بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.[1]
توضيح حقيقة قد تكون غائبة عن عقول وأفهام بعض المسلمين، لشبهة غرق أصحابها في بحرها المظلم وضاعوا بمفاهيم خاطئة، باعتبار كون هذا الفريق أهل دين سماوي لذا قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ﴾، أي بعض أهل الكتاب (من اليهود المحرّفين) ﴿لَفَرِيقاً﴾، أي جماعة ونصب «فريقا» بأنّه اسم «إنّ» واللام للتأكيد وهم جماعة من أحبار اليهود كتبوا ما ليس في التوراة من صفات النبيّ وغيرها وأضافوه إلى التوراة.
وقيل: نزلت الآية في اليهود والنصارى حرّفوا التوراة والإنجيل ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وألحقوا به ما ليس فيه واستعمل تحريف الكتاب عن الجهة ليّا باللسان والمراد تفسيره وتحريفه بخلاف الحقّ ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ﴾، أي يطوون ألسنتهم عند قراءة الكتابة وطي لسانهم إنما هو بالزيادة والنقيصة فكما أن ليّ الشيء يخرجه عن الاستقامة بالزيادة في جانب والنقيصة في جانب كذلك ليّ اللسان بالكتاب، فإنهم أضافوا على التوراة والإنجيل في مواضع ونقصوا منهما في مواضع ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾، أيها المسلمون ﴿مِنَ اَلْكِتابِ﴾، فيكون شاهدا لأباطيلهم المخترعة ﴿وَما هُوَ مِنَ اَلْكِتابِ﴾، بل من إضافاتهم وتحريفاتهم ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ﴾، ما يتلونه باسم الكتاب ﴿مِنْ عِنْدِ اَللهِ﴾، تعالى ﴿وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللهِ﴾، بل من مخترعاتهم الكاذبة ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اَللهِ اَلْكَذِبَ﴾، في نسبتهم ذلك التحريف إليه سبحانه ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، أنه ليس من الكتاب وأنهم كاذبون.
فالكلام عن طائفة من اهل الكتاب من باب عدم ادراكهم لحقيقة الكلام السماوي؛ وتوهمهم أن الكتاب السماوي كغيره من الكتب من جهة اللفظ والمعنى والفرق في كيفية الأداء، بأن يقرأ بالصوت الحسن، أو بأن يجعل كيفية خاصة من الطي في اللسان كبعض اهل هذا العصر حيث يذكرون أنه ليس بلازم أن يكون الكتاب السماوي صحيحا من الاغلاط، أو فصيحا من باب عدم كونهم من العقلاء حقيقة، فإن كل عاقل يدري أن مع القدرة على الصحيح أو الفصيح التكلم بغيرهما ترجيح للمرجوح على الراجح، بل موهن للمتكلم عند اهل اللسان، بل يضحكون عليه فهؤلاء الأشخاص لا بد أن يقولوا، (إما) بعدم قدرة الله و (إما) بعدم كون النزول السماوي من الله بل مثل الأرضي و(إما) بعدم قبح في العالم ولعلهم قائلون بالجميع.
فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: قَوْلُهُ: (﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ قَالَ: كَانَ اَلْيَهُودُ يقرؤون شَيْئاً لَيْسَ فِي اَلتَّوْرَاةِ وَيَقُولُونَ، هُوَ فِي اَلتَّوْرَاةِ فَكَذَّبَهُمُ اَللهُ).[2]
والحاصل أن ذلك الفريق المذموم يقرؤون غير الكتاب السماوي على نحو قراءة الكتاب السماوي، ويظنون بعدم شعور غيرهم أيضا بالفرق ويقرؤون ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ أي النبي صلّى الله عليه وآله والمؤمنون ﴿مِنَ اَلْكِتابِ﴾، ولا يقتصرون على الكذب الفعلي وهي الإراءة بصورة الكتاب بل يكذبون بالكذب القولي أيضا، ويقولون: أن هذا من الكتاب، وذلك الكذب لا يكون غير عمدي بل مع علمهم يكذبون.
فانظر الى أن الانسان إذا أصر على جهالة، يبلغ من الشعور بأي درجة، فإذا الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات فلا جهة نورية لهم حتى يدركوا بها القبائح، فهذا الفريق بكيفية الأداء يتوهمون أن كلامهم شبيه بالكلام السماوي بحيث يشتبه على العقلاء وكذا من يجمع الخرافات بل المهملات الصرفة، ويدعي أن الذي جاء بها نبي من الأنبياء ولا يستحيون من ذلك المطلب، ثم من باب تصحيح ذلك يقولون بما سبق لذهاب نوريتهم بالمرة.
[1] سورة آل عمران، الآية: 78.
[2] تفسير القمي، ج 1، ص 106.
تعليق