بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.[1]
يظهر من هذه الآيات أن خلقة آدم وتسوية جسده قبل نفخ الرّوح فيه، ويستفاد أيضا أنّ هويّة آدم بروحه لا بجسده وبعبارة أخرى قبل تعلّق الرّوح كان جسدا وجسما لا اسم له، وبعد تعلّق الرّوح به سمّاه آدم ولذلك أمر الملائكة بالسّجدة له أي لآدم لا للجسد كما قال: ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ﴾[2]، وهذا بعد تعلّق الرّوح بالجسد فآدم آدم بروحه لا بجسده ألا ترى أنّه تعالى قبل تعلّق الرّوح بالجسد عبّر عنه بالبشر فقال: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ﴾[3]، ولم يقل أنّي خالق آدم من الطّين وممّا ذكرناه قد ظهر لك أنّ تسوية الجسد كانت متقدّمة على تعلّق الرّوح به والأخبار به مصرّحة، ولا خلاف فيه ظاهرا بين المسلمين والآيات من أقوى الشّواهد عليه وهو ظاهر.
وامّا الإشكال الثّاني وهو أنّه ينبغي أن يقال له كن فكان، فلم لم يقل كذلك بل قال: كُنْ فَيَكُونُ.
فالجواب عنه، أنّ قول المستشكل كن، فكان غلط بيّن وحقّ الكلام كُنْ فَيَكُونُ وذلك لأنّ الموجود وجد بقوله: كُنْ وامّا قبله فلم يكن وهو واضح فاذا قال:كُنْ فهو يكون أي يوجد لا أنّه كان اذ لو كان فلم قال كن.
وقد ورد عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ((أَنَّ نَصَارَى نَجْرَانَ لَمَّا وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) وكَانَ سَيِّدُهُمْ اَلْأَهْتَمَ واَلْعَاقِبَ واَلسَّيِّدَ، وحَضَرَتْ صَلاَتُهُمْ فَأَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ بِالنَّاقُوسِ، وصَلَّوْا، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ): يَا رَسُولَ اَللهِ، هَذَا فِي مَسْجِدِكَ؟ فَقَالَ: دَعُوهُمْ. فَلَمَّا فَرَغُوا دَنَوْا مِنْ رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، فَقَالُوا لَهُ: إِلَى مَا تَدْعُونَا؟ فَقَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللهُ، وأَنِّي رَسُولُ اَللهِ، وأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ مَخْلُوقٌ، يَأْكُلُ ويَشْرَبُ ويُحْدِثُ. قَالُوا: فَمَنْ أَبُوهُ؟ فَنَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي آدَمَ؛ أَكَانَ عَبْداً مَخْلُوقاً يَأْكُلُ ويَشْرَبُ ويُحْدِثُ ويَنْكِحُ؟ فَسَأَلَهُمُ اَلنَّبِيُّ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: فَمَنْ أَبُوهُ؟ فَبُهِتُوا وبَقُوا سَاكِتِينَ، فَأَنْزَلَ اَللهُ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾..))[4].
ومن خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام في التّوحيد: ((يَقُولُ لِمَا أَرَادَ كَوْنَهُ كُنْ فَيَكُونُ لاَ بِصَوْتٍ يَقْرَعُ وَلاَ نِدَاءٍ يُسْمَعُ وَإِنَّمَا كَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ - وَمَثَّلَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ كَائِناً وَلَوْ كَانَ قَدِيماً لَكَانَ إِلَهاً ثَانِياً)).[5]
أقول هذا الكلام منه عليه السّلام يدّل على أنّه لا يكون هناك لفظ ولا نداء ولذلك قال عليه السّلام وإنّما كلامه سبحانه فعل والمقصود أنّه ليس هناك كلام مركّب من الحروف أعني الكاف والنّون وإنّما عبّر عن كلام الحقّ الذي هو فعل بهذه الحروف في عالم الألفاظ فقال كن فيكون، صدق ولي الله باب مدينة العلم فأنّ هذه الرّموز والدّقائق بل الأسرار الخفيّة تحت الحروف لا يقدر على كشفها واستخراجها إلاّ من قال: سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فإنّ هذا الذي ذكره في الباب هو الأصل المعتمد عند العرفاء الشّامخين المقتبسين من أنوار ولايته والذي يظهر لنا من هذا الكلام هو إسقاط الحروف بالكلّية وحذفها في مقام الإيجاد فالبحث في التّقديم والتّأخير وأنّه يلزم أن يكون الخلق قبل قوله كن فيكون فيلزم تقدّم الشّيء على نفسه وامثال هذه المسائل حول الآية أنّما هو بحسب ألفاظ الآية لا بحسب الواقع كما عرفت من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
[1] سورة آل عمران، الآية: 59.
[2] سورة البقرة، الآية: 34.
[3] سورة ص، الآية: 71.
[4] تفسير الصافي، ج 1، ص 344.
[5] نهج البلاغة، ص 278.
تعليق