بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾.[1]
يصف الله عز وجل حالة من بحث لنفسه التخلف عن ركب المؤمنين ومعاداتهم والاعتصام بغير الله تعالى فقال: -
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾، فهي محيطة بهم، ومطبقة عليهم إحاطة البيت المضروب على أهله، وهم أذلاء أمامكم الآن، وقد كانوا أذلاء أيضا في قرون متطاولة كما يذكر التاريخ في كتب العهد القديم وغيره كعهد يوسيفوس، وطيطوس، وملوك آشور ومصر وبابل وغيرهم، فإنهم في ذل دائم لقتلهم الأنبياء، ولوقوفهم في درجة رسل السماء، بل هم أذلاء ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾، يعني أين وجدوا ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾، أي أنهم لا منعة لهم إلا أن يتمسكوا بذمة الله ويعتصموا بها، وأن يلتجئوا اليه أو الى المسلمين ليحموهم، وإلا فلا مفر لهم من الذلّة.
والاستثناء هنا من أعم الأحوال، أي: ضربت عليهم الذلة في جميع الأحوال إلا حال كونهم معتصمين بذمة الله أو جيرة المسلمين.
﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ﴾، أي رجعوا والله تعالى غاضب عليهم.
وقيل معناه: استوجبوا غضب الله عليهم، والغضب منه تعالى هو عذابه ولعنه. هذا ما يقال في معنى باءوا، تبعا وتقليدا للقوم مع إضافة مضمون حمل الظرف على الحالية.
والتحقيق في المقام أن يقال: إن باء إذا تعدى بإلى كان معناه: رجع، كما يقال: بؤت إليه أي رجعت إليه، وإذا تعدّى بالباء كما فيما نحن فيه، كان معناه: أقرّ، إذ يقال: باء بالحق أي أقرّ واعترف به. فالمقام من هذا القبيل لأنه تعدى بالباء.
فالمناسب أن يقال: أقروا باستحقاقهم غضب الله لسوء أعمالهم، سواء كان اعترافهم بالاستحقاق بلسان حالهم أو بمقالهم، حيث إن بعضهم لا يبعد أن يقر بذلك لشدة الذل والهوان وطول مدة المسكنة والذلة، إذ ربما ينصف الإنسان ويقر بما هو الواقع ولو على نفسه لوقوعه في ضيق الخناق.
والحاصل أن الرجوع لا معنى له في المقام لأنه متفرع على دخول عملي أو قولي في الإسلام أو ما في حكم ذلك ثم الرجوع عنه.
واليهود كانوا ثابتين على ما هم عليه وما رجعوا عن مذهبهم وطريقتهم إلاّ بعض من عرفنا ممن اعتنقوا الإسلام ولم يرجعوا الى اليهودية حتى يصدق عليهم هذا المعنى.
نعم يمكن أن يقال بأن اليهود في أول بعثة نبينا صلى الله عليه وآله قد أرسلوا أحبارهم، وأرسل النصارى رهبانهم أيضا للاستفسار والاستخبار، ثم لما رأوا علامات نبوته وصدق دعوته في كتبهم قبلوا الدعوة وآمن كثير منهم به وبما جاء به.
ولكنهم حين رأوا خطر رجوع أممهم اليه ومتابعته؛ خافوا على رئاساتهم فتولوا عنه وأنكروه وحرفوا ما في كتبهم من علاماته والبشارة به، ورجعوا عن الايمان به وأرجعوا الناس عن ذلك فباءوا بغضب من الله أي كان رجوعهم مصاحبا بغضب الله تعالى، لأن الباء تعني المصاحبة، والله أعلم.
﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾، أي الفقر والضعف وقد تدور حول معنى الخضوع وأمثال هذه المعاني التي لا زمن اليهودية لانكسار شوكتهم وتفرّق قوميتهم وانحلال جامعتهم.
ولا يعتبر غناهم المالي كأفراد عكس المسكنة، فإن مسكنتهم لا تعني ناحية المال بمقدار ما تعني غيره لأن اليهود محتقرون مطرودون من سائر الناس تنفر منهم طباع سائر الناس، وهذا كاف في خزيهم وذلهم ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ﴾، أي بسبب كفرهم بها ﴿وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، كما هي سيرتهم الغادرة الكافرة ﴿ذَلِكَ﴾، أي الكفر وقتل الأنبياء ﴿بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾، أي بسبب عصيانهم واعتدائهم وتجاوزهم على الدعوة الإلهية وعن حدود الشرع وما سنّه الله تعالى لعباده. ولو كانوا من أهل طاعة الله ومن أهل الايمان والتصديق بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله، فما كانوا ليكفروا بآيات الله ولا كانوا يقتلون أنبياءه بغير حق.
[1] سورة آل عمران، الآية: 112.
تعليق