كان الحزن يخيّم علينا لذكرى حزينة هزّت أركان الأمة الإسلامية، ذكرى استشهاد سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام،
وفي كلّ مرّة كنتُ أحترق ألماً وأنا أعيش هذه الذكرى، فقد كنتُ أرى جمعاً من الناس مُسودّة وجوههم، تنبعث منهم رائحة الحقد والكراهية
للرسول محمد صلى الله عليه واله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، كانوا مجتمعين على بيت كانت ملائكة السماء تنزل فيه أفواجاً وأفواجاً،
كنتُ أشعر بحرارة النار التي أحرقت الباب التي طالما كان رسول الله صلى الله عليه واله يطرقها ليستأذن قبل أن يدخل،
تعجبتُ منكِ أيتها النار لِمَ لم تكوني برداً وسلاماً احتراماً لرسول الله صلى الله عليه واله؟!
وذلك المسمار الذي أصاب صدر الإسلام قبل أن يصيبها، تعجبتُ منك أيّها المسمار! لِمَ لم تلين احتراماً لرسول الله صلى الله عليه واله؟!
وسمعتُ صوتاً كاد يُسقط السماء على الأرض، نادتْ أيا فِضة أسنِديني فقد ورَبي أسقطوا جنيني، وفي حلول الليل رأيتُ جنازتها يحملها
أمير المؤمنين عليه السلام وعدد من شيعته المخلصين، خرجوا من البيت وخلفهم وقف، أمام الباب أطفالٌ صغارٌ يبكون على أمّهم المظلومة،
كنتُ في حيرة من أمري، أ أذهب مع الجنازة أم أبقى مع أطفال الزهراء عليها السلام؟ في تلك اللحظة أنعصر قلبي على طفلة صغيرة لها
هيئة الأسياد، أمسكت بيد إخوتها وأدخلتهم البيت؛ لتصبح من تلك اللحظة أُمّ المصائب زينب عليها السلام.
فنظرتُ إلى الجهة الأخرى، لم أستطع اللحاق بجنازتها، أسرعتُ خلفهم وأنادي انتظروني، أريد أن أعرف أين قبرها؟ أريد أن أقبّل ترابها،
أريد أن اندب مصابها، فشيعتها تريد أن تقيم مجالس الحزن والبكاء على قبرها؛ فصرخت بأعلى صوتي، أفلا من مجيب؟ ليس هنالك أحد،
لم أفقد الأمل وبقلب مكسور بقيت أبحث وأبحث بين القبور علّي أجد قبرها، امتلكني اليأس وكدت أموت من شدة الحزن، فسمعت صوتاً
من بين القبور: (كأن الأموات كانت تكلّمني عطفاً بحالتي) لا جدوى من البحث فقد اُخفي قبرها عن شيعتها ومحبيها؛ ليدلّ على مظلوميتها
إلى أن يُظهر الله مَن يأخذ بثأرها ذلك المنتقم لها، حينها سيرى العالم أجمع قبرها الذي يشعّ نوره إلى أعنان السماء.
نور علي عمران
تم نشره في مجلة رياض الزهراء العدد68
تعليق