تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.[1]
لمعرفة المقصود الإلهي من هذه العبارات العظيمة نلجأ الى ما تركه سادة الخلق صلوات الله عليهم أجمعين من كلماتهم وأدعيتهم فمثلا: -
ما كان من دعاء الإمام السجاد عليه السلام عند الصباح والمساء: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، وَأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ بِتَقْدِير مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْـذُوهُمْ بِـهِ وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْـهِ)).[2]
وفِي كِتَابِ اَلْإِهْلِيلَجَةِ[3] قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اَللَّيْلَ وَاَلنَّهَارَ، ((يَلِجُ أَحَدُهُمَا فِي اَلْآخَرِ، يَنْتَهِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى غَايَةٍ مَعْرُوفَةٍ مَحْدُودَةٍ فِي اَلطُّولِ وَاَلْعَرْضِ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَمَجْرًى وَاحِدٍ)).[4]
علّم الله نبيّه في هذه الآية كما علّم بالتبع غيره من المؤمنين كيفية دعائهم في دفع الاضرار وجلب المنافع وتأمين المقاصد، واَلْمُلْكِ هو كل قدرة مثمرة مؤثرة ولا شكّ أنّ صانع العالم بحذافيره هو مالكه الحقيقي وكل مالكية ترى وراءه فهي اشعاع عن مالكية ونزع الملك تعرية من كان بيده شيء من القدرة وفصله عنها والإعزاز إعطاء العزّة وهي المنعة عن أن ينال صاحبها مكروه أو يغمط حقه أو يعتدى عليه والأذلال هو الإطاحة بالشخص بحيث لا يستطيع أن يستوفى حقه أو أن يدفع عن نفسه باطلا يتوجه اليه وقدرة تتصرف فيه بغير حق.
واَلْخَيْرُ يقال في قبال الشّر وهو ما كان محبوبا للنفوس بخلاف قبيله، وإنّما قال سبحانه بِيَدِكَ اَلْخَيْرُ ولم يردفه بالشّر لأن كل ما يفعله الله من إيتاء الملك ونزعه وإعزاز من يشاء وإذلال من يشاء صادر على وفق المصلحة وكل ما يصدر عن مصلحة فهو خير لا منفذ للشّر فيه. والتعبير بإيلاج اَللَّيْلَ فِي النهار وإيلاج النهار فِي اَللَّيْلِ تعبير عن حالة ظاهرية وبمنزلة تشبيه يعني في زمان اضاءة الشمس لوجه الكرة المقابل لها كأن الليل ثوب مطوي حشى في باطن النهار وفي زمان عدم مقابلة ذلك الوجه من الكرة للشمس كأن النهار ثوب مطوي حشى به باطن الليل فهذا معنى إيلاج أحدهما في الآخر وكذلك إخراج اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ واَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ تشبيه وبحسب الظاهر أيضا كإخراج الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان ونظير ذلك وإيتاء الله الملك من يشاء ونزعه ممّن يشاء وإعزازه من يشاء واذلاله من يشاء كل ذلك للمصالح المتوفرة المتركزة في علمه لا جزافا واعتباطا وامّا مسألة إيلاج اَللَّيْلَ فِي النهار والنهار فِي اَللَّيْلِ فهي حيوية مكشوفة لا شكّ فيها وإخراج اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ واَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ من أعظم دلائل الخلقة بتفاصيل ليس محلّها هذه الآية وقد سبق ويأتي شتات من هذه النماذج، وامّا الرزق بِغَيْرِ حساب فليس منشأه الجهل والجزاف وانما هو الاختبار والامتحان فيمن أعطى اكثر من قابليته أو منع حتى في الضروري من حيويّاته.
وقد سُئِلَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) عَنِ اَلْمَوْتِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: ((هُوَ اَلتَّصْدِيقُ بِمَا لاَ يَكُونُ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ اَلصَّادِقِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ لَمْ يَكُنْ مَيِّتاً، وَإِنَّ اَلْمَيِّتَ هُوَ اَلْكَافِرُ، إِنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: تُخْرِجُ اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ اَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ يَعْنِي اَلْمُؤْمِنَ مِنَ اَلْكَافِرِ، وَاَلْكَافِرَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِ)).[5]
[1] سورة آل عمران، الآية: 27.
[2] الصحيفة السجادية، ص 48.
[3] حديث الإهليلجة: رسالة من الإمام الصادق عليه السلام كتبها في جواب ما كتبه إليه المفضل ابن عمر الجعفي يسأله فيه أن يكتب ردا على الملحدين المنكرين للربوبية واحتجاجا عليهم.
[4] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 14.
[5] الاعتقادات في دين الإمامية (للشيخ الصدوق)، ص 56.
تعليق