من وحي الوصي.. الحكم القصار للإمام علي؛ لآلئ ودرر (الجزء الثالث)
حظي كلام أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في نهج البلاغة بما لم يحظ به كلام غيره من البلغاء والعظماء من العناية التامة والاهتمام البالغ من قبل بقية الأدباء والشعراء على مر الأحقاب .
15
تذل الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير.
يحذر الإمام علي بهذا من المخبآت والمفاجآت التي لا تراها العيون، لا تومىء إليها القرائن من قريب وبعيد، يحذر كل إنسان من ذلك كي يحتاط ويحترس.. على ان الوقاية من الهلاك قد تكون هي السبب الموجب له، كالطبيب يصف نوعا من الدواء لمريضه بقصد الشفاء، فيقضي عليه، يتحصن الجيش من عدوه في مكان ملغوم، يفر من الجهاد طلبا للسلامة فيقع فيما هو أدهى وأمر.
16
سئل عليه السلام عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم “غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود” فقال الإمام علي عليه السلام إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قل، فأما الآن و قد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار.
الدين قل أي لم ينتشر بين الناس ويكثر أتباعه. والنطاق الحزام. والجرانم قدم البعير يضرب به الأرض إذا استراح، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر الشيوخمن أصحابه أن يستروا الشيب عن العدو بالخضاب ليظهروا أمامه في هيئة الأقوياء.
فقال الإمام علي ذاك حيث كان الإسلام ضعيفا بقلة أتباعه، أما اليوم وقد ظهر على الدين كله فلم يبق لهذا الحكم من موضوع، فمن شاء فليترك الخضاب، من شاء فليخضب. وبهذا القصد ألغى عمر سهم المؤلفة قلوبهم.
وتسأل ألا يتنافى هذا مع الحديث المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلال محمد حلال الى يوم القيامة، حرامه حرام الى يوم القيامة؟.
الجواب ان الأحكام الشرعية الإسلامية على نوعين الأول منهما يرتبط بطبيعة الإنسان و فطرته من حيث هو إنسان، هذا النوع من الأحكام لا يتغير ولا يتبدل تماما كنظام الكون والأفلاك في حركاتها الدائبة، لو اختل شيء منه لانهار الكون بما فيه. وهذا النوع هو المقصود بالحديث المشهور.
والنوع الثاني يرتبط بالحياة الاجتماعية، هذا تتغير أحكامه تبعا لتغير المجتمع من حال الى حال حيث يتغير موضوع الحكم وسببه الموجب، خضاب الشيب وعدم خضابه من هذا النوع و تقدم الكلام عن ذلك في شرح الخطبة 174 فقرة “التحليل والتحريم بين الإسلام والمسيحية”.
17
خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل.
ضمير الجماعة في خذلوا ولم ينصروا يعود الى الذين لم يبايعوا الإمام، لم يحاربوا ضده ولا معه كابن وقاص وابن عمر.
قال ابن أبي الحديد يدل هذا القول من الإمام أنه راض عنهم.أما ميثم فقال يجري هذا الكلام مجرى العذر عنهم.
أما نحن فلا نرى ذما أوجع وأقذع من هذا..كيف وقد تهيأت لهم الأسباب الكافية الوافية لمناصرة الحق وخذلان الباطل؟ ومع هذا تجاهلوا وأحجموا..
وفي الخطبة 29 وبخ الإمام المتقاعسين عن القتال معه وقرعهم بقوله “لا يدرك الحق إلا بالجد.. ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟”.
وقال سبحانه ﴿فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله﴾ـ9 الحجرات.
وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الساكت عن الحق شيطان أخرس..الى كثير من الآيات والروايات.
18
من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
كل الأعمال بالآمال، لولا الأمل لبطل العمل. والمذموم هو أن تطلق العنان لأملك في الدنيا وحطامه، تزاحم الآخرين، تعلن الحرب من أجلها غير مكترث بواجب وحرام، لا بدين وشريعة. ومن كان هذا شأنه نسي الموت و ما بعده، اختطفه على حين غرة، ذهب به الى خالقه بلا زاد واستعداد.
19
أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلا ويدالله بيده يرفعه.
المراد بذوي المروءات كل من يأنف من القبيح، ينزه نفسه عما يشين، يتغافل عن زلل الاخوان، قال بعض السلف رأيت المعاصي مذلة، فتركتها مروءة.
أما العثرات فالمراد بها بعض الهفوات والسقطات التي لا يخلو منها إلا من عصم ربك، المعنى تجاهلوا هفوة من كريم.. وأي الرجال المهذب؟. ولا يقيم الحد من كان لله عليه حد، كما قال الإمام أمير المؤمنين، قال السيد المسيح من كان منكم بريئا فليرمها بحجر يريد الزانية.
(ويد الله بيده يرفعه) أي انه تعالى يتداركه برحمته، ذلك بأن يهيىء له أسباب التكفير عن هفوته وعثرته بالتوبة وبأية فضيلة من الفضائل إن الحسنات يذهبن السيئات ـ114 هود.
20
قرنت الهيبة بالخيبة، الحياء بالحرمان. والفرصة تمرمر السحاب فانتهزوا فرص الخير.
الخوف من الله حتم، هو مقام الربانيين، الخوف من القول والفعل بلا علم حسن وجميل، هو من صفات العلماء والمتقين، كل خوف ما عدا هذين فهو جبن وخور.
فأقدم على ما يطمئن اليه قلبك، ان قال الناس وقالوا.. وان أحجمت خوفا من قيلهم وقالهم عشت حياتك سلبيا فاشلا..على أنك لا تسلم من ألسنة الناس و ان حذرت منها ومنهم.. وأحمد الله سبحانه الذي عافاني من هذا الداء، لو شاء لفعل.
وتقدم الكلام عن ذلك في الحكمة رقم 2 عند شرح قوله “الجبن منقصة”.
(والحياء بالحرمان).الحياء من فعل ما لا يقره عقل ولا دين، تأباه الكرامة والمروءة هو من الدين في الصميم، سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، خلق من خلق الأباة والسراة، أما الحياء من الحلال، بخاصة ما ينفع الناس فهو عجز وخوف، خنوع واستكانة، خلق من خلق الضعفاء والجبناء.
وهذا النوع من الخوف هو مراد الإمام، من أقواله “تكلموا تعرفوا” ومن الأمثال العامة “لا ينجب أولادا من يستحي من زوجته”.
وبهذه المناسبة نشير الى ما قيل في تفسير هذا الحديث “مما ادرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت”. قيل في تفسيره إذا لم تستح من الله والناس فافعل ما بدا لك من حلال وحرام، حسن وقبيح. وهذا المعنى معروف بين الناس. وقيل معناه إذا لم يكن في الفعل ما تستحي منه فافعله، لا بأس عليك. وكل من المعنيين صحيح يتحمله لفظ الحديث.
أما فرص الخير فإنها تمر من السحاب، كما قال الإمام، اغتنامها سعادة وكرامة، فواتها حسرة وندامة. ولا أرى مثيلا لمن أضاع الفرصة إلا منكر الجميل. هذا أخذ ولم يشكر، ذاك رفض ما يستوجب الشكر، كل مقصر.
21
لنا حق فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السرى.
الراكب اعجاز الإبل هو الرديف أي الراكب خلف الراكب. والسرى: سير الليل، المراد به هنا طول الأمد.
ولا خلاف بين أحد في ان الإمام كان يرى أنه أحق بالخلافة من جميع الصحابة دون استثناء، انه احتج لحقه هذا بالحسنى، أقواله في النهج وغير النهج صريحة في ذلك. وقال هن: ان أعطي هذا الحق عن رضا وطيب نفس فذاك، إن زاحمه عليه مزاحم صبر ولا يثير حربا حتى و لو جاء رديف، بل ورابع، طال الأمد سنوات وسنوات..لا لشيء إلا حرصا على مصلحة الاسلام والمسلمين، خوفا من الفتنة وانشقاق الكلمة. وهذا ما حدث بالفعل.
وقيل: يجوز أن يكون مراد الإمام انه اذا لم يحصل على حقه في الخلافة ركب الصعاب من أجله. وهذا المعنى قريب من دلالة اللفظ، بعيد عن الواقع، لأن الإمام ما زاد شيئا عن النقاش والجدال بالتي هي أحسن.
22
من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
ليست الفضيلة بالمال والأنساب، بل بالعلم والعمل. ولا فرق بين أعمى بصر يعتمد على عص، أعمى بصيرة يعتمد على عظام المقابر. وصدق الله العظيم: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ـ13 الحجرات.
23
من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
التنفيس عن المكروب عطف تفسير على إغاثة الملهوف. والصدقة عامة وخاصة كما أشرنا في شرح الحكمة 6 وكلام الإمام هنا عن الخاصة، من أمثلة الملهوف مريض لا يملك أجرة الطبيب وثمن الدواء، ذو عيال وأطفال يعجز عن قوتهم و نفقتهم، مدين لا سبيل له الى الوفاء، مظلوم لا يجد المعين على ظالمه إلا الله.
ولكل واحد من هؤلاء ومن اليه كبد حرى لاهفة تائهة لا تدري ما الحيلة و الوسيلة؟ فمن رد لهفته، رحم حيرتها صفح الله تعالى العظيمات من سيئاته وكان في عونه دنيا وآخرة.
وفي الحديث: من لا يرحم لا يُرحم. وقال الإمام: كما تدين تدان، كما تزرع تحصد.
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية الثقافية
حظي كلام أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في نهج البلاغة بما لم يحظ به كلام غيره من البلغاء والعظماء من العناية التامة والاهتمام البالغ من قبل بقية الأدباء والشعراء على مر الأحقاب .
15
تذل الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير.
يحذر الإمام علي بهذا من المخبآت والمفاجآت التي لا تراها العيون، لا تومىء إليها القرائن من قريب وبعيد، يحذر كل إنسان من ذلك كي يحتاط ويحترس.. على ان الوقاية من الهلاك قد تكون هي السبب الموجب له، كالطبيب يصف نوعا من الدواء لمريضه بقصد الشفاء، فيقضي عليه، يتحصن الجيش من عدوه في مكان ملغوم، يفر من الجهاد طلبا للسلامة فيقع فيما هو أدهى وأمر.
16
سئل عليه السلام عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم “غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود” فقال الإمام علي عليه السلام إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قل، فأما الآن و قد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار.
الدين قل أي لم ينتشر بين الناس ويكثر أتباعه. والنطاق الحزام. والجرانم قدم البعير يضرب به الأرض إذا استراح، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر الشيوخمن أصحابه أن يستروا الشيب عن العدو بالخضاب ليظهروا أمامه في هيئة الأقوياء.
فقال الإمام علي ذاك حيث كان الإسلام ضعيفا بقلة أتباعه، أما اليوم وقد ظهر على الدين كله فلم يبق لهذا الحكم من موضوع، فمن شاء فليترك الخضاب، من شاء فليخضب. وبهذا القصد ألغى عمر سهم المؤلفة قلوبهم.
وتسأل ألا يتنافى هذا مع الحديث المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلال محمد حلال الى يوم القيامة، حرامه حرام الى يوم القيامة؟.
الجواب ان الأحكام الشرعية الإسلامية على نوعين الأول منهما يرتبط بطبيعة الإنسان و فطرته من حيث هو إنسان، هذا النوع من الأحكام لا يتغير ولا يتبدل تماما كنظام الكون والأفلاك في حركاتها الدائبة، لو اختل شيء منه لانهار الكون بما فيه. وهذا النوع هو المقصود بالحديث المشهور.
والنوع الثاني يرتبط بالحياة الاجتماعية، هذا تتغير أحكامه تبعا لتغير المجتمع من حال الى حال حيث يتغير موضوع الحكم وسببه الموجب، خضاب الشيب وعدم خضابه من هذا النوع و تقدم الكلام عن ذلك في شرح الخطبة 174 فقرة “التحليل والتحريم بين الإسلام والمسيحية”.
17
خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل.
ضمير الجماعة في خذلوا ولم ينصروا يعود الى الذين لم يبايعوا الإمام، لم يحاربوا ضده ولا معه كابن وقاص وابن عمر.
قال ابن أبي الحديد يدل هذا القول من الإمام أنه راض عنهم.أما ميثم فقال يجري هذا الكلام مجرى العذر عنهم.
أما نحن فلا نرى ذما أوجع وأقذع من هذا..كيف وقد تهيأت لهم الأسباب الكافية الوافية لمناصرة الحق وخذلان الباطل؟ ومع هذا تجاهلوا وأحجموا..
وفي الخطبة 29 وبخ الإمام المتقاعسين عن القتال معه وقرعهم بقوله “لا يدرك الحق إلا بالجد.. ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟”.
وقال سبحانه ﴿فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله﴾ـ9 الحجرات.
وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الساكت عن الحق شيطان أخرس..الى كثير من الآيات والروايات.
18
من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
كل الأعمال بالآمال، لولا الأمل لبطل العمل. والمذموم هو أن تطلق العنان لأملك في الدنيا وحطامه، تزاحم الآخرين، تعلن الحرب من أجلها غير مكترث بواجب وحرام، لا بدين وشريعة. ومن كان هذا شأنه نسي الموت و ما بعده، اختطفه على حين غرة، ذهب به الى خالقه بلا زاد واستعداد.
19
أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلا ويدالله بيده يرفعه.
المراد بذوي المروءات كل من يأنف من القبيح، ينزه نفسه عما يشين، يتغافل عن زلل الاخوان، قال بعض السلف رأيت المعاصي مذلة، فتركتها مروءة.
أما العثرات فالمراد بها بعض الهفوات والسقطات التي لا يخلو منها إلا من عصم ربك، المعنى تجاهلوا هفوة من كريم.. وأي الرجال المهذب؟. ولا يقيم الحد من كان لله عليه حد، كما قال الإمام أمير المؤمنين، قال السيد المسيح من كان منكم بريئا فليرمها بحجر يريد الزانية.
(ويد الله بيده يرفعه) أي انه تعالى يتداركه برحمته، ذلك بأن يهيىء له أسباب التكفير عن هفوته وعثرته بالتوبة وبأية فضيلة من الفضائل إن الحسنات يذهبن السيئات ـ114 هود.
20
قرنت الهيبة بالخيبة، الحياء بالحرمان. والفرصة تمرمر السحاب فانتهزوا فرص الخير.
الخوف من الله حتم، هو مقام الربانيين، الخوف من القول والفعل بلا علم حسن وجميل، هو من صفات العلماء والمتقين، كل خوف ما عدا هذين فهو جبن وخور.
فأقدم على ما يطمئن اليه قلبك، ان قال الناس وقالوا.. وان أحجمت خوفا من قيلهم وقالهم عشت حياتك سلبيا فاشلا..على أنك لا تسلم من ألسنة الناس و ان حذرت منها ومنهم.. وأحمد الله سبحانه الذي عافاني من هذا الداء، لو شاء لفعل.
وتقدم الكلام عن ذلك في الحكمة رقم 2 عند شرح قوله “الجبن منقصة”.
(والحياء بالحرمان).الحياء من فعل ما لا يقره عقل ولا دين، تأباه الكرامة والمروءة هو من الدين في الصميم، سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، خلق من خلق الأباة والسراة، أما الحياء من الحلال، بخاصة ما ينفع الناس فهو عجز وخوف، خنوع واستكانة، خلق من خلق الضعفاء والجبناء.
وهذا النوع من الخوف هو مراد الإمام، من أقواله “تكلموا تعرفوا” ومن الأمثال العامة “لا ينجب أولادا من يستحي من زوجته”.
وبهذه المناسبة نشير الى ما قيل في تفسير هذا الحديث “مما ادرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت”. قيل في تفسيره إذا لم تستح من الله والناس فافعل ما بدا لك من حلال وحرام، حسن وقبيح. وهذا المعنى معروف بين الناس. وقيل معناه إذا لم يكن في الفعل ما تستحي منه فافعله، لا بأس عليك. وكل من المعنيين صحيح يتحمله لفظ الحديث.
أما فرص الخير فإنها تمر من السحاب، كما قال الإمام، اغتنامها سعادة وكرامة، فواتها حسرة وندامة. ولا أرى مثيلا لمن أضاع الفرصة إلا منكر الجميل. هذا أخذ ولم يشكر، ذاك رفض ما يستوجب الشكر، كل مقصر.
21
لنا حق فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السرى.
الراكب اعجاز الإبل هو الرديف أي الراكب خلف الراكب. والسرى: سير الليل، المراد به هنا طول الأمد.
ولا خلاف بين أحد في ان الإمام كان يرى أنه أحق بالخلافة من جميع الصحابة دون استثناء، انه احتج لحقه هذا بالحسنى، أقواله في النهج وغير النهج صريحة في ذلك. وقال هن: ان أعطي هذا الحق عن رضا وطيب نفس فذاك، إن زاحمه عليه مزاحم صبر ولا يثير حربا حتى و لو جاء رديف، بل ورابع، طال الأمد سنوات وسنوات..لا لشيء إلا حرصا على مصلحة الاسلام والمسلمين، خوفا من الفتنة وانشقاق الكلمة. وهذا ما حدث بالفعل.
وقيل: يجوز أن يكون مراد الإمام انه اذا لم يحصل على حقه في الخلافة ركب الصعاب من أجله. وهذا المعنى قريب من دلالة اللفظ، بعيد عن الواقع، لأن الإمام ما زاد شيئا عن النقاش والجدال بالتي هي أحسن.
22
من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
ليست الفضيلة بالمال والأنساب، بل بالعلم والعمل. ولا فرق بين أعمى بصر يعتمد على عص، أعمى بصيرة يعتمد على عظام المقابر. وصدق الله العظيم: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ـ13 الحجرات.
23
من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
التنفيس عن المكروب عطف تفسير على إغاثة الملهوف. والصدقة عامة وخاصة كما أشرنا في شرح الحكمة 6 وكلام الإمام هنا عن الخاصة، من أمثلة الملهوف مريض لا يملك أجرة الطبيب وثمن الدواء، ذو عيال وأطفال يعجز عن قوتهم و نفقتهم، مدين لا سبيل له الى الوفاء، مظلوم لا يجد المعين على ظالمه إلا الله.
ولكل واحد من هؤلاء ومن اليه كبد حرى لاهفة تائهة لا تدري ما الحيلة و الوسيلة؟ فمن رد لهفته، رحم حيرتها صفح الله تعالى العظيمات من سيئاته وكان في عونه دنيا وآخرة.
وفي الحديث: من لا يرحم لا يُرحم. وقال الإمام: كما تدين تدان، كما تزرع تحصد.
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية الثقافية