تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ۖ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.[1]
المكر هو الالقاء في السوء على نحو لا يلتفت ذلك الشخص أن الماكر بصدد ايذائه والقائه في السوء، أو على نحو لا يلتفت الناس به، وإن الغرض هي الإساءة.
واليهود مكروا مع المسيح عليه السّلام فإنهم يتكلمون معه ويسألونه عليه السّلام عن أمور لم يكن غرضهم من هذه الأسئلة الاخذ بالأجوبة لو أجاب صحيحا على طبق العقل، بل كان غرضهم اخذ اعتراف منه بعدم سلطنة قيصر الروم، وعدم لزوم اطاعته حتى يحكم القيصر بقتله، أو اخذ اعتراف بأنه سلطان اليهود، فيلزم على الكهنة أن يطيعوه، أو غير ذلك مما هو على خلاف ارادات الكهنة، حتى تأمر الكهنة على قتله بإفتائهم واستدعائهم من قيصر، لا على خلاف العقل، فإنه لو كان التكلم لأجل الفحص من حال المدعي، وأن يفهموا أنه هل هو لائق للوساطة ويكون أكمل من كل من بعث اليه ام لا؟ وهل يكون في ادعائه امارة الصدق من بينة ام لا؟ لم يكن من المكر، بل هو شيء لو لم يراع يكون مصدقا بدون الجهة وداخلا في الهمج الرعاع اتباع كل ناهق وناع وغيرهما من أصوات الحيوانات.
فلما أن اليهود مكروا معه عليه السّلام فالله مكر معهم، والقى شباهة عيسى عليه السّلام على غيره من اليهود وهو يهوذا الإسخريوطي، أو واحد من اليهود، أو من اتباعه عليه السّلام، الذي افدى نفسه، على اختلاف ما ورد، وجعل كلمة المسيح عليه السّلام هي الأعلى، وكلمة اليهود هي السفلى، وكان ذلك بأمر خفي على اليهود، بل على الناس فرفع الله عيسى عليه السّلام وخلصه من أيدي اليهود وازداد اتباعه كل يوم، بخلاف اليهود، وهو اعلم في المكر وأبصر فهو خير الماكرين اذ مكره يكون جزاء على المكر لا ابتدائيا.
ولا يخفى أنّ الله - سبحانه - مقدّس عن المكر وغنيّ عنه، فإنّ الله - سبحانه - يأخذ العاصين والمجرمين بسخطه في عين اشتغالهم بشهوات الدنيا ولذّاتها أخذ عزيز مقتدر.
والمراد من الماكرين في الآية الكريمة هم الّذين لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام وعارضوه وكذّبوه، وسعوا في إبطال دعوته وأنوار بلاغه بأنواع المكائد والحيل.
أي أنّ أخذه تعالى العاصين الظالمين، وإنزاله بأسه وسخطه ونقمته عليهم عبرة لمن اعتبر ووعظ لمن اتّعظ.
وقد ورد فِي عُيُونِ اَلْأَخْبَارِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلْمُعَاذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ اَلْكُوفِيُّ اَلْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((سَأَلْتُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى أَنْ قَالَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿سَخِرَ اَللهُ مِنْهُمْ﴾ وَعَنْ قَوْلِهِ، ﴿يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى، ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اَللهُ﴾ وَعَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يُخادِعُونَ اَللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ﴾ فَقَالَ: إِنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْخَرُ وَلاَ يَسْتَهْزِئُ وَلاَ يَمْكُرُ وَلاَ يُخَادِعُ، وَلَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ اَلسُّخْرِيَّةِ وَجَزَاءَ اَلاِسْتِهْزَاءِ وَجَزَاءَ اَلْمَكْرِ وَاَلْخَدِيعَةِ، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ اَلظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً)).[2]
فهذه التعابير التي جاء بها الباري عز وجل في القرآن: «الاستهزاء» و «السخرية» و «الخديعة» و «المكر» و «الكيد» نسبها الى جانبه تعالى، وهي أفعال تنمّ عن قبح وسفاهة لا يرتكبها الحكيم.
لذا قال بنو إسرائيل: ﴿أَتَتَّخِذُنا هُزُواً﴾، قال موسى - استنكاراً لهذه النسبة -: ﴿أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجاهِلِينَ﴾[3]، وقد تأوّل العلماء لذلك تأويلات لطيفة وتخريجات أديبة بديعة، حاصلها أنّ هذه التعابير من جانبه تعالى تعابير مجازيّة، رعاية للمشاكلة اللفظيّة الّتي هي من فنون البديع، ولأنّه تعالى يفعل بهم ما يشبه فعل المستهزئين والخادعين والماكرين.
فإنّه تعالى وإن كان لا يخدع أحداً ولا يستهزئ بأحد، لكنّه يردّ كيد الخائنين في نحورهم، ويجعل من الواقعة بحيث تعاكس أهدافهم وتخيب آمالهم إلى ما يناقضها في نهاية المطاف.
[1] سورة آل عمران، الآية: 54.
[2] كتاب التوحيد، ج 1، ص 163.
[3] سورة البقرة، الآية: 67.
تعليق