من الاكاذيب التاريخية الشهيرة الزعم بان الوزير الشيعى ابن العلقمى فى اواخر ايام الدولة العباسية كان متواطئا مع التتار بقيادة هولاكو وانه كتب الى التتار يحرضهم على غزو العراق ، وانه اقنع الخليفة العباسى المستعصم بتسريح غالبية الجيش العباسى لتوفير نفقاته واستغلالها فى استرضاء هولاكو ، وتزعم الرواية ان ابن العلقمى كتب رسائله الى التتار على راس خادم لديه حتى لا يكتشف او يلاحظ احد هذه الرسالة و ينكشف امره الرد على هذه الاكذوبة :
- فى الواقع ان اتهام شخص ما بتهمة الخيانة والتواطؤ مع اعداء أمته هى ابشع تهمة يمكن ان يتهم بها اى انسان ولا يجوز لاى شخص ان يتهم شخصا آخر بهذه التهمة الخطيرة دون ادلة دامغة لا تقبل اللبس او التأويل واذا طبقنا ذلك على الاتهام الموجه الى ابن العلقمى لن نجد اى شرط من شروط الخيانة تنطبق عليه فلا يوجد لديه اى دافع قوى للخيانة ولا اى ادلة مادية ملموسة تدينه او على الاقل تشكك فيه وسوف نوضح ذلك على النحو التالى :
1- ما الدافع القوى الذى من الممكن ان يدفع ابن العلقمى للخيانة ؟ فلو صحت الروايات القائلة بان الخليفة وافق على مقترحات ابن العلقمى بخصوص تسريح معظم الجيش العباسى ومهادنة التتار فهذا ان دل على شىء فإنما يدل على ان ابن العلقمى يحظى بمكانة مرموقة لدى الخليفة العباسى ويتمتع بالتقدير اللازم والكلمة النافذة لدى الخليفة العباسى للدرجة التى تجعل الخليفة يتخذ قرارا خطيرا بتسريح معظم الجيش العباسى ، فلماذا اذن يقرر ابن العلقمى خيانة الخليفة العباسى؟! فهو فى منصب مرموق وله الكلمة النافذة ويحصل على التكريم والتقدير اللازم فماهو الدافع اذن للخيانة؟ من الممكن مثلا ان نتفهم وجود دافع لابن العلقمى للخيانة لو كان مثلا قد تعرض لاهانة شديدة ومستمرة من الخليفة العباسى وضعته تحت ضغوط نفسية شديدة وقرر على اثرها الخيانة ولكن لم يحدث اطلاقا اى من ذلك فلماذا يقرر ابن العلقمى الخيانة؟
2- ولو افترضنا فعلا وجود صراع مذهبى وخلافات شديدة بين السنة والشيعة فى العراق فى اواخر ايام الدولة العباسية دفعت ابن العلقمى للتواطؤ مع التتار انتقاما لبنى مذهبه فكيف ولماذا اختار الخليفة العباسى وزيرا شيعيا لدولته ولماذا كان مسموع الكلمة لديه بهذه الطريقة؟!!! وهل من المعقول فعلا لو كان الخليفة متعصبا من الناحية المذهبية ضد الشيعة ان يختار وزيرا شيعيا معروف عنه التعصب لبنى مذهبه الى الدرجة التى من الممكن ان تدفعه الى خيانة الخليفة ؟ام انه سوف يدقق فى الاختيار ويدرس تماما شخصية الشخص الشيعى الذى سيعينه وزيرا لديه خاصة فى ظل تللك الظروف التى يسود فيها التعصب المذهبى والخلافات الشديدة بين السنة والشيعة والتى ستدفع الخليفة حتما الى توخى الحذر والحرص فى الاختيار وهل لو اختار الخليفة العباسى وزيرا شيعيا معروف عنه التعصب لبنى مذهبه فهل من المعقول ان تكون كلمته مسموعة لدى الخليفة للدرجة التى تجعل الخليفة يسرح معظم جيشه ؟ ام انه سيتعامل مع نصائح واقتراحات هذا الوزير الشيعى بحذر شديد ؟ كل ذلك يجعلنا نتشكك فى وجود خلاف مذهبى فى ذلك التوقيت بين السنة والشيعة وعدم صحة ما قيل عن وجود اضطهاد من الخليفة العباسى للشيعة للدرجة التى دفعت ابن العلقمى للتواطؤ مع التتار انتقاما لابناء مذهبه ومن الواضح انها اكاذيب مدسوسة الهدف منها ايجاد مبرر وذريعة لاتهام ابن العلقمى بالخيانة .
3- وحتى لو افترضنا وجود خلافات شديدة بين السنة والشيعة فى العراق فى ذلك التوقيت ورغم ذلك اختار الخليفة العباسى المتعصب ضد الشيعة وزيرا شيعيا وترفع عن الخلاف والتعصب المذهبى واعطاه التقدير اللازم واصبح نافذ الكلمة لديه ، فهل كان هذا التصرف من الخليفة سيدفع ابن العلقمى للخيانة ام سيدفعه الى يكون مخلصا للخليفة ومقدرا لتقدير الخليفة له لانه سبشعر بفضل الخليفة عليه وسيحرص على ارضاءه والاخلاص له فى النصيحة وفى الفعل
4- ومادام ابن العلقمى الشيعى كان يحظى بهذه المكانة العظيمة لدى الخليفة العباسى فكيف ولماذا اذن يضطهد الخليفة الشيعة فى العراق ولماذا اختار وزيرا شيعيا واعطاه مكانة عظيمة لديه؟ وحتى لو افترضنا ان الخليفة العباسى كان يضطهد الشيعة افلا يتمكن ابن العلقمى مادام يتمتع بهذه المكانة وهذا النفوذ فى الدولة العباسية ان يتوسط لدى الخليفة لرفع الظلم والاضطهاد عن الشيعة؟! ومادام ابن العلقمى نافذ الكلمة مسموع الرأى عند الخليفة الى الدرجة التى جعلته يوافق على اقتراح ابن العلقمى بتسريح معظم الجيش العباسى فورا دون تردد افلا ينجح فى اقناع الخليفة برفع الاضطهاد عن الشيعة ؟!! وبالتالى اين المبرر هنا الذى يدفع ابن العلقمى للخيانة؟!!!!
5- تزعم الرويات الكاذبة أن ابن العلقمى كتب رسائله الى هولاكو على راس خادم لديه ، فأين الدليل على صحة هذه الاتهامات؟ وكيف عرف الرواة الذين يتهمون ابن العلقمى بالخيانة بأمر هذه المراسلات التى من المفترض انها تمت فى طروف شديدة السرية وفى مكان مغلق لا يوجد فيه الا ابن العلقمى نفسه وخادمه ؟ فهل فى ظل هذه الظروف يمكن ان يكون هناك شهود عيان شاهدين على وجود هذه الرسائل ومطلعين على محتواها ؟!!! كمان انه لابد ان يكون شهود العيان وان وجدوا ( مع استحالة تواجدهم فى الواقع) ان يكونا موضع ثقة حتى نطمئن الى رواياتهم وهذا اصلا شرط يصعب تحقيقه فى ظل التعصب المذهبى السائد بين المؤرخين السنة والشيعة على مدار التاريخ الاسلامى ولا يزال مستمرا حتى يومنا هذا لا يمكن ان نثق فى هذه الروايات لعدم تأكدنا من مصداقية الراوى ولعدم منطقية الرواية نفسها التى بنت اتهامها على اساس غير منطقى ولا يمكن اثباته .
6- وحتى لو افترضنا ان ابن العلقمى لديه دافع للخيانة فما الذى سيستفيده من التواطؤ معهم ؟ هل مثلا كان يعتقد انهم سيعينونه حاكما على العرق بدلا من الخليفة؟ ومالذى يجعله واثقا ان التتار سوف يوفون بعهدهم له؟!! مع انه المعروف عن التتار انهم لاعهد لهم ولا ذمة وانهم يكنون الكراهية والحقد لكل الاجناس وكل الاديان ولا يعرفون غير الدم والمذابح والمجازر ، وما الذى جعل ابن العلقمى واثقا من ان التتار عندما يتواطؤ معهم ويسهل لهم احتلال العرق سوف يوفون بعهدهم له ولن يقوموا بقتله وذبح الشيعة فى العراق ؟! وما الذى سيجعل التتار يقومون بذبح اهل السنة فى العرق بعد احتلالها ولا يقومون بنفس الشىء مع الشيعة فى العراق؟!! لماذا سيتعاطف التتار مع الشيعة فى العراق ؟!!! فهل يوجد سابق علاقة بين التتار والشيعة فى العرق فى ذلك التوقيت؟!!! وهل يوجد تشابه بين معتقدات الشيعة المسلمين وبين عقائد التتار الوثنية؟!!!!!! واذا كان هولاكو فعلا متعاطفا مع المسيحيين لان زوجته كانت مسيحية ، فما الدافع الذى سيجعل هولاكو يتعاطف مع الشيعة ؟!!!
7- ولو كان ابن العلقمى شخصا خائنا ومتواطئا فعلا مع التتار واذا كان فعلا شخضا خبيثا وماكرا كما توصفه الروايات التى تتهمه بالخيانة فكيف يقرر اتخاذ قرار خطيرا جدا ومصيرى بالتواطؤ مع التتار دون اى ضمانات تضمن وفاء التتار بعهودهم له وتضمن سلامته شخصيا وسلامة ابناء مذهبه من الشيعة ؟!!! فهل من المعقول ان شخصا شديد الخبث والدهاء على عادة الخونة والمتآمرين يتخذ قرار خطيرا مثل هذا القرار دون ضمانات مؤكدة ومع التتار الذين من المعروف عنهم انهم لا يوفون بعهودهم ولا عهد لهم ولا ذمة ولا اخلاق؟!!!
8- هل مثلا لو افترضنا ان ابن العلقمى قد قرر فعلا التواطؤ مع التتار فعلى اى اساس قرر واطمئن الى ان التتار بعد احتلالهم بغداد لن يغدروا به وبالطائفة الشيعية فى العراق؟ فهل اعتمد ابن العلقمى على سابقة تاريخية او احداث مشابهة حدثت بين المغول والشيعة مسبقا حيث مثلا تعاطف التتار سابقا مع الشيعة فى احدى غزواتهم ولم يقوموا بابادتهم مثلما فعلوا مع المسلمين السنة ؟ اننا لا نجد واقعة تاريخية مشابهة بين التتار والشيعة بل على العكس نجد ان التتار قاموا بالقضاء على الطائفة الاسماعيلية المحسوبة على المذهب الشيعى رغم انها كانت طائفة قوية وصمدت سنوات عديدة رغم كثرة اعداؤها اعتمادا على قوة حصونها وقلاعها التى اقامتها فى الجبال ورغم ذلك اصر هولاكو على القضاء عليها تماما ونهائيا ولم يتقدم لاحتلال العراق واسقاط الخلافة العباسية الا بعد ان انتهى تماما من القضاء على الطائفة الاسماعيلية الشهيرة باسم طائفة الحشاشين ، افلا يدل ذلك على كراهية التتار الشديدة للشيعة وان كراهيتهم للمسلمين الشيعة لا تقل ابدا عن كراهيتهم للمسلمين السنة وافلا يدل ذلك على ان التتار لو احتلوا العراق سيقومون بابادة الشيعة كما فعلوا مع الشيعة الاسماعيلية سابقا ولن يفرقوا فى القتل بين السنة والشيعة فى العراق ؟ وهل كان ابن العلقمى غافلا عن كل ذلك بالطبع لا فوقائع التتار مع الطائفة الاسماعيلية كانت شهيرة ومعروفة للجميع وابن العلقمى رجل سياسة ومن المؤكد انه كان عارفا ومتابعا لتلك الوقائع بحكم انها تخص ابناء مذهبه الشيعى ، ومن الطبيعى ان ما فعله التتار مع الطائفة الاسماعيلية تثير كراهيته الشديدة للتتار وتعطى مؤشرا واضحا لما سوف يفعلونه بالشيعة لو احتلو العراق ، فكيف اذن سيتواطؤ معهم ابن العلقمى وهو حانق عليهم وراغبا فى الانتقام منهم ولا يثق بوعودهم وعارفا بحقيقة نواياهم وغدرهم؟!!!!!!! واليس فى هذه الحالة سيرى ابن العلقمى بأن استمرار العراق تحت حكم العباسيين السنة حتى لو كانوا يضطهدوا الشيعة افضل كثيرا جدا من حكم التتار الذى سبيبد الشيعة على بكرة ابيهم مثلهم مثل السنة فى العراق؟
9- لو صح فعلا ان ابن العلقمى قد اقنع الخليفة العباسى بتسريح معظم الجيش العباسى واقنعه بالتساهل مع التتار فإن هذا ليس دليلا على خيانة ابن العلقمى وتواطؤه مع التتار فالدولة العباسية كانت فى اواخر ايامها وكانت تعانى ضعفا شديدا ومن الطبيعى ان حالة الضعف العام التى اصابت الدولة العباسية فى ذلك التوقيت ان تنعكس على طريقة تفكير وتصرفات رجال الدولة العباسية وقادتها فى ذلك التوقيت ومن الطبيعى ان يميل رجال الدولة العباسية وعلى راسهم الخليفة العباسى نفسه الى التساهل مع التتار ومحاولة المهادنة معهم وان يصيبهم الخوف من التتار وان يتاثروا بالحرب النفسية وحرب الاعصاب التى يشنها المغول ضد اعداؤهم ومن الطبيعى ان يخافوا مقاومة التتار خاصة ان الخليفة العباسى عرف انه اهمال امور الدولة والانغماس فى الشهوات والملذات وبالتالى فلو فعلا قام ابن العلقمى بتقديم هذه الاقتراحات للخليفة العباسىى فهذا لا يعتبر خيانة من ابن العلقمى ولا تثير الشكوك حوله بدليل ان الخليفة العباسى لم يندهش من هذه الاقتراحات ولم تثار شكوكه فى نوايا ابن العلقمى ولم يرفض اقتراحاته بل قام بتنفيذها فورا دون تردد مما يدل على ان هذه الاقتراحات لو صحت الروايات تدل على انه كان التساهل وايثار السلامة طابع العصر العباسى فى ذلك الوقت ولو كانت فعلا اقتراحات ابن العلقمى تعتبر خيانة من ابن العلقمى وتثبت تواطؤه مع التتار فلماذا وافق عليها الخليفة فورا دون تردد ؟! ولماذا لم يتهم احدا الخليفة العباسى بالخيانة لموافقته على اقتراحات ابن العلقمى وقيامه بتنفيذها ؟!! فمادام الخليفة العباسى قد وافق على اقتراحات خطيرة جدا لا تصدر الا من شخص خائن فمن الطبيعى ان الذى وافق على هذه الاقتراحات وقام بتنفيذها فورا دون تردد ان يكون هو ايضا خائنا وشريك فى الخيانة مع الشخص الذى قدم هذه الاقتراحات بل ان الخليفة فى هذه الحالة يتحمل الجزء الاكبر من المسئولية وهو المسئول الاول والنهائى عن تسليم العراق للمغول ولابد ان يتم اتهامه هو ايضا بالخيانة باعتباره صاحب القرار النهائى وصاحب اعلى منصب فى الدولة العباسية وعلى اساس ان مقدم هذه الاقتراحات لم يخرجها من اطار الاقتراح النظرى الى اطار التنفيذ الفعلى الا بعلم وموافقة الخليفة ومساعدة الخليفة له وتحمسه لتفيذها ، ورغم ان هناك الكثير من الروايات التى اتهمت الخليفة العباسى بالضعف والتخاذل الا ان احدا لم يتهمه بالخيانة المباشرة ولم يشنع عليه مثلما فعلوا مع ابن العلقمى مع اننا لو سلمنا فعلا بأن اقتراحات ابن العلقمى هى خيانة فإن الخليفة العباسى يتحمل الجزء الاكبرمن المسئولية وخيانته اكبر وافظع ، لذلك فان اتهام ابن العلقمى بالخيانة وتحميله المسئولية كاملة بالنسية لسقوط العراق فى يد التتار وتجاهل دور الخليفة الجوهرى فى ذلك يعكس تحاملا واضحا ضد ابن العلقمى ويؤكد ان اتهام ابن العلقمى بالخيانة ليس موضوعيا وليس صحيحا وان سببه هو التعصب المذهبى
- يزعم القائلون بخيانة ابن العلقمى بان تولية التتار لابن العلقمى حكم بغداد بعد احتلاله دليلا على تواطؤه معهم والا لما كانوا قد ولوه هذا المنصب و الا لما ابقوا على حياته رغم قتلهم جميع رجال الدولة العباسية وعلى راسهم الخليفة العباسى نفسه
- وفى الواقع ان ابقاء التتار على حياة ابن العلقمى رغم قتلهم جميع رجال الدولة العباسية وقيامهم بتوليته حكم بغداد بعد احتلاله لا تدل على خيانة ابن العلقمى وتواطؤه مع التتار بل تؤكد نزاهته وبراءته من تهمة الخيانة لان التتار من واقع دراسة تاريخهم وحروبهم مع اعداؤهم لا يحترمون الخونة ولا يثقون بهم ولا يولونهم المناصب الهامة فهم يتعاملون مع الخونة مع ان اجل تحقيق مصالحهم وعندما تنتفى الحاجة الى التعامل مع هؤلاء الخونة يتخلص منهم المغول تماما لعدم الحاجة الى التعامل معه وخوفا من استمرار وجودهم لعدم الثقة فيهم ومن الثابت من تاريخ التتار انهم لا يبقون على حياة اى شخص من اعداؤهم الا اذا اثار اعجابهم واحترامهم واذا وجدوا ان لهم منفعة تعود عليهم من جراء الابقاء على حياتهم بل من الثابت فى تاريخ التتار انهم يحرصون على استمالة اصحاب الكفاءات والمهارات لصفوفهم لذلك فمن الواضح ان ابن العلقمى قد اثارت شخصيته وكفاءته اعجاب واحترام التتار ولذلك قرروا ليس فقط الابقاء على حياته بل قرروا ايضا توليته حكما على بغداد
- ومن الواضح ان ابن العلقمى كان شخصا محترما ونزيها لا علاقة له بالصراعات الشخصية والمذهبية وذو كفاءة ادارية و يعمل فى صمت لذلك نال اعجاب واحترام وتقدير جميع الاطراف وهم الخليفة العباسى والتتار فضلا عن ابناء مذهبه من الشيعة بالطبع ولعل تلك الصفات هى التى جعلت الخليفة العباسى يختاره للعمل كوزير وحظى بمكانة كبيرة لديه فهو تقريبا كان الوزير الشيعى الوحيد فى الخلافة العباسية مما يدل على انه شخص ذو كفاءة وظيفية عالية وغير متعصب واطمئن الخليفة العباسى الى انه سيعمل فى صمت وبكفاءة عالية وسوف يكون مخلصا فى النصيحة وفى اعماله وسيكون مخلصا ومطيعا للخليفة لابعد الحدود اعترافا وتقديرا منه لفضل الخليفة عليه وبالتالى تنتفى لديه دوافع ومبررات الخيانة كما يزعمون ومن الواضح ان الخليفة قد اختاره لانه يحظى بمكانة مرموقة بين ابناء المذهب الشيعى فى العراق ومن الواضح انه كان شخصا بعيدا عن التعصب يتسم بالعقلانية والنضج والمرونة وهى اهم الصفات التى كانت مطلوبة لوجهاء المذهب الشيعى فى ذلك التوقيت الذى كان فيه خلاف بين السنة والشيعة وبالتالى فقد نال ابن العلقمى مكانة مرموقة بين ابناء المذهب الشيعى فى ذلك الوقت لانه الاقدر على الدفاع عن حقوقهم وايجاد التوزان المطلوب بين الطائفتين السنية والشيعية من خلال وجوده فى بلاط الخليفة العباسى ولذلك نال احترام الجميع السنة والشيعة وحتى التتار الوثنيين !!!
- واذا كان التتار قد قاموا بتوليته حاكما على بغداد ووافق هو على قبول هذا المنصب رغم نزاهته واخلاصه لوطنه فلا يعيبه او يدينه فى شىء لانه لم يكن يملك اى قوة تمكنه من مقاومة التتار او طردهم من العراق كما انه لن يستفيد شيئا من رفض هذا المنصب ومعاندة التتار فمن الممكن جدا فى هذه الحالة ان يقتله التتار المتعطشون للدماء والذين يقتلون لاتفه الاسباب وفى تلك الحالة سوف يقتل ابن العلقمى دون ان تؤدى تضحيته بحياته الى اى فائدة للعراق وفى الواقع ان طبيعة شخصية ابن العلقمى العاقلة المتزنة الذكية جعلته لا يرفض تعيينه حكما على العراق تحت حكم المغول اتقاءا لشرهم وبطشهم وربما محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه ويبدو ان معرفة التتار لطبيعة شخصية ابن العلقمى المتزنة العاقلة وادراكهم انه غير قادر على تشكيل خطورة عليهم واحتياجهم لشخص ذو خبرة وكفاءة ادارية لحكم بغداد وفى الوقت نفس يكون محبوبا ومقبولا من الناس كل ذلك جعلهم يقررون توليته حكم بغداد دون خوف ويبدو ان قبول ابن العلقمى لهذا المنصب هو بداية لسياسة طويلة مدى وبداية لسياسة ذكية وحكيمة من الشيعة الذين وجدوا انه لاجدوى من قتال التتار فى العراق بعد تخاذل الجميع وبعد ابادة معظم سكان العراق على يد التتار لذلك وجد حكماء الشيعة ان البديل الوحيد المتاح امامهم هو محاولة التاثير على الشيعة واستمالتهم للاسلام وهو ما نجح فيه الشيعة فيما بعد وفعلا دخل المغول الاسلام واستوزروا وزراءا من الشيعة وكان لهم الفضل فى اقناع حكام التتار بعد دخولهم الاسلام بالتوقف عن سياسة المذابح والمجازر والاعمال الوحشية الدموية التى كانوا يفعلونها ضد المسلمين قبل دخولهم الاسلام ولاشك ان ذلك انجازا كبيرا يحسب لشيعة العراق ويؤكد نزاهتهم واخلاصهم للاسلام وهم وان كانوا لم ينجحوا فى منع حكام التتار فى العراق من الدخول فى صراعات ضد الحكام المسلمين فى الاقطار الاسلامية الاخرى الا ان هذه الصراعات والحروب جاءت خالية من مجازى التتار الوحشية ضد شعوب هذه البلاد الاسلامية وغالبية اهلها العظمى من السنة وبذلك نجح شيعة العراق بحكمتهم فى تقليل خطر التتار ضد المسلمين سواء من السنة او الشيعة لدرجة كبيرة جدا
- ومن الواضح من خلال الشرح السابق فى هذه الدراسة يتضح ان اتهام ابن العلقمى بالخيانة والتواطؤ مع التتار هو اتهام كاذب تماما وساذج وانه كان شخصا نزيها وشريفا ولو كان فاسدا شريرا فلماذا لم يذكر الذين اتهموه بالخيانة امثلة على فساده وتصرفاته الشريرة الخبيثة ؟ ان اتهام ابن العلقمى بالخيانة بانه المتسبب فى احتلال االتتار للعراق بهذه الطريقة والشواهد الساذجة والمضحكة لهى اكبر دليل على نزاهته لان الشخص الفاسد الشرير ليس اعداؤه بحاجة الى اتهامه بتهم ساذجة وكاذبة لاثبات فساده وشره والشخص الفاسد الشرير لا يعجز اعداؤه عن ذكر جرائمه ومفاسده الحقيقة واثباتها .
- فى الواقع ان اتهام شخص ما بتهمة الخيانة والتواطؤ مع اعداء أمته هى ابشع تهمة يمكن ان يتهم بها اى انسان ولا يجوز لاى شخص ان يتهم شخصا آخر بهذه التهمة الخطيرة دون ادلة دامغة لا تقبل اللبس او التأويل واذا طبقنا ذلك على الاتهام الموجه الى ابن العلقمى لن نجد اى شرط من شروط الخيانة تنطبق عليه فلا يوجد لديه اى دافع قوى للخيانة ولا اى ادلة مادية ملموسة تدينه او على الاقل تشكك فيه وسوف نوضح ذلك على النحو التالى :
1- ما الدافع القوى الذى من الممكن ان يدفع ابن العلقمى للخيانة ؟ فلو صحت الروايات القائلة بان الخليفة وافق على مقترحات ابن العلقمى بخصوص تسريح معظم الجيش العباسى ومهادنة التتار فهذا ان دل على شىء فإنما يدل على ان ابن العلقمى يحظى بمكانة مرموقة لدى الخليفة العباسى ويتمتع بالتقدير اللازم والكلمة النافذة لدى الخليفة العباسى للدرجة التى تجعل الخليفة يتخذ قرارا خطيرا بتسريح معظم الجيش العباسى ، فلماذا اذن يقرر ابن العلقمى خيانة الخليفة العباسى؟! فهو فى منصب مرموق وله الكلمة النافذة ويحصل على التكريم والتقدير اللازم فماهو الدافع اذن للخيانة؟ من الممكن مثلا ان نتفهم وجود دافع لابن العلقمى للخيانة لو كان مثلا قد تعرض لاهانة شديدة ومستمرة من الخليفة العباسى وضعته تحت ضغوط نفسية شديدة وقرر على اثرها الخيانة ولكن لم يحدث اطلاقا اى من ذلك فلماذا يقرر ابن العلقمى الخيانة؟
2- ولو افترضنا فعلا وجود صراع مذهبى وخلافات شديدة بين السنة والشيعة فى العراق فى اواخر ايام الدولة العباسية دفعت ابن العلقمى للتواطؤ مع التتار انتقاما لبنى مذهبه فكيف ولماذا اختار الخليفة العباسى وزيرا شيعيا لدولته ولماذا كان مسموع الكلمة لديه بهذه الطريقة؟!!! وهل من المعقول فعلا لو كان الخليفة متعصبا من الناحية المذهبية ضد الشيعة ان يختار وزيرا شيعيا معروف عنه التعصب لبنى مذهبه الى الدرجة التى من الممكن ان تدفعه الى خيانة الخليفة ؟ام انه سوف يدقق فى الاختيار ويدرس تماما شخصية الشخص الشيعى الذى سيعينه وزيرا لديه خاصة فى ظل تللك الظروف التى يسود فيها التعصب المذهبى والخلافات الشديدة بين السنة والشيعة والتى ستدفع الخليفة حتما الى توخى الحذر والحرص فى الاختيار وهل لو اختار الخليفة العباسى وزيرا شيعيا معروف عنه التعصب لبنى مذهبه فهل من المعقول ان تكون كلمته مسموعة لدى الخليفة للدرجة التى تجعل الخليفة يسرح معظم جيشه ؟ ام انه سيتعامل مع نصائح واقتراحات هذا الوزير الشيعى بحذر شديد ؟ كل ذلك يجعلنا نتشكك فى وجود خلاف مذهبى فى ذلك التوقيت بين السنة والشيعة وعدم صحة ما قيل عن وجود اضطهاد من الخليفة العباسى للشيعة للدرجة التى دفعت ابن العلقمى للتواطؤ مع التتار انتقاما لابناء مذهبه ومن الواضح انها اكاذيب مدسوسة الهدف منها ايجاد مبرر وذريعة لاتهام ابن العلقمى بالخيانة .
3- وحتى لو افترضنا وجود خلافات شديدة بين السنة والشيعة فى العراق فى ذلك التوقيت ورغم ذلك اختار الخليفة العباسى المتعصب ضد الشيعة وزيرا شيعيا وترفع عن الخلاف والتعصب المذهبى واعطاه التقدير اللازم واصبح نافذ الكلمة لديه ، فهل كان هذا التصرف من الخليفة سيدفع ابن العلقمى للخيانة ام سيدفعه الى يكون مخلصا للخليفة ومقدرا لتقدير الخليفة له لانه سبشعر بفضل الخليفة عليه وسيحرص على ارضاءه والاخلاص له فى النصيحة وفى الفعل
4- ومادام ابن العلقمى الشيعى كان يحظى بهذه المكانة العظيمة لدى الخليفة العباسى فكيف ولماذا اذن يضطهد الخليفة الشيعة فى العراق ولماذا اختار وزيرا شيعيا واعطاه مكانة عظيمة لديه؟ وحتى لو افترضنا ان الخليفة العباسى كان يضطهد الشيعة افلا يتمكن ابن العلقمى مادام يتمتع بهذه المكانة وهذا النفوذ فى الدولة العباسية ان يتوسط لدى الخليفة لرفع الظلم والاضطهاد عن الشيعة؟! ومادام ابن العلقمى نافذ الكلمة مسموع الرأى عند الخليفة الى الدرجة التى جعلته يوافق على اقتراح ابن العلقمى بتسريح معظم الجيش العباسى فورا دون تردد افلا ينجح فى اقناع الخليفة برفع الاضطهاد عن الشيعة ؟!! وبالتالى اين المبرر هنا الذى يدفع ابن العلقمى للخيانة؟!!!!
5- تزعم الرويات الكاذبة أن ابن العلقمى كتب رسائله الى هولاكو على راس خادم لديه ، فأين الدليل على صحة هذه الاتهامات؟ وكيف عرف الرواة الذين يتهمون ابن العلقمى بالخيانة بأمر هذه المراسلات التى من المفترض انها تمت فى طروف شديدة السرية وفى مكان مغلق لا يوجد فيه الا ابن العلقمى نفسه وخادمه ؟ فهل فى ظل هذه الظروف يمكن ان يكون هناك شهود عيان شاهدين على وجود هذه الرسائل ومطلعين على محتواها ؟!!! كمان انه لابد ان يكون شهود العيان وان وجدوا ( مع استحالة تواجدهم فى الواقع) ان يكونا موضع ثقة حتى نطمئن الى رواياتهم وهذا اصلا شرط يصعب تحقيقه فى ظل التعصب المذهبى السائد بين المؤرخين السنة والشيعة على مدار التاريخ الاسلامى ولا يزال مستمرا حتى يومنا هذا لا يمكن ان نثق فى هذه الروايات لعدم تأكدنا من مصداقية الراوى ولعدم منطقية الرواية نفسها التى بنت اتهامها على اساس غير منطقى ولا يمكن اثباته .
6- وحتى لو افترضنا ان ابن العلقمى لديه دافع للخيانة فما الذى سيستفيده من التواطؤ معهم ؟ هل مثلا كان يعتقد انهم سيعينونه حاكما على العرق بدلا من الخليفة؟ ومالذى يجعله واثقا ان التتار سوف يوفون بعهدهم له؟!! مع انه المعروف عن التتار انهم لاعهد لهم ولا ذمة وانهم يكنون الكراهية والحقد لكل الاجناس وكل الاديان ولا يعرفون غير الدم والمذابح والمجازر ، وما الذى جعل ابن العلقمى واثقا من ان التتار عندما يتواطؤ معهم ويسهل لهم احتلال العرق سوف يوفون بعهدهم له ولن يقوموا بقتله وذبح الشيعة فى العراق ؟! وما الذى سيجعل التتار يقومون بذبح اهل السنة فى العرق بعد احتلالها ولا يقومون بنفس الشىء مع الشيعة فى العراق؟!! لماذا سيتعاطف التتار مع الشيعة فى العراق ؟!!! فهل يوجد سابق علاقة بين التتار والشيعة فى العرق فى ذلك التوقيت؟!!! وهل يوجد تشابه بين معتقدات الشيعة المسلمين وبين عقائد التتار الوثنية؟!!!!!! واذا كان هولاكو فعلا متعاطفا مع المسيحيين لان زوجته كانت مسيحية ، فما الدافع الذى سيجعل هولاكو يتعاطف مع الشيعة ؟!!!
7- ولو كان ابن العلقمى شخصا خائنا ومتواطئا فعلا مع التتار واذا كان فعلا شخضا خبيثا وماكرا كما توصفه الروايات التى تتهمه بالخيانة فكيف يقرر اتخاذ قرار خطيرا جدا ومصيرى بالتواطؤ مع التتار دون اى ضمانات تضمن وفاء التتار بعهودهم له وتضمن سلامته شخصيا وسلامة ابناء مذهبه من الشيعة ؟!!! فهل من المعقول ان شخصا شديد الخبث والدهاء على عادة الخونة والمتآمرين يتخذ قرار خطيرا مثل هذا القرار دون ضمانات مؤكدة ومع التتار الذين من المعروف عنهم انهم لا يوفون بعهودهم ولا عهد لهم ولا ذمة ولا اخلاق؟!!!
8- هل مثلا لو افترضنا ان ابن العلقمى قد قرر فعلا التواطؤ مع التتار فعلى اى اساس قرر واطمئن الى ان التتار بعد احتلالهم بغداد لن يغدروا به وبالطائفة الشيعية فى العراق؟ فهل اعتمد ابن العلقمى على سابقة تاريخية او احداث مشابهة حدثت بين المغول والشيعة مسبقا حيث مثلا تعاطف التتار سابقا مع الشيعة فى احدى غزواتهم ولم يقوموا بابادتهم مثلما فعلوا مع المسلمين السنة ؟ اننا لا نجد واقعة تاريخية مشابهة بين التتار والشيعة بل على العكس نجد ان التتار قاموا بالقضاء على الطائفة الاسماعيلية المحسوبة على المذهب الشيعى رغم انها كانت طائفة قوية وصمدت سنوات عديدة رغم كثرة اعداؤها اعتمادا على قوة حصونها وقلاعها التى اقامتها فى الجبال ورغم ذلك اصر هولاكو على القضاء عليها تماما ونهائيا ولم يتقدم لاحتلال العراق واسقاط الخلافة العباسية الا بعد ان انتهى تماما من القضاء على الطائفة الاسماعيلية الشهيرة باسم طائفة الحشاشين ، افلا يدل ذلك على كراهية التتار الشديدة للشيعة وان كراهيتهم للمسلمين الشيعة لا تقل ابدا عن كراهيتهم للمسلمين السنة وافلا يدل ذلك على ان التتار لو احتلوا العراق سيقومون بابادة الشيعة كما فعلوا مع الشيعة الاسماعيلية سابقا ولن يفرقوا فى القتل بين السنة والشيعة فى العراق ؟ وهل كان ابن العلقمى غافلا عن كل ذلك بالطبع لا فوقائع التتار مع الطائفة الاسماعيلية كانت شهيرة ومعروفة للجميع وابن العلقمى رجل سياسة ومن المؤكد انه كان عارفا ومتابعا لتلك الوقائع بحكم انها تخص ابناء مذهبه الشيعى ، ومن الطبيعى ان ما فعله التتار مع الطائفة الاسماعيلية تثير كراهيته الشديدة للتتار وتعطى مؤشرا واضحا لما سوف يفعلونه بالشيعة لو احتلو العراق ، فكيف اذن سيتواطؤ معهم ابن العلقمى وهو حانق عليهم وراغبا فى الانتقام منهم ولا يثق بوعودهم وعارفا بحقيقة نواياهم وغدرهم؟!!!!!!! واليس فى هذه الحالة سيرى ابن العلقمى بأن استمرار العراق تحت حكم العباسيين السنة حتى لو كانوا يضطهدوا الشيعة افضل كثيرا جدا من حكم التتار الذى سبيبد الشيعة على بكرة ابيهم مثلهم مثل السنة فى العراق؟
9- لو صح فعلا ان ابن العلقمى قد اقنع الخليفة العباسى بتسريح معظم الجيش العباسى واقنعه بالتساهل مع التتار فإن هذا ليس دليلا على خيانة ابن العلقمى وتواطؤه مع التتار فالدولة العباسية كانت فى اواخر ايامها وكانت تعانى ضعفا شديدا ومن الطبيعى ان حالة الضعف العام التى اصابت الدولة العباسية فى ذلك التوقيت ان تنعكس على طريقة تفكير وتصرفات رجال الدولة العباسية وقادتها فى ذلك التوقيت ومن الطبيعى ان يميل رجال الدولة العباسية وعلى راسهم الخليفة العباسى نفسه الى التساهل مع التتار ومحاولة المهادنة معهم وان يصيبهم الخوف من التتار وان يتاثروا بالحرب النفسية وحرب الاعصاب التى يشنها المغول ضد اعداؤهم ومن الطبيعى ان يخافوا مقاومة التتار خاصة ان الخليفة العباسى عرف انه اهمال امور الدولة والانغماس فى الشهوات والملذات وبالتالى فلو فعلا قام ابن العلقمى بتقديم هذه الاقتراحات للخليفة العباسىى فهذا لا يعتبر خيانة من ابن العلقمى ولا تثير الشكوك حوله بدليل ان الخليفة العباسى لم يندهش من هذه الاقتراحات ولم تثار شكوكه فى نوايا ابن العلقمى ولم يرفض اقتراحاته بل قام بتنفيذها فورا دون تردد مما يدل على ان هذه الاقتراحات لو صحت الروايات تدل على انه كان التساهل وايثار السلامة طابع العصر العباسى فى ذلك الوقت ولو كانت فعلا اقتراحات ابن العلقمى تعتبر خيانة من ابن العلقمى وتثبت تواطؤه مع التتار فلماذا وافق عليها الخليفة فورا دون تردد ؟! ولماذا لم يتهم احدا الخليفة العباسى بالخيانة لموافقته على اقتراحات ابن العلقمى وقيامه بتنفيذها ؟!! فمادام الخليفة العباسى قد وافق على اقتراحات خطيرة جدا لا تصدر الا من شخص خائن فمن الطبيعى ان الذى وافق على هذه الاقتراحات وقام بتنفيذها فورا دون تردد ان يكون هو ايضا خائنا وشريك فى الخيانة مع الشخص الذى قدم هذه الاقتراحات بل ان الخليفة فى هذه الحالة يتحمل الجزء الاكبر من المسئولية وهو المسئول الاول والنهائى عن تسليم العراق للمغول ولابد ان يتم اتهامه هو ايضا بالخيانة باعتباره صاحب القرار النهائى وصاحب اعلى منصب فى الدولة العباسية وعلى اساس ان مقدم هذه الاقتراحات لم يخرجها من اطار الاقتراح النظرى الى اطار التنفيذ الفعلى الا بعلم وموافقة الخليفة ومساعدة الخليفة له وتحمسه لتفيذها ، ورغم ان هناك الكثير من الروايات التى اتهمت الخليفة العباسى بالضعف والتخاذل الا ان احدا لم يتهمه بالخيانة المباشرة ولم يشنع عليه مثلما فعلوا مع ابن العلقمى مع اننا لو سلمنا فعلا بأن اقتراحات ابن العلقمى هى خيانة فإن الخليفة العباسى يتحمل الجزء الاكبرمن المسئولية وخيانته اكبر وافظع ، لذلك فان اتهام ابن العلقمى بالخيانة وتحميله المسئولية كاملة بالنسية لسقوط العراق فى يد التتار وتجاهل دور الخليفة الجوهرى فى ذلك يعكس تحاملا واضحا ضد ابن العلقمى ويؤكد ان اتهام ابن العلقمى بالخيانة ليس موضوعيا وليس صحيحا وان سببه هو التعصب المذهبى
- يزعم القائلون بخيانة ابن العلقمى بان تولية التتار لابن العلقمى حكم بغداد بعد احتلاله دليلا على تواطؤه معهم والا لما كانوا قد ولوه هذا المنصب و الا لما ابقوا على حياته رغم قتلهم جميع رجال الدولة العباسية وعلى راسهم الخليفة العباسى نفسه
- وفى الواقع ان ابقاء التتار على حياة ابن العلقمى رغم قتلهم جميع رجال الدولة العباسية وقيامهم بتوليته حكم بغداد بعد احتلاله لا تدل على خيانة ابن العلقمى وتواطؤه مع التتار بل تؤكد نزاهته وبراءته من تهمة الخيانة لان التتار من واقع دراسة تاريخهم وحروبهم مع اعداؤهم لا يحترمون الخونة ولا يثقون بهم ولا يولونهم المناصب الهامة فهم يتعاملون مع الخونة مع ان اجل تحقيق مصالحهم وعندما تنتفى الحاجة الى التعامل مع هؤلاء الخونة يتخلص منهم المغول تماما لعدم الحاجة الى التعامل معه وخوفا من استمرار وجودهم لعدم الثقة فيهم ومن الثابت من تاريخ التتار انهم لا يبقون على حياة اى شخص من اعداؤهم الا اذا اثار اعجابهم واحترامهم واذا وجدوا ان لهم منفعة تعود عليهم من جراء الابقاء على حياتهم بل من الثابت فى تاريخ التتار انهم يحرصون على استمالة اصحاب الكفاءات والمهارات لصفوفهم لذلك فمن الواضح ان ابن العلقمى قد اثارت شخصيته وكفاءته اعجاب واحترام التتار ولذلك قرروا ليس فقط الابقاء على حياته بل قرروا ايضا توليته حكما على بغداد
- ومن الواضح ان ابن العلقمى كان شخصا محترما ونزيها لا علاقة له بالصراعات الشخصية والمذهبية وذو كفاءة ادارية و يعمل فى صمت لذلك نال اعجاب واحترام وتقدير جميع الاطراف وهم الخليفة العباسى والتتار فضلا عن ابناء مذهبه من الشيعة بالطبع ولعل تلك الصفات هى التى جعلت الخليفة العباسى يختاره للعمل كوزير وحظى بمكانة كبيرة لديه فهو تقريبا كان الوزير الشيعى الوحيد فى الخلافة العباسية مما يدل على انه شخص ذو كفاءة وظيفية عالية وغير متعصب واطمئن الخليفة العباسى الى انه سيعمل فى صمت وبكفاءة عالية وسوف يكون مخلصا فى النصيحة وفى اعماله وسيكون مخلصا ومطيعا للخليفة لابعد الحدود اعترافا وتقديرا منه لفضل الخليفة عليه وبالتالى تنتفى لديه دوافع ومبررات الخيانة كما يزعمون ومن الواضح ان الخليفة قد اختاره لانه يحظى بمكانة مرموقة بين ابناء المذهب الشيعى فى العراق ومن الواضح انه كان شخصا بعيدا عن التعصب يتسم بالعقلانية والنضج والمرونة وهى اهم الصفات التى كانت مطلوبة لوجهاء المذهب الشيعى فى ذلك التوقيت الذى كان فيه خلاف بين السنة والشيعة وبالتالى فقد نال ابن العلقمى مكانة مرموقة بين ابناء المذهب الشيعى فى ذلك الوقت لانه الاقدر على الدفاع عن حقوقهم وايجاد التوزان المطلوب بين الطائفتين السنية والشيعية من خلال وجوده فى بلاط الخليفة العباسى ولذلك نال احترام الجميع السنة والشيعة وحتى التتار الوثنيين !!!
- واذا كان التتار قد قاموا بتوليته حاكما على بغداد ووافق هو على قبول هذا المنصب رغم نزاهته واخلاصه لوطنه فلا يعيبه او يدينه فى شىء لانه لم يكن يملك اى قوة تمكنه من مقاومة التتار او طردهم من العراق كما انه لن يستفيد شيئا من رفض هذا المنصب ومعاندة التتار فمن الممكن جدا فى هذه الحالة ان يقتله التتار المتعطشون للدماء والذين يقتلون لاتفه الاسباب وفى تلك الحالة سوف يقتل ابن العلقمى دون ان تؤدى تضحيته بحياته الى اى فائدة للعراق وفى الواقع ان طبيعة شخصية ابن العلقمى العاقلة المتزنة الذكية جعلته لا يرفض تعيينه حكما على العراق تحت حكم المغول اتقاءا لشرهم وبطشهم وربما محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه ويبدو ان معرفة التتار لطبيعة شخصية ابن العلقمى المتزنة العاقلة وادراكهم انه غير قادر على تشكيل خطورة عليهم واحتياجهم لشخص ذو خبرة وكفاءة ادارية لحكم بغداد وفى الوقت نفس يكون محبوبا ومقبولا من الناس كل ذلك جعلهم يقررون توليته حكم بغداد دون خوف ويبدو ان قبول ابن العلقمى لهذا المنصب هو بداية لسياسة طويلة مدى وبداية لسياسة ذكية وحكيمة من الشيعة الذين وجدوا انه لاجدوى من قتال التتار فى العراق بعد تخاذل الجميع وبعد ابادة معظم سكان العراق على يد التتار لذلك وجد حكماء الشيعة ان البديل الوحيد المتاح امامهم هو محاولة التاثير على الشيعة واستمالتهم للاسلام وهو ما نجح فيه الشيعة فيما بعد وفعلا دخل المغول الاسلام واستوزروا وزراءا من الشيعة وكان لهم الفضل فى اقناع حكام التتار بعد دخولهم الاسلام بالتوقف عن سياسة المذابح والمجازر والاعمال الوحشية الدموية التى كانوا يفعلونها ضد المسلمين قبل دخولهم الاسلام ولاشك ان ذلك انجازا كبيرا يحسب لشيعة العراق ويؤكد نزاهتهم واخلاصهم للاسلام وهم وان كانوا لم ينجحوا فى منع حكام التتار فى العراق من الدخول فى صراعات ضد الحكام المسلمين فى الاقطار الاسلامية الاخرى الا ان هذه الصراعات والحروب جاءت خالية من مجازى التتار الوحشية ضد شعوب هذه البلاد الاسلامية وغالبية اهلها العظمى من السنة وبذلك نجح شيعة العراق بحكمتهم فى تقليل خطر التتار ضد المسلمين سواء من السنة او الشيعة لدرجة كبيرة جدا
- ومن الواضح من خلال الشرح السابق فى هذه الدراسة يتضح ان اتهام ابن العلقمى بالخيانة والتواطؤ مع التتار هو اتهام كاذب تماما وساذج وانه كان شخصا نزيها وشريفا ولو كان فاسدا شريرا فلماذا لم يذكر الذين اتهموه بالخيانة امثلة على فساده وتصرفاته الشريرة الخبيثة ؟ ان اتهام ابن العلقمى بالخيانة بانه المتسبب فى احتلال االتتار للعراق بهذه الطريقة والشواهد الساذجة والمضحكة لهى اكبر دليل على نزاهته لان الشخص الفاسد الشرير ليس اعداؤه بحاجة الى اتهامه بتهم ساذجة وكاذبة لاثبات فساده وشره والشخص الفاسد الشرير لا يعجز اعداؤه عن ذكر جرائمه ومفاسده الحقيقة واثباتها .
تعليق