بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثرت هي المصائب التي احاطت بالحوراء زينب (عليها السلام) في طف كربلاء ، فبعد ان رات بام عينيها القتل والنار ، ومن ثم اخذوها اسيرة للكوفة مع باقي الاسرى ، لكن بعدها اخذوهم اسرى للشام ، وهنا تبدا مصيبة كبرى جديدة ولكن......اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يمنعها أسرها وطول الرحلة الشاقة من أن تقف في مجلس يزيد وتصدع بالحق وتفضح الظالمين بتلك الخطبة المدوِّية التي زلزلت عروش الأمويين وبقيت اصداؤها تجوب في البلاد وأحدثت انقلاباً فكرياً في أذهان الناس ضد يزيد، وألبت الرأي العام ضده ...
وقد استنكر جريمته البشعة حتى رُوّاد مجلسه وأتباعه.
فعندما رأت يزيد وهو يضرب بعصاه ثنايا الحسين قالت:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد وآله اجمعين. صدق الله سبحانه حيث يقول: ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الارض وآفاق السماء فأصبحنا نُساقُ كما تُساق الإماء، أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة، وإن ذلك لعِظم خطرك عنده، فشمختَ بأنفك، ونظرتَ في عِطْفك، تضربُ أصدريك فرحاً، وتنفض مذرويك مرحاً، جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والامور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً، لا تُطش جهلاً، أنسيتَ قول الله تعالى (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)
أمنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرَك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا. قد هُتكت ستورهن، وأبديت وجوههنَّ، وصحلت أصواتهنّ، تحدو بهنّ الاعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهنَّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والشريف والدنيّ، ليس معهن من رجالهن وليٌّ ولا من حُماتهن حميّ، وكيف تُرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء وكيف يستبطأ في بغضنا اهل البيت مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم داعياً بأشياخك ـ ليت أشياخي ببدر شهدوا ـ منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب.
أتهتف باشياخك؟ زعمتَ أنك تناديهم فلتردنَّ وشيكاً موردهم، ولتودنّ أنك شللتَ وبكمْتَ ولم تكن قلتَ ما قلتَ وفعلتَ ما فعلتَ . اللهم خُذْ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا. واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حُماتنا.
فوالله يا يزيد ما فريتَ إلا جلدك ولا حززتَ إلا لحمك، ولتردّن على رسول الله بما تحمّلتَ من سفك دماء ذريّته وانتهكتَ من حرمته في عترته ولُحمته حيث يجمع الله شملَهم ويُلمّ شعثهم ويأخذ بحقهم (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وحسبُك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً.
وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً وأيّكم شرَّ مكاناً وأضعف جندا. ولئن جرّت عليَّ الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك . لكن العيون عبرى والصدور حرّى، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النُجباء بحزب الشيطان الطلقاء. وهذه الايدي تَنْطِفُ من دمائنا والافواهُ تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتُعفّرها أمّهاتُ الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك وما ربك بظلّام للعبيد.
فإلى الله المشتكى، وعليه المعوَّل، فكدْ كيدك. واسْعَ سعيك، وناصبْ جُهدك فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تدرك أمدَنا، ولا يُرحض عنك عارُها، وهل رأيك إلا فَنَد وأيامُك إلا عددْ، وجمعُك إلا بَددْ، يوم ينادى المنادى ألا لعنة الله على الظالمين.
فالحمد لله رب العالمين. الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويُوجب لهم المزيد، ويُحسنْ علينا الخلافة، إنه رحيم ودود وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قال السيد جواد شبر بعد إيراده هذه الخطبة: (أرأيت ابنة علي وموقفها الذي تعجز عنه أبطال الرجال؟ تأمل في كلامها الطافح بالعزة والإباء. والمملوء جرأةً وإقداماً، والمشحون بالأبهة والعظمة، بعدم المبالاة بكل ما مرّ عليها من المصائب والنوائب) (1)
كان صوت الحق والحقيقة ..
الصوت الذي انبثق من صوت السماء ودعوة النبوة، إنه صوت بنت علي والزهراء ومحمد ..
وها هي شمس الحقيقة تسطع وسط الظلام ...
ها هو لسان الثورة الحسينية الهادر، وربيبة النبوة، وسليلة الإمامة، وعقيلة بني هاشم، تخطب في مجلس عدو الإسلام وعدو نبيه، فأحالت سرور يزيد بقتل الحسين إلى حالة من الهلع والخوف، وأطارت فعل الخمر من رأسه، وأحدثت انقلاباً في الرأي العام ضده حتى اضطر يزيد إلى التنصّل من جريمته وإلقاء تبعتها كلها على المجرم ابن زياد
ولكن ذلك لم ينفعه ..
هكذا جرّدت عقيلة الطالبيين السلطة الأموية الجائرة من الصبغة الشرعية التي أوهموا الناس بها وخدعوا بها الرأي العام، وفضحت جريمتهم النكراء بحق آل الرسول في كربلاء، وأوضحت وبيّنت أعمالهم الوحشية بقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه وهم ظِماء، وأسرهم وسبيهم بنات الرسول والطواف بهنَّ من بلد إلى بلد.
لقنت الطاغية يزيد درساً في الشموخ والتحدي:
ــ ولئن جرّت عليَّ الدواهي مخاطبتك، فإني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك .. !
لقد كانت صفعة قوية توجهها بنت علي لهذا الطاغية الأحمق الذي ظنّ بأنه يخاطب امرأة عادية ثكلى مسبية أذلها الأسر، وأذهلها الثكل ...
وفجأة أحسّ كأن صاعقة نزلت على رأسه من وقع هذه الكلمات، بل إن الصاعقة كانت أهون عليه منها، وأدرك أنه قد نسج نعش دولته بيده بقتله الحسين (عليه السلام).
كانت زينب لسان الثورة الحسينية وصرخة وآهة في مسمع الدهر لن يخفت صداها فكان لخطبها وكلماتها أثرهما العميق ودلالتهما الواضحة بأن كربلاء باقية مع تعاقب الأزمان، وأن النهضة الحسينية المباركة ستبقى خالدة في الأجيال، فقد عكس دورها مبادئ الثورة الحسينية وفضح جرائم الأمويين.
فكانت خطبها هي وسيلة إعلام الثورة الحسينية الضخمة التي قادتها وأدارتها ومثلتها بأعظم دور في نشر الهدف الرسالي المقدّس الذي سعى إلى تحقيقه الأمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء.
تقول الدكتورة بنت الشاطئ:
(كانت زينب عقيلة بني هاشم في تاريخ الإسلام وتاريخ الإنسانية بطلة، استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد، وأن تسلط معاول الهدم على دولة بني أمية، وأن تغيِّر مجرى التاريخ). (2).
نعم لقد استطاعت هذه السيدة العظيمة التي كانت (تفرغ عن لسان أبيها سيد البلغاء) أن تزلزل عروش الأمويين بخطبها ورثائها لسيد الشهداء.
لقد أدت زينب (صلوات الله عليها) دورها العظيم على أتم وجه، وأثبتت للأمويين إنهم استطاعوا قتل الحسين ولكنهم لا يستطيعون قتل صوته الذي لم ولن يموت..
لقد قطعوا رأسه لكن هذا الرأس المقطوع روّى شريعة الإسلام التي ستبقى مشعَّة ومضيئة بتضحياته ودمه..
لقد سلبوه ثوبه ورداءه لكنه كسا الدنيا ثوب الحرية والكرامة ..
لقد داسوا على صدره بحوافر الخيول لكنه زرع في الصدور معنى الإباء ورفض الظلم والتجبّر والاستبداد، وسيبقى صرخة مدوّية إلى الأبد بوجه الظلمِ والجبروت.
بعد رحلة شاقة مليئة بالمشاق والدموع وصلت زينب مع قافلة السبايا إلى المدينة.
لقد غمرت الدنيا حياتها بالأحزان والمآسي والمصائب، فغمرتها بالصبر والعطاء والبذل والخير.
وجابهتها الدنيا بظلمها وظلامها، فشعّت عليها بإيمانها ويقينها ونورها النبوي.
وواجهتها بزعازعها، فوجدتها جبلاً شامخاً راسخاً لا تزعزعه الأعاصير ولا تثنه الأهوال.
لقد رافقتها المآسي والمصائب وهي تشارك سيد الشهداء نهضته، وشاركته في ثورته العظيمة خطوة بخطوة حتى استشهاده في كربلاء فأوقدت مشعل المبادئ التي سعى الإمام الحسين إلى تحقيقها، وأدت دورها العظيم في ترسيخ تلك المبادئ وفضحت السياسة الأموية الظالمة وسلطت صواعق التقريع على رؤوس عبدة الدينار والدرهم.
ارتقت شخصية السيدة العظيمة زينب على الأقوال وفاقت عن إدراك العقول بصبرها وشجاعتها وصلابتها فهي حفيدة سيد الخلق وابنة علي سيد البلغاء وابنة سيدة النساء وورثت منها صفات المجد والعظمة وقد قال لها الإمام زين العابدين عليه السلام: (ياعمة، أنت بحمد الله عالمةٌ غيرُ معلّمة، فهمةٌ غير مفهَّمة) (3)
--------------------------------------
1 ــ أدب الطف ج 1 ص 250
2 ـــ موسوعة آل النبي في كربلاء ص 765
3 ــ الاحتجاج - الطبرسي ج ٢ ص ٣١ / زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ــ محمد كاظم القزويني 337
تعليق