الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين..
عندما ننظر إلى حكَّام المسلمين نجد أنَّ أغلبهم قد تسلَّط على رقاب المسلمين بوصفهم أسيادًا عليهم، يُعاملون الرعية على أنَّهم عبيدٌ لهم، يتَّخذون من القصور والمعارج بيوتًا بمعيَّة أهلهم وذويهم، يتسيدون على رقاب الرعية، يمنحون لأنفسهم الامتيازات العالية، والرواتب المهولة، وحمايات بأفرادٍ كعدد الجيوش، وشعوبهم يحكمها الجوع وتفشي المرض وتسيد الجريمة، وكلُّ ذلك بعيدٌ عن روح الإسلام ومعدنه، إذ لا امتيازات للحاكم على حساب رعيته، ولا فوارق طبقية بينه وبينهم، وقد أوضح هذا الأساس وطبَّقه عمليًّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (عليه السلام) فقال: ((إنَّما أنا رجل منكم، لي ما لكم وعليَّ ما عليكم))([1])، فلم يتَّخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) من السلطان وسيلةً ليجمع المال أو الجاه أو الحمايات أو السيارات الفارهة، وإنَّما كان في الحقوق والواجبات كأحد الرعيَّة لا يتميَّز عنهم بشيء، وهذا الأمر جعله (عليه السلام) أساسًا للحكم ومدارًا لتطبيق السلطان، وكان يسعى بكلِّ مناسبةٍ إلى أن يجعل هذا المفهوم سبيلًا للحكم الإسلامي لا مناص منه، فهو يذكِّر ولاته ويأمرهم ويتابعهم ويشدِّد على أن يكون الحاكم بطبقة الشعب ومنهم، وعلى ذلك يقول: ((وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ؛ ولَكِنَّه فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ، وأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ، ولَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ، وفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّه (عَزَّ وجَلَّ) وأَنْتَ مِنْ خُزَّانِه حَتَّى تُسَلِّمَه إِلَيَّ، ولَعَلِّي أَلَّا أَكُونَ شَرَّ وُلَاتِكَ لَكَ والسَّلَامُ))([2]) . ثمَّ يؤكِّد لولاته أنَّ الإمارة والحكم هي أمانة في عنق الحاكم وليس امتيازات وأموال ورفاهة عيش، وفي ذلك يقول: ((إن هذه الامارة أمانة، فمن جعلها خيانة، فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، ومن استعمل خائنًا، فان محمدًا (صلى الله عليه وآله) منه برئ في الدنيا والآخرة))([3])، وهنا التحذير للحكام بأن ينتبهوا إلى اختيار مسؤوليهم ومعاونيهم، فلا يختاروا إلَّا العادل الأمين، ومن سلَّط خائنًا على رقاب الناس كان محمَّدًا (صلى الله عليه وآله) بريئًا منه يوم القيامة، وفي ذلك الخسران المبين، ثمَّ إنَّ على الحاكم أن يؤخِّر حوائجه ويقدِّم حوائج الناس، وعليه أن يصبر في خدمة رعيته، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ واصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، ووُكَلَاءُ الأُمَّةِ))([4])، وكلُّ ذلك يجب أن يؤطَّر بالود والرحمة بين الحاكم ورعيته، فأمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر ولاته أن تكون علاقتهم برعيتهم بمنزلة الوالد من الولد، حتَّى تسود الرحمة بينهم ويتكاملوا مع بعضهم بعضًا، وفي هذا المعنى يقول (عليه السلام) ((أما بعد؛ فإنَّ الله جعلكم في الحقِّ جميعًا سواءً أسودكم وأحمركم، وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الولد من الوالد، والوالد من الولد))([5]) .
وفي الختام على جميع الولاة والحكام أن يعرفوا أنَّهم بمنزلة الأجير عند الشعب، ولا فضل لهم عليهم، وأنَّ حوائجهم تُقضى قبل حوائجهم، وأنَّ الإمارة أمانة عندهم يحاسبهم الله عليها، وعلى كلِّ قرارٍ اتَّخذوه في حياتهم في السلطة .
هدى الله تعالى أمراء المسلمين إلى ما فيه الخير والصلاح ... ربَّنا لا تُسلِّط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا .
([1]) بحار الأنوار: 32/17 .
([2]) نهج البلاغة، تحقيق صالح: 366 .
([3]) مستدرك الوسائل: 17/355 .
([4]) نهج البلاغة، تحقيق صالح: 425 .
([5]) بحار الأنوار: 32/416 .
: د. عمَّار حسن عبد الزهرة
عندما ننظر إلى حكَّام المسلمين نجد أنَّ أغلبهم قد تسلَّط على رقاب المسلمين بوصفهم أسيادًا عليهم، يُعاملون الرعية على أنَّهم عبيدٌ لهم، يتَّخذون من القصور والمعارج بيوتًا بمعيَّة أهلهم وذويهم، يتسيدون على رقاب الرعية، يمنحون لأنفسهم الامتيازات العالية، والرواتب المهولة، وحمايات بأفرادٍ كعدد الجيوش، وشعوبهم يحكمها الجوع وتفشي المرض وتسيد الجريمة، وكلُّ ذلك بعيدٌ عن روح الإسلام ومعدنه، إذ لا امتيازات للحاكم على حساب رعيته، ولا فوارق طبقية بينه وبينهم، وقد أوضح هذا الأساس وطبَّقه عمليًّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (عليه السلام) فقال: ((إنَّما أنا رجل منكم، لي ما لكم وعليَّ ما عليكم))([1])، فلم يتَّخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) من السلطان وسيلةً ليجمع المال أو الجاه أو الحمايات أو السيارات الفارهة، وإنَّما كان في الحقوق والواجبات كأحد الرعيَّة لا يتميَّز عنهم بشيء، وهذا الأمر جعله (عليه السلام) أساسًا للحكم ومدارًا لتطبيق السلطان، وكان يسعى بكلِّ مناسبةٍ إلى أن يجعل هذا المفهوم سبيلًا للحكم الإسلامي لا مناص منه، فهو يذكِّر ولاته ويأمرهم ويتابعهم ويشدِّد على أن يكون الحاكم بطبقة الشعب ومنهم، وعلى ذلك يقول: ((وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ؛ ولَكِنَّه فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ، وأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ، ولَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ، وفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّه (عَزَّ وجَلَّ) وأَنْتَ مِنْ خُزَّانِه حَتَّى تُسَلِّمَه إِلَيَّ، ولَعَلِّي أَلَّا أَكُونَ شَرَّ وُلَاتِكَ لَكَ والسَّلَامُ))([2]) . ثمَّ يؤكِّد لولاته أنَّ الإمارة والحكم هي أمانة في عنق الحاكم وليس امتيازات وأموال ورفاهة عيش، وفي ذلك يقول: ((إن هذه الامارة أمانة، فمن جعلها خيانة، فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، ومن استعمل خائنًا، فان محمدًا (صلى الله عليه وآله) منه برئ في الدنيا والآخرة))([3])، وهنا التحذير للحكام بأن ينتبهوا إلى اختيار مسؤوليهم ومعاونيهم، فلا يختاروا إلَّا العادل الأمين، ومن سلَّط خائنًا على رقاب الناس كان محمَّدًا (صلى الله عليه وآله) بريئًا منه يوم القيامة، وفي ذلك الخسران المبين، ثمَّ إنَّ على الحاكم أن يؤخِّر حوائجه ويقدِّم حوائج الناس، وعليه أن يصبر في خدمة رعيته، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ واصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، ووُكَلَاءُ الأُمَّةِ))([4])، وكلُّ ذلك يجب أن يؤطَّر بالود والرحمة بين الحاكم ورعيته، فأمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر ولاته أن تكون علاقتهم برعيتهم بمنزلة الوالد من الولد، حتَّى تسود الرحمة بينهم ويتكاملوا مع بعضهم بعضًا، وفي هذا المعنى يقول (عليه السلام) ((أما بعد؛ فإنَّ الله جعلكم في الحقِّ جميعًا سواءً أسودكم وأحمركم، وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الولد من الوالد، والوالد من الولد))([5]) .
وفي الختام على جميع الولاة والحكام أن يعرفوا أنَّهم بمنزلة الأجير عند الشعب، ولا فضل لهم عليهم، وأنَّ حوائجهم تُقضى قبل حوائجهم، وأنَّ الإمارة أمانة عندهم يحاسبهم الله عليها، وعلى كلِّ قرارٍ اتَّخذوه في حياتهم في السلطة .
هدى الله تعالى أمراء المسلمين إلى ما فيه الخير والصلاح ... ربَّنا لا تُسلِّط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا .
([1]) بحار الأنوار: 32/17 .
([2]) نهج البلاغة، تحقيق صالح: 366 .
([3]) مستدرك الوسائل: 17/355 .
([4]) نهج البلاغة، تحقيق صالح: 425 .
([5]) بحار الأنوار: 32/416 .
: د. عمَّار حسن عبد الزهرة