بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ذهب النبيّ (ص) إلى المسجد ليؤدي صلاة الفجر فلما أتمّ الصلاة بالناس كان الظلام قد سحب أثوابه خوفاً من أن يحرقها وهج الصباح. ولما أوشك الرسول (ص) على مغادرة المسجد إذا بشاب مصفرّ اللون قد ضعف جسمه ونحف، وغارت عيناه في رأسه.
فسأله رسول الله (ص): كيف أصبحت يا فلان؟
فأجاب الشاب: أصبحت موقناً يا رسول الله!
فتعجب الرسول من قوله وقال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟
فقال الشاب النحيل: إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ نهاري، فزهدت نفسي في الدنيا وما فيها، وكأني أنظر إلى عرش ربي وقد نُصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك، وأنا فيهم. وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتمتعون في الجنة ويتعارفون، وعلى الأرائك متكئون. وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مستغيثون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي.
فالتفت النبيّ (ص) إلى أصحابه وقال: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان. ثمّ أوصى الشاب قائلاً: التزم ما أنت عليه.
فقال الشاب: ادع الله يا رسول الله، أن أرزق الشهادة معك. فدعا له رسول الله (ص) فلم يلبث أن خرج في إحدى غزوات النبيّ (ص) فاستشهد بعد تسعة أشخاص فكان هو العاشر.
وقال الإمام عليّ (ع):
"مَن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومَن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه، ومَن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ".
بلا أدنى ترديد أنّ علاقة الإنسان بالناس وتعامله معهم، مرتبطة أشد الارتباط بعلاقته بالله وتعامله معه، لأنّه - عزّ وجلّ - خالق الإنسان، وبارؤه من العدم، ومهيمن عليه، إن شاء أبقاه حياً، وإن شاء أخذه إليه وحيث أنّ حياة الإنسان وموته بيد الله، بل أنّ كلّ ما يرتبط به هو بيده - جلّ وعلا - فإنّ من الواجب عليه (الإنسان) أن يعرف قدر ربّه وعظمته فيطيعه، ويوقن به، ويحبه، ويحسن معاملته، ويصلح ارتباطه به، لكي تنعكس آثار ذلك على مجمل جزئيات حياته، ومنها تعامله مع بني جنسه.
إنّ من سنن الله في الحياة أنّ مَن يوفر في نفسه شرط إصلاح العلاقة ما بينه وبين ربه، فإنّ جزاءه أن تنتظم حياته، ومنها علاقته بالناس، ومعاملته لهم، فتكون حسنة وحكيمة.
وقد يقول قائل:
إنّ للإنسان وجدان داخلي، فإذا صلح هذا الوجدان، صلحت علاقة الإنسان بالناس وتعامله معهم، وبالتالي لا ربط لذلك بإصلاح العلاقة مع الخالق!
ونتساءل:
وما الذي يضمن صلاح وجدان الإنسان في غياب إصلاح العلاقة مع الله؟!
وهل القانون الوضعي - وحده - يكفي لخلق الأرضية الحسنة في نظم حياة الإنسان، ومنه التعامل مع الناس؟!
إنّ إلغاء العلاقة مع الله، أو إعطاءها دوراً هامشياً هو نهج الملحدين، والكفار، والماديين، وبناءً على ذلك لا غرابة أن نجد في المجتمعات الملحدة، والكافرة، والمادية سوء علاقة الإنسان بالإنسان، وتحوّل الفرد إلى مجرد أداة للمادة. ولا غرابة أيضاً أن نجد تفاقم الجريمة في المجتمعات الغربية، كالسرقة، والاغتصاب، والإدمان على المواد المخدرة، وأكل أموال الآخرين بالباطل، والخديعة، واستخدام أي وسيلة من شأنها درّ الأرباح والمكاسب المادية، و...
إنّ القانون الوضعي وحده لا يكفي، فهو قد يمنع الإنسان من ارتكاب الجريمة، إلّا أنّه لا يعالج جذورها لاجتثاثها من الأصل. وهذا ما نجده في المجتمعات الغربية، والملحدة، واللادينية عموماً، إذ بالرغم من وجود القوانين وكثرتها، إلّا أنّ الجرائم في ازدياد مطرد. فعلى سبيل المثال: إنّ انقطاع الكهرباء لمدة دقيقة واحدة في مدينة نيويورك الأمريكية يؤدي إلى حدوث عشرات الجرائم.
أصلح أمر آخرتك:
أرأيت الواحد منا كيف يرى في الحلم أنّه سافر إلى مدينة من المدن، أو إلى أي مكان آخر، فتراه يتفاعل مع هذا الحدث. وفجأة يدق جرس الساعة، فيفتح أجفانه ليجد نفسه في فراشه ومكانه الأصلي، وكأنّه لم يرحل، ولم يرَ شيئاً.
وقد يبدي الإنسان عجبه فيقول:
إنّني كنت في عالم آخر ثمّ جيء بي إلى هنا!
وينسى أنّ حياته سريعة كالحلم، فيرى كلّ الأشياء حلماً، ويرى تلك النباتات التي تقاتل عليها مجرد لعب أطفال، والسيارة التي باع بها ضميره مثل سيارة من البلاستيك، فالأطفال يتشاجرون وبعنف من أجل سيارة بلاستيكية، أو قطار من الخشب.
وأنا وأنت قد نضحك من هذه التصرفات الطفولية، ومن هذا المستوى من التفكير. إلّا أنّنا سنضحك على أنفسنا غداً إذا لم نستغل دنيانا لإصلاح آخرتنا، وإذا لم نجعل هذه الدنيا مزرعة للدار الآخرة. وسنصاب بالحسرة والندم إذا لم نكوّن لنا رصيداً راجحاً من الأعمال الصالحة، ومنها حسن التعامل مع الأخوان في الدين، أو النظراء في الخلق، وسنجد أنّ كلّ شيء من أعمالنا جلياً واضحاً، الخير منها والشر، إلّا أنّه لا فرصة لنا في العمل، إذ ذهب وقت العمل، وحان موعد الحساب، وولات حين حسرة وندم!
يقول الإمام عليّ (ع): "اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".
وإذا كان الأمر كذلك فلنبدأ - ومن اللحظة التي نحن فيها - بإصلاح ارتباطنا بالله، وبإصلاح أمر آخرتنا بجعل دنيانا مطية ومزرعة لها، مع العلم بأنّ إصلاح التعامل مع الإخوان ومع بني البشر عموماً هو جزء كبير من إصلاح أمر دنيانا، وبالتالي إصلاح أمر آخرتنا.
فلكي تصلح ما بينك وبين الناس، يلزم لك أن تصلح ما بينك وبين الله، ولكي تصلح ما بينك وبين الله يلزم لك أن تصلح آخرتك لكي يصلح الله أمر دنياك. وما من شك أنّ من أمور الدنيا التعامل مع الناس والعلاقات الإنسانية معهم، فهي ميدان وسيع في الدنيا، ومجال يحاسب عليه الإنسان في الآخرة.
يقال أنّ أحد الصالحين كان جالساً في أحد المقابر وحيداً، وإذا به يرى جنازة يحملها مشيعون، جاؤوا لدفنها. وبعد انتهائهم من دفنها عادوا أدراجهم، وتركوا صاحبهم وشأنه. وبينما هو كذلك رأى كلباً أسود تبدو عليه إمارات الوحشية، يسير باتجاه تلك الجنازة التي دفنت، والرجل لا يرى من الجنازة والقبر شيئاً.
وبعد أمدٍ قصير وقعت نظراته على شاب وسيم المنظر، مشرق الطلعة، يرتدي ملابس بيضاء، متوجهاً إلى ملحودة الجنازة. وبعد فترة من الزمن رأى الرجل ذلك الشاب الوسيم وقد عاد ممزّق الثياب، والدماء تنزف منه، فقفز الرجل من مكانه مندهشاً، وبادره بالسؤال:
هل لك حاجة يا هذا؟!
وهل آذاك أحد؟!
قال الشاب الجميل والدموع تنهمر من عينيه على صفحتي خديه:
يا هذا! إنّك ترى الآخرة، والحجاب قد كشف عن عينك.
وأردف قائلاً:
هل رأيت الجنازة؟
قال: نعم!
قال الشاب: وهل رأيت الكلب الأسود المتوحش؟
قال: نعم!
قال الشاب بوداعة: أنا العمل الصالح لصاحب الجنازة، وذلك الكلب الوحشي هو معاصيه. وحينما وضع في القبر كلّف كلانا بأن نذهب إليه، ونكون أنيسيه إلى يوم القيامة. إلّا أنّ معاصيه كانت أكثر من طاعاته، فاستطاع أن يدميني ويطردني، وسيبقى ذلك الكلب الوحشي أنيسه إلى يوم يبعثون.
فهل – يا ترى – فكّرنا في أنفسنا جيداً؟
وهل حسبنا حساب الآخرة؟
ويقال أنّه كان لأحد التجار خادم، وكان التاجر شأن كثير من أمثاله، يجمع الأموال ويخزنها. وحينما كان الخادم ينصحه بأن ينفق من أمواله في سبيل الله، كان يقول:
لقد أوصيت أن يفعلوا ذلك من بعدي.
وذات ليلة والظلام الدامس ينشر أجنحته على الطرقات، كان الخادم يسير ويحمل سراجاً، والتاجر يسير برفقته، إلّا أنّ الخادم تعمد أن يمشي خلفه فلم يستطع التاجر أن يبصر شيئاً. فالتفت إلى خادم وقال:
كيف أستطيع الاهتداء في مسيري، والسراج من ورائي؟! وهل يبصر شيئاً من كان السراج وراءه؟!
قال الخادم: إذن، كيف تريد أن يأتيك السراج في قبرك ومعادك، ومن ورائك؟
فلنصلح أمر آخرتنا بالعمل الصالح والمسارعة والمسابقة إليه في دنيانا، ولنقدم سراجنا ونضعه أمامنا، فنحن الذين سننام في قبورنا لا غيرنا، ونحن الذين سنحاسب على أعمالنا لا غيرنا. أي أنّي سأحاسب على أعمالي لا غيري، وأت ستحاسب على أعمالك لا غيرك. وأنّ في وضعنا للسراج من أمامنا، سيجعلنا - فضلاً عن الفلاح في الدار الآخرة - ناجحين في دنيانا، ونتعامل مع الناس بشكل يرضي الله، ويرضي عباده. .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ذهب النبيّ (ص) إلى المسجد ليؤدي صلاة الفجر فلما أتمّ الصلاة بالناس كان الظلام قد سحب أثوابه خوفاً من أن يحرقها وهج الصباح. ولما أوشك الرسول (ص) على مغادرة المسجد إذا بشاب مصفرّ اللون قد ضعف جسمه ونحف، وغارت عيناه في رأسه.
فسأله رسول الله (ص): كيف أصبحت يا فلان؟
فأجاب الشاب: أصبحت موقناً يا رسول الله!
فتعجب الرسول من قوله وقال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟
فقال الشاب النحيل: إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ نهاري، فزهدت نفسي في الدنيا وما فيها، وكأني أنظر إلى عرش ربي وقد نُصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك، وأنا فيهم. وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتمتعون في الجنة ويتعارفون، وعلى الأرائك متكئون. وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مستغيثون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي.
فالتفت النبيّ (ص) إلى أصحابه وقال: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان. ثمّ أوصى الشاب قائلاً: التزم ما أنت عليه.
فقال الشاب: ادع الله يا رسول الله، أن أرزق الشهادة معك. فدعا له رسول الله (ص) فلم يلبث أن خرج في إحدى غزوات النبيّ (ص) فاستشهد بعد تسعة أشخاص فكان هو العاشر.
وقال الإمام عليّ (ع):
"مَن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومَن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه، ومَن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ".
بلا أدنى ترديد أنّ علاقة الإنسان بالناس وتعامله معهم، مرتبطة أشد الارتباط بعلاقته بالله وتعامله معه، لأنّه - عزّ وجلّ - خالق الإنسان، وبارؤه من العدم، ومهيمن عليه، إن شاء أبقاه حياً، وإن شاء أخذه إليه وحيث أنّ حياة الإنسان وموته بيد الله، بل أنّ كلّ ما يرتبط به هو بيده - جلّ وعلا - فإنّ من الواجب عليه (الإنسان) أن يعرف قدر ربّه وعظمته فيطيعه، ويوقن به، ويحبه، ويحسن معاملته، ويصلح ارتباطه به، لكي تنعكس آثار ذلك على مجمل جزئيات حياته، ومنها تعامله مع بني جنسه.
إنّ من سنن الله في الحياة أنّ مَن يوفر في نفسه شرط إصلاح العلاقة ما بينه وبين ربه، فإنّ جزاءه أن تنتظم حياته، ومنها علاقته بالناس، ومعاملته لهم، فتكون حسنة وحكيمة.
وقد يقول قائل:
إنّ للإنسان وجدان داخلي، فإذا صلح هذا الوجدان، صلحت علاقة الإنسان بالناس وتعامله معهم، وبالتالي لا ربط لذلك بإصلاح العلاقة مع الخالق!
ونتساءل:
وما الذي يضمن صلاح وجدان الإنسان في غياب إصلاح العلاقة مع الله؟!
وهل القانون الوضعي - وحده - يكفي لخلق الأرضية الحسنة في نظم حياة الإنسان، ومنه التعامل مع الناس؟!
إنّ إلغاء العلاقة مع الله، أو إعطاءها دوراً هامشياً هو نهج الملحدين، والكفار، والماديين، وبناءً على ذلك لا غرابة أن نجد في المجتمعات الملحدة، والكافرة، والمادية سوء علاقة الإنسان بالإنسان، وتحوّل الفرد إلى مجرد أداة للمادة. ولا غرابة أيضاً أن نجد تفاقم الجريمة في المجتمعات الغربية، كالسرقة، والاغتصاب، والإدمان على المواد المخدرة، وأكل أموال الآخرين بالباطل، والخديعة، واستخدام أي وسيلة من شأنها درّ الأرباح والمكاسب المادية، و...
إنّ القانون الوضعي وحده لا يكفي، فهو قد يمنع الإنسان من ارتكاب الجريمة، إلّا أنّه لا يعالج جذورها لاجتثاثها من الأصل. وهذا ما نجده في المجتمعات الغربية، والملحدة، واللادينية عموماً، إذ بالرغم من وجود القوانين وكثرتها، إلّا أنّ الجرائم في ازدياد مطرد. فعلى سبيل المثال: إنّ انقطاع الكهرباء لمدة دقيقة واحدة في مدينة نيويورك الأمريكية يؤدي إلى حدوث عشرات الجرائم.
أصلح أمر آخرتك:
أرأيت الواحد منا كيف يرى في الحلم أنّه سافر إلى مدينة من المدن، أو إلى أي مكان آخر، فتراه يتفاعل مع هذا الحدث. وفجأة يدق جرس الساعة، فيفتح أجفانه ليجد نفسه في فراشه ومكانه الأصلي، وكأنّه لم يرحل، ولم يرَ شيئاً.
وقد يبدي الإنسان عجبه فيقول:
إنّني كنت في عالم آخر ثمّ جيء بي إلى هنا!
وينسى أنّ حياته سريعة كالحلم، فيرى كلّ الأشياء حلماً، ويرى تلك النباتات التي تقاتل عليها مجرد لعب أطفال، والسيارة التي باع بها ضميره مثل سيارة من البلاستيك، فالأطفال يتشاجرون وبعنف من أجل سيارة بلاستيكية، أو قطار من الخشب.
وأنا وأنت قد نضحك من هذه التصرفات الطفولية، ومن هذا المستوى من التفكير. إلّا أنّنا سنضحك على أنفسنا غداً إذا لم نستغل دنيانا لإصلاح آخرتنا، وإذا لم نجعل هذه الدنيا مزرعة للدار الآخرة. وسنصاب بالحسرة والندم إذا لم نكوّن لنا رصيداً راجحاً من الأعمال الصالحة، ومنها حسن التعامل مع الأخوان في الدين، أو النظراء في الخلق، وسنجد أنّ كلّ شيء من أعمالنا جلياً واضحاً، الخير منها والشر، إلّا أنّه لا فرصة لنا في العمل، إذ ذهب وقت العمل، وحان موعد الحساب، وولات حين حسرة وندم!
يقول الإمام عليّ (ع): "اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".
وإذا كان الأمر كذلك فلنبدأ - ومن اللحظة التي نحن فيها - بإصلاح ارتباطنا بالله، وبإصلاح أمر آخرتنا بجعل دنيانا مطية ومزرعة لها، مع العلم بأنّ إصلاح التعامل مع الإخوان ومع بني البشر عموماً هو جزء كبير من إصلاح أمر دنيانا، وبالتالي إصلاح أمر آخرتنا.
فلكي تصلح ما بينك وبين الناس، يلزم لك أن تصلح ما بينك وبين الله، ولكي تصلح ما بينك وبين الله يلزم لك أن تصلح آخرتك لكي يصلح الله أمر دنياك. وما من شك أنّ من أمور الدنيا التعامل مع الناس والعلاقات الإنسانية معهم، فهي ميدان وسيع في الدنيا، ومجال يحاسب عليه الإنسان في الآخرة.
يقال أنّ أحد الصالحين كان جالساً في أحد المقابر وحيداً، وإذا به يرى جنازة يحملها مشيعون، جاؤوا لدفنها. وبعد انتهائهم من دفنها عادوا أدراجهم، وتركوا صاحبهم وشأنه. وبينما هو كذلك رأى كلباً أسود تبدو عليه إمارات الوحشية، يسير باتجاه تلك الجنازة التي دفنت، والرجل لا يرى من الجنازة والقبر شيئاً.
وبعد أمدٍ قصير وقعت نظراته على شاب وسيم المنظر، مشرق الطلعة، يرتدي ملابس بيضاء، متوجهاً إلى ملحودة الجنازة. وبعد فترة من الزمن رأى الرجل ذلك الشاب الوسيم وقد عاد ممزّق الثياب، والدماء تنزف منه، فقفز الرجل من مكانه مندهشاً، وبادره بالسؤال:
هل لك حاجة يا هذا؟!
وهل آذاك أحد؟!
قال الشاب الجميل والدموع تنهمر من عينيه على صفحتي خديه:
يا هذا! إنّك ترى الآخرة، والحجاب قد كشف عن عينك.
وأردف قائلاً:
هل رأيت الجنازة؟
قال: نعم!
قال الشاب: وهل رأيت الكلب الأسود المتوحش؟
قال: نعم!
قال الشاب بوداعة: أنا العمل الصالح لصاحب الجنازة، وذلك الكلب الوحشي هو معاصيه. وحينما وضع في القبر كلّف كلانا بأن نذهب إليه، ونكون أنيسيه إلى يوم القيامة. إلّا أنّ معاصيه كانت أكثر من طاعاته، فاستطاع أن يدميني ويطردني، وسيبقى ذلك الكلب الوحشي أنيسه إلى يوم يبعثون.
فهل – يا ترى – فكّرنا في أنفسنا جيداً؟
وهل حسبنا حساب الآخرة؟
ويقال أنّه كان لأحد التجار خادم، وكان التاجر شأن كثير من أمثاله، يجمع الأموال ويخزنها. وحينما كان الخادم ينصحه بأن ينفق من أمواله في سبيل الله، كان يقول:
لقد أوصيت أن يفعلوا ذلك من بعدي.
وذات ليلة والظلام الدامس ينشر أجنحته على الطرقات، كان الخادم يسير ويحمل سراجاً، والتاجر يسير برفقته، إلّا أنّ الخادم تعمد أن يمشي خلفه فلم يستطع التاجر أن يبصر شيئاً. فالتفت إلى خادم وقال:
كيف أستطيع الاهتداء في مسيري، والسراج من ورائي؟! وهل يبصر شيئاً من كان السراج وراءه؟!
قال الخادم: إذن، كيف تريد أن يأتيك السراج في قبرك ومعادك، ومن ورائك؟
فلنصلح أمر آخرتنا بالعمل الصالح والمسارعة والمسابقة إليه في دنيانا، ولنقدم سراجنا ونضعه أمامنا، فنحن الذين سننام في قبورنا لا غيرنا، ونحن الذين سنحاسب على أعمالنا لا غيرنا. أي أنّي سأحاسب على أعمالي لا غيري، وأت ستحاسب على أعمالك لا غيرك. وأنّ في وضعنا للسراج من أمامنا، سيجعلنا - فضلاً عن الفلاح في الدار الآخرة - ناجحين في دنيانا، ونتعامل مع الناس بشكل يرضي الله، ويرضي عباده. .