بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.[1]
تفضيل رباني لفئة من خلقه الكثير ناجم عن التزامهم بدينه وتعاليمه وخطه الأصيل المتمثل بولاية رسوله واهل بيته صلواته عليهم اجمعين لذا قال تعالى: -
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾، هذه الجملة الإلهية تعني دعاة الإسلام الآمرين الناهين فقد ورد عَنْ أَبِي عَمْرٍو اَلزُّبَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): فِي قَوْلِ اَللهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ. قَالَ: ((يَعْنِي اَلْأُمَّةَ اَلَّتِي وَجَبَتْ لَهَا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، فَهُمُ اَلْأُمَّةُ اَلَّتِي بَعَثَ اَللهُ فِيهَا وَمِنْهَا وَإِلَيْهَا، وَهُمُ اَلْأُمَّةُ اَلْوُسْطَى، وَهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))[2]، إنهم ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، توحيدا للأمة الداعية الآمرة الناهية على مدار الرسالات كما الرسل واحدة وأممهم امة واحدة في أصل الدعوة مصدرا ومسيرا ومصيرا مهما اختلفت شكليات من فروع لهم شرعية.
فكما ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[3]، على وحدتهم، كذلك ﴿أُمَّةٍ﴾، الدعوة بعد الرسل، وكما أن خاتم الرسل هو خير الرسل، كذلك الدعاة - معه وبعده - الى الله هو ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، في ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، حيث الدعوة درجات بمادتها وشكليتها وحملتها. فقد أراد الله تعالى قمة القيادة لهذه الأمة البارعة، لتقود الناس ككل الى كل مصالح الدين والدنيا على ضوء الاعتصام بحبل الله جميعا وتقوى الله حق تقاته.
فلا مجاملة هنا ولا محاباة او مصادفة، إنما هو امر قاصد هادف أن تكون الإمامة العليا لهذه الأمة، فكما أن رسولها صلى الله عليه وآله هو رسول الرسل ووليهم، كذلك أئمتها عليهم السلام وسائر الأمة وقد ورد بهذا الصدد عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِيهِ وَفِي اَلْأَوْصِيَاءِ خَاصَّةً فَقَالَ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، هَكَذَا وَاَللهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ، وَمَا عَنَى بِهَا إِلاَّ مُحَمَّداً وَأَوْصِيَاءَهُ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمْ)).[4]
ليس توزيع الاختصاصات والكرامات هنا كما كان ولا يزال يزعمه اهل الكتاب لقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾[5]، فإنما هو العمل الإيجابي الجاد لحفظ الحياة الايمانية الجماهيرية على رعاية الله، بكل ما يتطلبه هذه التكاليف من متاعب، قضية الأمر والنهي الصارم اللذين يتبناهما الإيمان الصارم مهما كلف الأمر الإمر في هذه السبيل الشائكة الملتوية المليئة بالأشواك والعقبات، فإن زادهم في هذه السبيل هو الإيمان بالله، اعتصاما بحبل الله جميعا دون تفرق، بتقوى الله حق تقاته، لكي يمضوا في طريقهم الشاقة الطويلة قدما، احتمالا لكل تكاليفها وهم يواجهون الطغاة البغاة بكل عرامتها وشقوتها وشدتها. ذلك! ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾، ككل ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم﴾، إذ يصبحون - إذا - من خير امة أخرجت للناس، ولكن ﴿مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، فالإيمان خير لهم في أولاهم وأخراهم، فهنا يستعصمون به من الفرقة والهلهلة المحلقة على كل حياتهم وحيوياتهم، ويكسبون السؤدد - الذي يخافون على زواله - وزيادة، وهناك في الأخرى رحمة الله ورضوانه. وهنا «المؤمنون والفاسقون» معرّفين تأشيرا الى المعلوم من أحوالهم لدى المتفرسين من المؤمنين، وليس يختص «المؤمنون» هنا بمن آمن منهم بالفعل إذ لا يشملهم ﴿أَهْلُ الْكِتَابِ﴾، بل هم من لا يفسق عن الايمان مقصرا، وأما القصور عن الايمان بالرسالة الأخيرة مع الحفاظ على أصل الإيمان، فهو يدخل القاصرين في المؤمنين.
ويا ترى بإمكان الفاسقين منهم أن يضروا خير أمة أخرجت للناس، المتوفرة فيها المواصفات السابغة السابقة؟ كلا والف لا!
[1] سورة آل عمران، الآية: 110.
[2] بحار الأنوار، ج 24، ص 153.
[3] سورة البقرة، الآية: 253.
[4] تفسير العياشي، ج 1، ص 195.
[5] سورة المائدة، الآية: 18.
تعليق