في كثيرٍ من الأحيان نرجو من الله أن يعطينا من فضله وأن يهدينا وأن يوفقنا في حياتنا، وربما يُقال أحياناً أنّه لماذا لم يهدني الله؟ لماذا في كل مرة أذنب وأذنب لماذا لا يوفقني الله لأبتعد عن الحرام؟ لماذا لا يوفقني الله سبحانه وتعالى في دراستي لماذا أنا محروم من الهداية والتوفيق وغيري مهديٌّ وموفّق في كل جوانب حياته؟ لماذا دائماً أنا المبتلى بالذنوب والمعاصي ولا يمكنني أن ألتزم بطريق الحق والهداية؟ وربما يستدل ببعض الآيات القرآنية التي قَدْ يُفهم منها كون الهداية والتوفيق اجباريين كقوله تعالى ((مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ))– سورة البقرة وكذلك في سورة النحل ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...)) – سورة النحل، فلماذا نرى اختصاص الهداية لفئة معينة والضلال لفئة معينة؟ ((قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)) – سورة الرعد، لماذا نرى القرآن يوصف في بداية سورة البقرة بأنه ((هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ))؟ لماذا لا يكون القرآن الكريم هدىً لكلّ الناس؟
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة نمهّد بمثال، قطرات المطر النقية التي تعطي لكل شيء الحياة ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)) – سورة الأنبياء وكذلك ضوء الشمس الذي يعطي للأرض الحياة، إذا أخذنا كلا هذين العاملين ووزعناهما بشكل متساوٍ على أرضين، أرض فيها تربة خصبة وأخرى أرض مالحة سبخة فمالذي سينتج؟ قطعاً أن الأرض الخصبة عندما يتوفر لها الماء والضوء تنتعش بالورود والأزهار والشجر والثمار وأمّا الأرض المالحة فهي لا تنتج وروداً وأزهاراً! وإذا كان كذلك فهل أن انتعاش الأرض الخصبة وموت الأرض المالحة سببه تقصير قطرات المطر وضوء الشمس؟ أم أن الخلل في الأرض ذاتها أنّها غير مهيّأة لاستقبال قطرات المطر وضوء الشمس؟ طبعاً الخلل في ملوحة الأرض نفسها ولا يصح أن نضع اللوم على الماء والضوء فهما متساويان في الأرضين وكما أنارت الشمس لتلك الأرض الخصبة فهي أنارت للأرض المالحة ولكن الأرض المالحة غير صالحة للزراعة.
وكذلك الهداية والضلال فالله سبحانه وتعالى هيّأ فرص الهداية للجميع وهيء فرص التوفيق للجميع ولكن عندما يكون الإنسان أرضاً مالحة فلا ينتفع بغيث ومطر الهداية وعندما يوصف القرآن في سورة البقرة ((ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) عندئذٍ نقول أن القرآن والذي هو الهدى موجود عند جميع الناس ولكنه هدىً فقط للمتقين الذين جهّزوا تربتهم لاستقبال نور الهداية وأمّا الكافر والفاسق فالقرآن متوفر بين يديه كذلك ولكنه لم يهيّء ظروف الهداية في نفسه فلم ينتفع ثم يسأل "لماذا لا يهديني الله؟" وهذا مثله مثل الذي يخرج في النهار ويغطي عينه بيديه ويقول أين هي الشمس؟ لماذا لا تضيء لي الشمس؟ والشمس تضيء للجميع ولكنه يحجب عن عينه الضوء، ومثله كمثل الذي عندما تمطر السماء يخرج ويضع فوقه مظلة تجعل الماء لا يصل إليه ويقول "لماذا لا يصيبني المطر؟ لماذا لا اتبلّل؟" والواقع أنه هو من يحجب عن نفسه نور الشمس بتغطيته عينيه وهو من يحجب الماء عن نفسه ببقائه تحت المظلة، فالإنسان عنما يضع كل هذه الحجب ويقول للهداية ادخلي قلبي وكلما حاولت الدخول منعها من الدخول بالحجب القلبية التي يضعها على قلبه وكلما حاول الضلال الخروج من قلبه أرجعه ولم يسمح له بالخروج ويقول لماذا لا يعافيني الله من الضلال والذنوب والمعاصي؟ وهنا يتضح المقصود من قوله ((وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)) – سورة البقرة فليس الله هو الذي أجبر الفاسقين أن يضلوا وإنما هم حجبوا الهداية عن أنفسهم وفي قوله ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...)) – سورة النحل أنالله قادرٌ على أن يجعل كل الناس مسلمين رغماً عنهم ولكنه شاءت قدرته أن يكون هو من يهيأ ظروف الهداية وظروف التوفيق وبعد ذلك استقبال هذه المقوّمات عائد إلى الإنسان، لأنه إن كنّا نريد من الله هو الذي يهدينا ولا نصنع شيئاً فلا حاجة للجنة والنار، إن كان الله هو الذي سيجعل ذلك الشخص مؤمناً مباشرة فعلى أي أساس يدخل هذا الشخص الجنة؟ بما أن الله سبحانه هو الذي هداه فبمَ استحق الرحمة والمغفرة؟! هذا خلاف العقل!
إذن عرفنا أن الهداية والضلالة مرتبطة لا بالسماء فقط ولكن مرتبطة بنا أن نجهز قلوبنا لاستقبال الهداية ((وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)) – سورة الرعد ، هناك عوامل هي التي تجعل الإنسان مهيءً للهداية ومهيء للتوفيق، الشخص الذي يريد أن يرجع ويتوب إلى الله قطعاً يهديه ويوفقه، والشخص الذي يبحث عن الحق ولا يكذب بآيات الله قطعاً يهيء له الله سبحانه وتعالى مقومات الهداية، وأمّا روح الاتكالية والجبر بأن الإنسان يريد من الله أن يهديه مباشرة وهو لم يجهز نفسه لاستقبال الحق فهذا المعنى لا يتماشى مع روح الإسلام ولا يتماشى مع الآيات القرآنية! فكما ينبغي أن يطلب الإنسان من الله الهداية والتوفيق والتقوى والرزق فكذلك عليه أيضاً أن يقوم بدوره وأن يزيل الحجب التي تمنع ذلك!
وعلى ذلك فتكليفنا كمؤمنين إن أردنا أن ننتفع بنور الهداية الإلهية يجب علينا أن نزيل هذه الحجب عن قلوبنا والحجب كثيرة ووردت في القرآن الكريم والروايات الشريفة فكمثال الآية ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)) – سورة البقرة
يذكر آية الله الشيخ ناصر مكارم في كتابه أمثال القرآن حجابين عظيمين على قلب الإنسان ذكرا في هذه الآية ويقول: إن سبب غفلة الإنسان عن نعم الله العظيمة وعدم تفكره في دقة الخلق وضرافته هو شيئان:
الأول: كثرة النعم؛ فإن وفرة النعم تجعل الإنسان يستهين ولا يعتد ولا يفكر بها. وكمثال على ذلك: ان البعوضة لو كانت نادرة في العالم ووقعت بأيدي العلماء، لاعتبرها هؤلاء العلماء موجوداً ذات أهمية وأهلاً للدراسات والتحقيق العلمي.
الثاني: حجاب التعود؛ فإن العين مثلاً من آيات الخلق العظمى؛ إلا أننا لم نفكر بها ولا نتمعّن في خلقها. الأذن كذلك، فهو مستلهم قوي ودقيق وعجيب إلا أننا بسبب تعوّدنا عليه لا نعرف قدره ولا نثمنه مع أننا لودققنا ليس في هذين الأمرين فقط بل في كل أشياء العالم لوجدناها عجيبة ومدهشة وتكشف عن أسرار الخلق والعظمة والتوحيد.
اللهم صل على محمد وآل محمد محمد، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بنوره ورحمته وهدايته وأن لا يجعلنا من الغافلين عن آياته ونعمه وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة نمهّد بمثال، قطرات المطر النقية التي تعطي لكل شيء الحياة ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)) – سورة الأنبياء وكذلك ضوء الشمس الذي يعطي للأرض الحياة، إذا أخذنا كلا هذين العاملين ووزعناهما بشكل متساوٍ على أرضين، أرض فيها تربة خصبة وأخرى أرض مالحة سبخة فمالذي سينتج؟ قطعاً أن الأرض الخصبة عندما يتوفر لها الماء والضوء تنتعش بالورود والأزهار والشجر والثمار وأمّا الأرض المالحة فهي لا تنتج وروداً وأزهاراً! وإذا كان كذلك فهل أن انتعاش الأرض الخصبة وموت الأرض المالحة سببه تقصير قطرات المطر وضوء الشمس؟ أم أن الخلل في الأرض ذاتها أنّها غير مهيّأة لاستقبال قطرات المطر وضوء الشمس؟ طبعاً الخلل في ملوحة الأرض نفسها ولا يصح أن نضع اللوم على الماء والضوء فهما متساويان في الأرضين وكما أنارت الشمس لتلك الأرض الخصبة فهي أنارت للأرض المالحة ولكن الأرض المالحة غير صالحة للزراعة.
وكذلك الهداية والضلال فالله سبحانه وتعالى هيّأ فرص الهداية للجميع وهيء فرص التوفيق للجميع ولكن عندما يكون الإنسان أرضاً مالحة فلا ينتفع بغيث ومطر الهداية وعندما يوصف القرآن في سورة البقرة ((ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) عندئذٍ نقول أن القرآن والذي هو الهدى موجود عند جميع الناس ولكنه هدىً فقط للمتقين الذين جهّزوا تربتهم لاستقبال نور الهداية وأمّا الكافر والفاسق فالقرآن متوفر بين يديه كذلك ولكنه لم يهيّء ظروف الهداية في نفسه فلم ينتفع ثم يسأل "لماذا لا يهديني الله؟" وهذا مثله مثل الذي يخرج في النهار ويغطي عينه بيديه ويقول أين هي الشمس؟ لماذا لا تضيء لي الشمس؟ والشمس تضيء للجميع ولكنه يحجب عن عينه الضوء، ومثله كمثل الذي عندما تمطر السماء يخرج ويضع فوقه مظلة تجعل الماء لا يصل إليه ويقول "لماذا لا يصيبني المطر؟ لماذا لا اتبلّل؟" والواقع أنه هو من يحجب عن نفسه نور الشمس بتغطيته عينيه وهو من يحجب الماء عن نفسه ببقائه تحت المظلة، فالإنسان عنما يضع كل هذه الحجب ويقول للهداية ادخلي قلبي وكلما حاولت الدخول منعها من الدخول بالحجب القلبية التي يضعها على قلبه وكلما حاول الضلال الخروج من قلبه أرجعه ولم يسمح له بالخروج ويقول لماذا لا يعافيني الله من الضلال والذنوب والمعاصي؟ وهنا يتضح المقصود من قوله ((وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)) – سورة البقرة فليس الله هو الذي أجبر الفاسقين أن يضلوا وإنما هم حجبوا الهداية عن أنفسهم وفي قوله ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...)) – سورة النحل أنالله قادرٌ على أن يجعل كل الناس مسلمين رغماً عنهم ولكنه شاءت قدرته أن يكون هو من يهيأ ظروف الهداية وظروف التوفيق وبعد ذلك استقبال هذه المقوّمات عائد إلى الإنسان، لأنه إن كنّا نريد من الله هو الذي يهدينا ولا نصنع شيئاً فلا حاجة للجنة والنار، إن كان الله هو الذي سيجعل ذلك الشخص مؤمناً مباشرة فعلى أي أساس يدخل هذا الشخص الجنة؟ بما أن الله سبحانه هو الذي هداه فبمَ استحق الرحمة والمغفرة؟! هذا خلاف العقل!
إذن عرفنا أن الهداية والضلالة مرتبطة لا بالسماء فقط ولكن مرتبطة بنا أن نجهز قلوبنا لاستقبال الهداية ((وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)) – سورة الرعد ، هناك عوامل هي التي تجعل الإنسان مهيءً للهداية ومهيء للتوفيق، الشخص الذي يريد أن يرجع ويتوب إلى الله قطعاً يهديه ويوفقه، والشخص الذي يبحث عن الحق ولا يكذب بآيات الله قطعاً يهيء له الله سبحانه وتعالى مقومات الهداية، وأمّا روح الاتكالية والجبر بأن الإنسان يريد من الله أن يهديه مباشرة وهو لم يجهز نفسه لاستقبال الحق فهذا المعنى لا يتماشى مع روح الإسلام ولا يتماشى مع الآيات القرآنية! فكما ينبغي أن يطلب الإنسان من الله الهداية والتوفيق والتقوى والرزق فكذلك عليه أيضاً أن يقوم بدوره وأن يزيل الحجب التي تمنع ذلك!
وعلى ذلك فتكليفنا كمؤمنين إن أردنا أن ننتفع بنور الهداية الإلهية يجب علينا أن نزيل هذه الحجب عن قلوبنا والحجب كثيرة ووردت في القرآن الكريم والروايات الشريفة فكمثال الآية ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)) – سورة البقرة
يذكر آية الله الشيخ ناصر مكارم في كتابه أمثال القرآن حجابين عظيمين على قلب الإنسان ذكرا في هذه الآية ويقول: إن سبب غفلة الإنسان عن نعم الله العظيمة وعدم تفكره في دقة الخلق وضرافته هو شيئان:
الأول: كثرة النعم؛ فإن وفرة النعم تجعل الإنسان يستهين ولا يعتد ولا يفكر بها. وكمثال على ذلك: ان البعوضة لو كانت نادرة في العالم ووقعت بأيدي العلماء، لاعتبرها هؤلاء العلماء موجوداً ذات أهمية وأهلاً للدراسات والتحقيق العلمي.
الثاني: حجاب التعود؛ فإن العين مثلاً من آيات الخلق العظمى؛ إلا أننا لم نفكر بها ولا نتمعّن في خلقها. الأذن كذلك، فهو مستلهم قوي ودقيق وعجيب إلا أننا بسبب تعوّدنا عليه لا نعرف قدره ولا نثمنه مع أننا لودققنا ليس في هذين الأمرين فقط بل في كل أشياء العالم لوجدناها عجيبة ومدهشة وتكشف عن أسرار الخلق والعظمة والتوحيد.
اللهم صل على محمد وآل محمد محمد، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بنوره ورحمته وهدايته وأن لا يجعلنا من الغافلين عن آياته ونعمه وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
تعليق