بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.[1]
سؤال عميق يطرأ على المتوقف عند هذه الآية الشريفة وهو: أيعقل أن امرأة نبي (عمران بن ماثان) يرد منها مثل هذا الاعتراض؟
والجواب: لقد تحسرت امرأة عمران على ما كان من خيبة رجائها ومعاكسة تقديرها، وتحزنت إلى ربها إذ كانت ترجو ذكرا تهبه محررا لبيت الله وتقفه على خدمته، ولكن الوليدة أنثى والبنات لا يصلحن لذلك التحرر الطليق، للزوم مقامهن عند أزواجهن في زواجهن، ولزوم الخروج عن بيت الله حالة الحيض والطلق على اية حال.
فهنا ﴿.. قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى﴾، ليست إخبارا ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾، بل هو تحسّر أنها لا تصلح لذلك التحرر لأنها أنثى، فقد تناجي ربها كمعتذرة عن تحرّرها أو كئيبة لأنها أنثى، راجية أن يقبلها ربها على أنوثتها كما تقبّلها، مشفقة من ألاّ يقبل نذرها.
كما ورد عَنْ إِسْمَاعِيلَ اَلْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ اِمْرَأَةَ عِمْرَانَ لَمَّا نَذَرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا مُحَرَّراً قَالَ: وَاَلْمُحَرَّرُ لِلْمَسْجِدِ إِذَا وَضَعْتَهُ [أَوْ] دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَلَمْ يَخْرُجْ [مِنَ اَلْمَسْجِدِ] أَبَداً فَلَمَّا وَلَدَتْ مَرْيَمَ ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾، فَسَاهَمَ عَلَيْهَا اَلنَّبِيُّونَ فَأَصَابَ اَلْقُرْعَةُ زَكَرِيَّا، وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهَا وَكَفَّلَهَا وَأَدْخَلَهَا اَلْمَسْجِدَ، فَلَمَّا بَلَغَتْ مَا تَبْلُغُ اَلنِّسَاءُ مِنَ اَلطَّمْثِ وَكَانَتْ أَجْمَلَ اَلنِّسَاءِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي وَيُضِيءُ اَلْمِحْرَابُ لِنُورِهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا فَإِذَا عِنْدَهَا فَاكِهَةُ اَلشِّتَاءِ فِي اَلصَّيْفِ وَفَاكِهَةُ اَلصَّيْفِ فِي اَلشِّتَاءِ فَقَالَ: ﴿أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللهِ﴾، «ف» ﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ﴾، قَالَ: ﴿إِنِّي خِفْتُ اَلْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي﴾، إِلَى مَا ذَكَرَهُ اَللهُ مِنْ قِصَّةِ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى)).[2]
فهي كجملة معترضة، هي ذود عن ساحة الرب أن يعلّم، على ذود عن ساحتها أن تعلّمه، وبيان أنها قائلة قولها متحسرة في ذلك العرض.
والجملة المعترضة بحاجة الى برهان لأنها خلاف المتعود من سرد الجمل. قد تكون هي من قول الله اشعارا في هذه الاذاعة القرآنية أن الذكر المطلوب هنا ليس كالأنثى الموهوبة، بل هي أعلى منه وأولى، إذ تحمل اضافة الى ما تطلبته من التحرر، فإنها تتقبل محررة في نفسها، ووالدة لعيساها وهما من آيات الله الكبرى، وليست «وليست الأنثى كالذكر» لتفيد ذلك المعنى. ثم هي من قولها على هامش قول الله، عناية الى غير معناها: أن الذكر ليس معذورا كما الأنثى، حيث الأنثى لا تصلح لما يصلح له الذكر ولا سيما في حقل التحرر هكذا، لأجل ما يلحقها من الحيض والنفاس، وما يلزمها من الصيانة عن التبرج للناس، فإذا خالطت الرجال افتتنوا بها واستضروا بمكانها كما تفتتن هي بهم، حيث النساء أوهن عقودا، وأضعف عقلية وصمودا ووساوس الشيطان إليهن أسرع، فأهواؤه إليهن أهرع. ثم العكس يفيد نفس المعنى ولكن الأصل أوضح، وقد ورد عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((أَوْحَى اَللهُ إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً يُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَاَلْأَبْرَصَ وَيُحْيِي اَلْمَوْتَى بِإِذْنِ اَللهِ، وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ اِمْرَأَتَهُ حَنَّةَ، فَحَمَلَتْ فَوَضَعَتْ مَرْيَمَ، فَقَالَتْ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى﴾، وَاَلْأُنْثَى لاَ تَكُونُ رَسُولاً، وَقَالَ لَهَا عِمْرَانُ: إِنَّهُ ذَكَرٌ يَكُونُ مِنْهَا نَبِيّاً فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ مَا قَالَتْ، فَقَالَ اَللهُ وَقَوْلُهُ اَلْحَقُّ: ﴿وَاَللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ﴾، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فَكَانَ ذَلِكَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ ، فَإِنْ قُلْنَا لَكُمْ إِنَّ اَلْأَمْرَ يَكُونُ فِي أَحَدِنَا فَكَانَ فِي اِبْنِهِ وَاِبْنِ اِبْنِهِ وَاِبْنِ اِبْنِ اِبْنِهِ، فَقَدْ كَانَ فِيهِ فَلاَ تُنْكِرُوا ذَلِكَ)).[3]
[1] سورة آل عمران، الآية: 36.
[2] تفسير العياشي، ج 1، ص 170.
[3] تفسير العياشي، ج 1، ص 171.
تعليق