بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.[1]
ما هي هذه الجنة التي هيئها الله لعباده المؤمنين، وهل يعقل أنه يمنيننا بها ولا يصفها لنا حاشا لذا قال: -
﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، فتراه عرضا تجاه الطول؟ وليس «السماوات والأرض» هما - فقط - عرضا حتى يقابل عرضهما طولهما! أم هو عرض السعة السطحية؟ فكذلك الأمر فإنهما كرتان معمقتان دون سطح فقط كما ليستا عرضا فقط! أم هو سعة السماوات والأرض بمثلث العرض والطول والعمق الدائرية؟ وهذا هو المعنى الصالح هنا للعرض، حيث العرض في المسطحات هو أقل الامتدادين وأكثرهما، وفي المجسمات هو أقصر الامتدادات الثلاث وأطولها، وفي الأسطوانات والمخروطيات عن امتداد قواعدها وسهامها، فعرض السماوات والأرض هو الأبعاد الكروية الأسطوانية.
ثم ترى أن السماوات والأرض هما بنفسهما مكان الجنة فأين - إذا - النار؟ فهل هما متداخلتان دون زحام بينهما مكانا ولا مكانة، فهما لأهل الجنة جنة ولأهل النار نار، كما الغارقون في النار ﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾،[2] بلا زحام بين الماء والنار الكامنة فيه بتدبيره تعالى؟ وهكذا تؤول الروايات القائلة «إذا جاء النهار فأين الليل» ولكنها بعد غير مرضية.
﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، لا تناسب انهما مكانها، فصحيح التعبير عن ذلك العرض: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، ثم وآية الحديد توضحها أكثر لمكان من خلال قوله تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾،[3] ولا بد من مفارقة بين المشبه والمشبه به، مهما تشابها في جهة او جهات، وإذا كانت الجنة في نفس السماوات والأرض، فهي نفسها مكانا دون أن يشبههما. ثم: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾،[4] وأضرابها دليل اختلاف مكانهما دون أي تداخل مهما أمكن في قدرة الله، ولكنه تداخل - على صحته - دون مرجح، بل هو مزعج لأهل الجنة باشتراكهم مع اهل النار في المكان، ثم ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾،[5] - وكثيرا أضرابها - تدل على الخروج عن النار لمن اتقى ولا خروج في المتداخلين، بل هو عروج عن حالة سيئة الى حالة حسنة.
وبعد كل ذلك فمكان الجنة معروف في آية النجم: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾،[6] فكما السدرة المنتهى هي منتهى الكون المحلّق على السماء السابعة، كذلك جنة المأوى التي عندها، فليس جواب ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾؟ إلاّ أنها تحت جنة المأوى، سواء أكان السماوات والأرض بتمامهما، أم بعضا منهما، ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾، مما يدل على أنها لا تحلق على كل السماوات والأرض، وإلا لم تصح ﴿وَجِيءَ﴾، ثم الجنة فوق النار لآية النجم و ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾،[7] أي تعلو النار، مهما كانتا قريبتين إلى بعض البعض لمكان الترائي والمناداة، أم غريبين والترائي بينهما بسبب رباني كما نجده هنا بضعاف الأسباب الخلقية. فقد تعني الآيتان ان مثلث السعة للجنة هو سعة السماوات والأرض ويا لها من سعة لا تتصور، ونحن بعد عاجزون عن تقدير سعة أرضنا تماما.
﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، فهذا المقطع من الآية الشريفة يؤيد الطرح أعلاه لتفسيرها فيقول: هيّئت لهم وظاهر الآية أنّ الجنّة مخلوقة، لأنّها لا تكون معدّة إلاّ وهي مخلوقة موجودة، ويدلّ عليه بعض الأخبار، وإلى هذا يذهب أصحابنا وصرّح الشيخ المفيد في بعض رسائله بأنّ الجنّة مخلوقة ومسكونة سكنتها الملائكة ويستفاد منها أنّ الغرض الأصليّ من بناء الجنّة دخول المتّقين أي المطيعين لله ورسوله بترك المعاصي وفعل الطّاعات، وإن دخلها غيرهم من الأطفال والمجانين، فعلى وجه التبع، وكذا الفسّاق لو عفى عنهم.
[1] سورة آل عمران، الآية: 133.
[2] سورة نوح، الآية: 25.
[3] سورة الحديد، الآية: 21.
[4] سورة الفجر، الآية: 23.
[5] سورة، الآيتان: 71-72.
[6] سورة النجم، الآيات: 13-15.
[7] سورة الغاشية، الآية: 10.
تعليق