إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الزهراء أروع علاقة بين فتاة وأبيها

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الزهراء أروع علاقة بين فتاة وأبيها



    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد وآل محمد



    جاء في صحيح البخاري عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ أنَّ رَسولَ الله قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَنْ أغْضَبَها أغْضَبَنِي» .

    تحكي لنا سيرة فاطمة الزهراء أروع وأنبل علاقة بين أبٍ وابنته، وبين فتاة وأبيها.

    وحين نستحضر مشاهد من هذه السيرة، فليس ذلك بهدف المدح والتمجيد فقط، إنّما لأجل أخذ الدروس والعبر، والتأسّي والاقتداء.

    الفتيات معاناة معاصرة
    إنّ المجتمعات البشرية، وهي في عصر الحداثة والتقدم، وانتشار عناوين حقوق الإنسان، والمساواة، وتمكين المرأة، لا زالت تعاني في مساحة واسعة من رقعتها، من أجواء إهمال وجفاف عاطفي تعيشه نسبة كبيرة من الفتيات في العالم، ضمن حياتهنّ العائلية والاجتماعية.

    فحسب دراسة حديثة في الولايات المتحدة الأمريكية (أنّ 57% من الفتيات المراهقات يشعرن بالحزن أو اليأس، بشكل مستمر.



    جاء الإسلام في مجتمع جاهلي متخلف، تسوده حالة الجفاف العاطفي، ولعلّ نسبة منه بسبب البيئة الصحراوية التي كان يعيش فيها، وكانت المرأة الأكثر معاناة من هذا الجفاف.

    كما أنّ الحالة القبلية في ذلك المجتمع، وما تفرز من حروب ونزاعات على المغانم والإمكانات الاقتصادية، كانت تعزّز مكانة الرجل، لدوره في القتال والدفاع عن القبيلة، بينما كان ينظر للمرأة كعبء ونقطة ضعف في حالة الحرب والقتال، وذلك ما أحاطها بنظرة دونية، بحيث كانت ولادة البنت سبب تشاؤم وانزعاج في وسط العائلة. كما تحدّث القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ‎﴿٥٨﴾‏ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾. [سورة النحل، الآيتان: 58-59].

    في هذا المجتمع، وهذه البيئة، أعلى الإسلام مكانة المرأة، وكافح النظرة الدونية الجاهلية تجاهها. ودعا إلى الاهتمام بالبنات، وإحاطة الفتيات بالرعاية والمحبة والاحترام.

    ورد عن الإمام موسى الكاظم عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ رَسُولَ اَللَّهِ قَالَ: «مِنْ يُمْنِ اَلمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ بِكْرُهَا جَارِيَةً» .

    وَبُشِّرَ النَّبِيُّ بِابْنَةٍ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، فَرَأَى الْكَرَاهَةَ فِيهِمْ، فَقَالَ : «مَا لَكُمْ؟ رَيْحَانَةٌ أَشَمُّهَا، وَرِزْقُهَا عَلَى اللَّهِ».

    وعنه : «مَنْ دَخَلَ اَلسُّوقَ فَاشْتَرَى تُحْفَةً فَحَمَلَهَا إِلَى عِيَالِهِ، كَانَ كَحَامِلِ صَدَقَةٍ إِلَى قَوْمٍ مَحَاوِيجَ، وَلْيَبْدَأْ بِالْإِنَاثِ قَبْلَ اَلذُّكُورِ» .

    وعَنِ الْحَسَنِ البصري، قَالَ: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، إِذْ جَاءَ صَبِيٌّ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، قَالَ: فَلَبِثَ قَلِيلًا فَجَاءَتِ ابْنَةٌ لَهُ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، فَمَسَحَ رَأْسَهَا وَأَقْعَدَهَا فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ رَسُولُ الله : «فَهَلَّا عَلَى فَخِذِكَ الْأُخْرَى؟» فَحَمَلَهَا عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ : «الْآنَ عَدَلْتَ»).

    لاحظوا: إنّ رسول الله يعتبر التمييز في إغداق مشاعر الحب والحنان بين الولد والبنت الصغيرين، باحتضان الأب لولده على فخذه، وإجلاس ابنته على الأرض، نوعًا من الظلم، فينهى عنه، وحين استجاب الأب لتوجيه رسول الله ، قال له : «الْآنَ عَدَلْتَ».

    مع ابنته فاطمة الزهراء
    وفي تعامل رسول الله مع ابنته فاطمة الزهراء وحديثه عنها أمام الآخرين، أفضل وأهمّ الرسائل التربوية للأمة على هذا الصعيد.

    فإنّ أحاديثه عن فضل ومكانة فاطمة الزهراء هو بهدف تقديمها نموذجًا للفتاة والمرأة التي ترتقي أعلى مدارج الكمال والكفاءة والفضل. حيث لا تقعد بها الأنوثة عن ذلك.

    جاء في صحيح البخاري وسائر المصادر الحديثية عن رسول الله أنه قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَنْ أغْضَبَها أغْضَبَنِي» .

    وجاء عنه بإسناد صحيح، وصيغ مختلفة، أنه قال: «يا فاطمةُ! أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ اَلْمُؤْمِنِينَ، أوَ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ» .

    كما أنّ إبداء رسول الله الاحترام الكبير، والاهتمام الشديد، بشخصية ابنته فاطمة ، بالإضافة إلى ما يعني من تبيين مكانتها وفضلها، فإنه توجيه للوالدين باحترام بناتهم ورعايتهنّ، والإشادة بنقاط قوتهنّ.

    وورد عن عائشة أنّها قالت: (ما رأيتُ أحدًا كانَ أشبَه سمتًا وَهديًا ودلًّا برسولِ اللَّهِ من فاطمةَ، كانت إذا دخلت عليهِ قامَ إليها فأخذَ بيدِها وقبَّلَها وأجلسَها في مجلسِه).

    وعن ثوبان، مولى رسول الله قال: (كان رسول الله إذا سافر آخر عهده بإنسان فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدّم فاطمة).

    إغداق الحب والحنان على الفتاة
    إنّ إبداء الرعاية والمحبة والاحترام للفتاة بنتًا أو زوجة، له وظيفة تربوية نفسية عظيمة، فقد شاء الله تعالى أن تكون مشاعر المرأة وأحاسيسها أرهف وأرقّ من الرجل؛ لأنّ دور الأمومة الموكول إليها، يحتاج إلى مخزون عاطفي عميق، فإذا عاشت الفتاة جفافًا عاطفيًّا من قبل والديها أو زوجها، كانت له آثار سلبية على نفسها وشخصيتها، فقد يُحدث لها كبتًا وجروحًا غائرة في مشاعرها، وقد يدفعها للبحث عن الإشباع العاطفي خارج إطار العائلة.

    وفي عصرنا الحاضر، ومع اتساع حالة التداخل بين الجنسين في الحياة العامة، وانفتاح آفاق التواصل الاجتماعي، عبر الشبكات والوسائل الإلكترونية، تشتدّ أهمية الإشباع العاطفي للفتيات ضمن المحيط العائلي، لوقايتهنّ من المخاطر المختلفة.

    مع أبيها رسول الله
    من جانب آخر، فإنّ علينا التأمل فيما تنقله سيرة الزهراء من مشاهد ذوبانها في حب أبيها، واهتمامها ببره وخدمته.

    فمنذ نعومة أظفارها، وصغر سنّها، كانت تدافع عن أبيها، وتردّ عنه أذى المشركين، روى عبدالله بن مسعود أنه (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ) .

    وفي واقعة أحد، حينما حصلت النكسة بالمسلمين، وأصيب رسول الله بجروح، بادرت فاطمة للخروج إلى أرض المعركة، واهتمت بعلاج جراحات أبيها، فعن سَهلَ بنَ سعدٍ قال: (رَأَيتُ فاطمةَ بنتَ رسولِ اللهِ يومَ أُحُدٍ، أحرَقَتْ قِطعةً مِن حَصيرٍ، ثُمَّ أخَذَتْ تَجعَلُه على جُرحِ رسولِ اللهِ الذي بوَجهِه، قال: وأُتيَ بتُرْسٍ فيه ماءٌ فغَسَلَتْ عنه الدَّمَ).

    وإلى الساعة الأخيرة من حياة أبيها ، كانت بقربه، تعيش حزن قرب فراقه، وتتطلّع إلى سرعة اللحاق به، فقد روي (أنَّ رَسُولَ اللهِ دَعَا فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فَسَارَّهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ فَقالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ لِفَاطِمَةَ: ما هذا الذي سَارَّكِ به رَسُولُ اللهِ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ سَارَّكِ فَضَحِكْتِ؟ قالَتْ: «سَارَّنِي فأخْبَرَنِي بمَوْتِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي، فأخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَن يَتْبَعُهُ مِن أَهْلِهِ فَضَحِكْتُ») .

    وعلى هذا المشهد يعلّق أحد الأعلام قائلًا: (تصوّروا شابة في مقتبل العمر وريعان الشباب زوجة وأُمًّا، والحياة تقبل عليها وتفتح لها أبوابها على أجنحة الأمل، عندما يحدّثها أبوها أنّها أوّل بيته لحوقًا به تبتسم وتكفكف دموعها!!

    هل تجدون فتاةً ومهما كان حبّها لأبيها تفرح إذا أخبرها بأنّها ستموت بعده؟ وأنّها أوّل أهل بيته لحوقًا به؟

    الزهراء فرحت بذلك بقدر بكائها عليه، لماذا؟ لأنّها تشعر أنّ الفراق لن يدوم طويلًا، فعمّا قليل ستلاقي أباها في جنّة عدن عند مليك مقتدر، وتعيش معه في الجنان كما عاشت معه في الدّنيا.

    أيّة علاقة أعمق من هذه العلاقة، وأيّ اندماج أقوى من هذا الاندماج؟!).

    وعلينا أن نستوحي من هذه النصوص والمشاهد ما يدفعنا للاهتمام ببر الوالدين، فهو أهم واجب على الإنسان في هذه الحياة بعد عبادة الله تعالى وتوحيده.

    يقول تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ‎﴿٢٣﴾‏ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. [سورة الإسراء، الآيتان: 23-24].

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X