بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.[1]
يخبرنا الله عز وجل أنه في مقام التهديد للمكذّبين والمنكرين، والموعظة لهم بأجمل بيان وأنور برهان بأنّ المتمرّدين والمكابرين للأنبياء وهداة الخلق قد خلوا من قبلكم؛ وليس هذا النبيّ ببدع من الرسل ولا أنتم ببدع من الأمم الماضية، فالواجب عليكم معرفة تأريخ الأمم والاطلاع الواسع على أحوال الشعوب، وما جرى عليهم وما حلّ بساحتهم. وقد مكنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم، وحصل لهم من الاقتدار والعظمة والكبرياء ما لم يحصل لكم. أو لم تروا ما فعلنا بهم وكيف استؤصلوا واستذلّوا وابتلوا بالهوان، فتأملوا في علل استئصالهم وأسباب انحطاطهم، كيف صاروا عبيدا بعد أن كانوا حكّاما وملوكا، فاحذروا ما ارتكبوا كي لا تكونوا مثلهم، فإنّ سنّة الله تعالى في الأولين والآخرين سواء.
قال تعالى: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا* أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾.[2]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾.[3]
وأمّا ما شاع بين فراعنة كلّ عصر من البحث والتفتيش عن آثار الجبابرة الماضين، والإصرار على تجديد مجدهم وبلوغ عظمتهم مع أنّه يؤثر فيهم شيئا، ولا يعتبرون ولا يتّعظون فليس ممّا حثّ الله به فإنّ العلماء بسنن الله تعالى يبحثون عن آثار الأمم الماضية من جهة أنّه كيف صارت نعمة الله نقمة عليهم، وكيف سلب الله مجدهم وعزّهم، وكيف تبدّلت فضائلهم بالرذائل والفضائح حتّى جعلهم الله عبرة للمعتبرين وموعظة للمتّقين.
وقد أشار الإمام على أمير المؤمنين عليه السّلام إلى هذه الحقيقة في كلمات وخطب عديدة منها قوله: ((فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ اَلْأُمَمَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اَللهِ وَصَوْلاَتِهِ وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلاَتِهِ وَاِتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَمَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ وَاِسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ لَوَاقِحِ اَلْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ اَلدَّهْرِ فَلَوْ رَخَّصَ اَللهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التكبر وَرَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَعَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَاِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَاِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَمَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَى وَاَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَاَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَاَلاِخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ اَلْغِنَى وَاَلاِقْتِدَارِ)).[4]
وعليه فالسير والمرور في الأرض وفي ديار الأمم السابقة والنظر إلى مساكنهم وآثارهم وإن كان من أبواب العلم ومعرفة سطوته وبأسه والتفتيش والبحث عن تبعات أعمال الظالمين وما ترتّب من المساوئ والمكاره والنقمات على جناياتهم وخياناتهم، والنظر إلى المواجهة بين العلم والجهل والصراع بين الحقّ والباطل.
ولا ينفع في هذا الباب الرجوع إلى التواريخ القائمة على الخرص والظنّ، ولا المرور على القبور والأطلال بل لا بدّ أن يكون البحث عن هذه السنن لأجل حصول العلم والاعتبار والاستبصار، وليكن أسلوب البحث فيها أسلوبا علميّا على نمط الاستدلال أو التذكّر كي تحصل بالنظر فيها المعرفة بذيها والخوف والانكسار في مقابله.
والقرآن الكريم قد تكفّل بهذه الدعوة ودحض ببراهينه وحججه أوهام المنكرين وشبهات الجاحدين، وعرّف الآيات بلحاظ كونها فعلا وآية لله تبارك وتعالى، وأظهر سطوته وبأسه ونقمته على الطاغين والمنكرين الجاحدين.
إنّ مطالعة الآيات المشهودة تذكّر وتذكرة إلى ظهوره تعالى الذاتيّ بآياته وخلقه، المُتأبّي المقدّس عن الخفاء.
[1] سورة آل عمران، الآية: 137.
[2] سورة فاطر، الآيتان: 43-44.
[3] سورة الرعد، الآية: 11.
[4] نهج البلاغة، ص 291.
تعليق