بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾.[1]
﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً﴾، قيل إنّما قال ذلك ليتعرّف بها وقت الحمل ليزيد في العبادة والشّكر أو ليتعجّل السّرور به.
﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾، لا تقدر على التكلّم ثلاثة أيام إلا رَمْزاً استثناء مفرّغ منقطع أي: لكن ترمز إليهم رمزا، أو المراد بالتكلّم الافهام والاستثناء متّصل والمعنى آيتك أن لا تفهم النّاس ما في ضميرك نحوا من الافهام إلاّ إفهام رمزا كما ورد عن عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ زَكَرِيَّا لَمَّا دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ ذَكَراً ﴿فَنادَتْهُ اَلْمَلائِكَةُ﴾، بِمَا نَادَتْهُ بِهِ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ اَلصَّوْتَ مِنَ اَللهِ، أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنْ يُمْسَكَ لِسَانُهُ عَنِ اَلْكَلاَمِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَلَمَّا أُمْسِكَ لِسَانُهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ اَللهُ، وَذَلِكَ قَوْلُه تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾)).[2]
وفي حال من الأحوال إلاّ رامزا أو رامزين وإنّما حبس لسانه عن مكالمتهم خاصّة دون ذكر الله ليخلص في تلك المدّة لشكره وذكره قضاء لحقّ النّعمة، وهذا دليل على أنّ طلب الآية كان لمعرفة وقت الحمل طلبا لازدياد الشّكر والذّكر.
﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا﴾، يعني في تلك الايّام عرّفه أنّ حبس لسانه عن الكلام بغير ذكر الله وذلك ليكثر ذكر الله في تلك المدّة وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ قيل من الزّوال الى الغروب.
وقيل: من العصر الى ذهاب صدر اللّيل وهذا هو المتبادر.
وقيل: من الغروب الى ذهاب صدر اللّيل وَالإبكار من طلوع الفجر الى الضّحى والتّسبيح بمعنى التّنزيه والتّطهير لكنّه إذا نسب الى الله يراد به تنزيهه من النّقائص مع عدم اعتبار تنزّهه عن النّسب والإضافات، أو مع اعتبار النّسب والإضافات الى الكثرات كما في اوّل سورة البقرة عند قوله تعالى: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾[3].
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ((مُدَاوَمَةُ اَلذِّكْرِ قُوتُ اَلْأَرْوَاحِ وَمِفْتَاحُ اَلصَّلاَحِ)).[4]
فلعلّ بكثرة ذكر ربّه تمهّد هو وزوجته للولد.
﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾، هذا من باب ذكر الخاص بعد العام ويستفاد منه أنّ للتسبيح في وقت الصبح والعشاء خصوصيّة ليست لغير هذين الوقتين؛ كما ورد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَدِيثٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ لِرَجُلٍ إِذَا أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ فَقُلْ سُبْحَانَ اَللهِ وَاَلْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللهُ وَاَللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّ لَكَ إِنْ قُلْتَهُ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ عَشْرَ شَجَرَاتٍ فِي اَلْجَنَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْفَاكِهَةِ وَهُنَّ اَلْبَاقِيَاتُ اَلصَّالِحَاتُ)).[5]
واعلم أنّ في كلّ فرد من افراد بنى آدم بل في كلّ جزء من أجزاء العالم لطيفة إلهيّة هي تربيه وتحرّكه الى كمالاته الثّانويّة وتخرجه من القوى والاستعدادات المودعة فيه الى فعليّاته، وتلك اللّطيفة بوجه ربّه وبوجه اسم ربّه وهي محتجبة تحت اعدام الطّبع ورذائل النّفس، وتنزيهها عبارة عن تطهيرها عن الاعدام والنّقائص والرّذائل ولا يمكن ذلك الاّ بكثرة الذّكر المأخوذ ممّن كان مجازا من الله بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط، ولذا أمر به بعد الأمر بالذّكر الكثير وكلّما ذكر تسبيح مطلقا أو مقيّدا باسم الرّبّ أو بالرّبّ أو بالله واقعا عليها بنفسه أو متعلّقا بها باللاّم أو بالباء فالمراد تنزيه تلك اللّطيفة لأنها اسم للرّبّ ونازلة من الله، والمراد بالعشىّ والإبكار إمّا تمام الأوقات فإنّه قد يراد بذكر طرفي النّهار استغراق جميع الأوقات في العرف، أو خصوص طرفي النّهار فانّهما وقت نشاط النّفس واشتداد شوقها الى أصلها بخلاف جوف اللّيل ووسط النّهار فإنّهما وقت كلال النّفس وفتور القوى.
[1] سورة آل عمران، الآية: 41.
[2] تفسير العياشي، ج 1، ص 172.
[3] سورة البقرة، الآية: 30.
[4] عيون الحكم، ص 487.
[5] وسائل الشيعة، ج 7، ص 185.
تعليق