بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾.[1]
من أجمل الذكر الوارد عن الله تعالى هو مسألة الربط بين الأنبياء وبما جاءوا به قبل الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله حيث العقائد والشريعة هي هي الا ما نسخ بأمره تعالى وهذا واضح حيث كان عيسى عليه السلام يصدّق جميع ما بين يديه من الكتب والرّسل كما هو شأن جميع الأنبياء عليهم السلام؛ لاتّفاق كلمتهم على الحقّ وعصمة علومهم عن الخطأ، فلا يعقل الاختلاف إلاّ بين الجهّال والضلاّل، وإنّما يكون اختلافهم في نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة باللاّحقة. وأمّا أنّه عليه السلام كان مصدّقا للتوراة فلأنّه كان مأمورا بالعمل بما فيه، باستثناء ما فيه من الآصار والأثقال.
وقد ورد عَنْ مُحَمَّدٍ اَلْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((كَانَ بَيْنَ دَاوُدَ وَعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ شَرِيعَةُ عِيسَى أَنَّهُ بُعِثَ بِالتَّوْحِيدِ وَاَلْإِخْلاَصِ وَبِمَا أَوْصَى بِهِ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَ مُوسَى، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ اَلْإِنْجِيلُ وَأُخِذَ عَلَيْهِ اَلْمِيثَاقُ اَلَّذِي أُخِذَ عَلَى اَلنَّبِيِّينَ وَشُرِعَ لَهُ فِي اَلْكِتَابِ إِقَامُ اَلصَّلاَةِ مَعَ اَلدِّينِ، وَاَلْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَاَلنَّهْيُ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَتَحْرِيمُ اَلْحَرَامِ، وَتَحْلِيلُ اَلْحَلاَلِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي اَلْإِنْجِيلِ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ [وَحُدُودٌ] لَيْسَ فِيهَا قِصَاصٌ وَلاَ أَحْكَامُ حُدُودٍ، وَلاَ فَرْضُ مَوَارِيثَ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ تَخْفِيفُ مَا كَانَ نَزَلَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلتَّوْرَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ فِي اَلَّذِي قَالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾، وَأَمَرَ عِيسَى مَنْ مَعَهُ مِمَّنْ اِتَّبَعَهُ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِشَرِيعَةِ اَلتَّوْرَاةِ وَاَلْإِنْجِيلِ)).[2]
فيتضح من الحديث أعلاه أنَ الإمام الصادق عليه السلام صرّح في ذيل الحديث أنّ عيسى عليه السلام أمر أمّته أن يؤمنوا بشريعة التوراة والإنجيل. وفيه إشعار بأنّ موقعيّة التوراة عند المسيح عليه السلام وأمّته ليست كما هو المتعارف من تصديق كلّ لاحق بما أتى به السابق، فإنّ التصديق من ناحية القرآن لمن كان قبله من الأنبياء وكتبهم، ليس إلاّ لإثباتهم وتأييدهم وتثبيتهم لا للعمل. ولا لاحتياج أمّة القرآن لبعض ما في تلك الكتب من علومها وشرائعها وحقائقها وعقائدها، فإنّ القرآن أجمع جميع الأفراد والأزمان والأوضاع والأحوال إلى يوم القيامة بخلاف الكتب السابقة، فإنّ كتاب نوح عليه السلام مع سبقه زمانا على الكتب النازلة، كان الأنبياء بعده مروّجين له، عاملين به.
وكذلك التوراة كان رائجا ومتداولا بين أنبياء بني إسرائيل، و كانوا مأمورين بالعمل بما فيه سواء أكان لهم كتاب مثل زبور داود أم لا، وعيسى عليه السلام كان من أنبياء بني إسرائيل وليس كتابه الإنجيل يستغني عن التوراة، بل صريح الرواية أنّه ليس فيه قصاص وأحكام حدود ولا فرض ميراث، فالمنسوخ من التوراة بالإنجيل ليس إلاّ بعض الآصار والأثقال لا كلّه؛ وهو الظاهر من الآية الكريمة حيث يقول: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ﴾[3]، لذا قال الباري عز وجل: ﴿مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلتَّوْراةِ﴾، فذكر التوراة في أول الآية في مقام الامتنان منه - سبحانه - على عيسى عليه السلام بأنّه - تعالى - يعلّمه الكتاب.
واعتنى بذكر التوراة من بين الكتب أجمع ثانيا في مقام التصديق ولم يذكر الكتب الأخرى، مع أنّه عليه السلام كان مصدّقا لجميع ما بين يديه من الكتب، فإفراده بالذكر فيه عناية خاصّة، وإشعار بأنّ التوراة كان كتاب العمل لعيسى وأمّته.
[1] سورة آل عمران، الآية: 50.
[2] تفسير العياشي، ج 1، ص 175.
[3] سورة آل عمران، الآية: 48.
تعليق