث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد قال: على ملة إبراهيم ودينه قالا: فإن إبراهيم كان يهوديا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم إلى قوله وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون).[3]
[1] سورة آل عمران، الآية: 20.
[2] تفسير مقتنيات الدرر، ج 2، ص 178.
[3] الدر المنثور (جلال الدين السيوطي)، ج 2، ص 14.
تعليق