هناك كتاب بعنوان (نقد نقد الشعائر) وفيه كمية كبيرة من المغالطات والخطابات العاطفية البعيدة عن فكر وثقافة أهل البيت (عليهم السلام) وكان الكثير من ردوده مبنية على أن لا قيمة لرضا الآخرين ولا يجب أن نراعي أذواق الخلق في كل ما نمارسه ونفعله!
ويعتبر الكاتب من يحاول إخراج الشعائر الحسينية بصورة محبوبة ومقبولة لدى الآخرين بـ(الإنهزامي، الذليل، المنافق...) والكثير من الهمز واللمز والتشكيك في نوايا المنادين بتحسين صورة العزاء الحسيني عند الناس جميعًا.
وقد غاب عن الكاتب المحترم أن السعي لمراعاة أذواق الآخرين من خارج المذهب من الأوامر التي أمرنا بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقد جمعت نصوصهم على هذا المطلب في عنوان: (التقية المداراتية) التي يحكم الفقهاء بصحتها وأنها لا يشترط فيها الخوف من المخالف، والحكمة من تشريعها عدم نفرة عامة المسلمين من التشيع.
ومن روايات باب التقية المداراتية ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (رحم الله عبدًا اجترّ مودّة الناس إلينا فحدّثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون) [وسائل الشيعة ج ١٦ ص ٢٢٠].
وكذا ما روي عن عبد الأعلى بن أعين قال: قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): (رحم الله عبدًا استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا بأن يظهر لهم ما يعرفون، ويكف عنهم ما ينكرون، ثم قال: ما الناصب لنا حربًا بأشد مؤونة من الناطق علينا بما نكرهه) [الغيبة للنعماني ج ١ ص ٤٠].
وحين يحثنا الإمام (عليه السلام) على ترك ما ينكروه فهو لا يربينا على الإنهزامية أو الذل، بل لا يريد من شيعته أن تشوه صورتهم أمام غيرهم ويكونوا دائمًا وجهًا مشرقًا للإسلام، كما أن ذلك ليس بـ(نفاق) كما يدعي الكاتب الذي يوافق بوصفه هذا المخالفين أنفسهم حين يعبرون عن التقية بالنفاق!
وكذلك من روايات باب التقية المداراتية ما روي عن أبي بصير قال سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (رحم الله عبدًا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم) [الكافي ج ٨ ص ٢٢٩] فالسعي لتحبيب الناس بأئمة الدين لا يجتمع ما ممارسات شيعتهم المنكرة عند الآخرين والتي هي ليست من ضروريات المذهب!
وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (إياكم وأن تعملوا عملاً يُعيرونا به، فإنَّ ولد السوء يُعيّرُ والدُهُ بعملِه، كونوا لمن انقطعتم إليه زينًا ولا تكونوا عليه شينًا) [الكافي ج ٢ ص ٢١٩].
على كل حال فروايات التقية المداراتية كما يقول الفقهاء: (بالغة حد التواتر) [فقه الصادق ج ١٧ ص ٢٩٦] ولا يمكن لأحد التشكيك في موقف الأئمة (عليهم السلام) الحريص على المداراة واجتناب الأفعال المنكرة التي توجب نفرة الآخرين من الشيعة وأئمتهم (عليهم السلام).
أما لغة العناد وأنه لماذا نسعى للمداراة مع الآخر والآخر لا يدارينا فهذه لغة عصبية لا تمت إلى ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) بصلة، بل هي اجتهادات شخصية في قبال توصيات أئمة الدين المأمورن باتباعهم!
ولا ينبغي الخلط بين المداراة و المداهنة فمورد الأوّل هو رعاية المخالف في القضايا التي لا تشكل أصلاً من أصول الدين ولا فرعًا ثابتًا من فروعه، فلا يمكن لأحد أن يترك السجود على التراب وما يصح السجود عليه، والسجود على الفراش مراعاة لذوق المخالف!
لأن المورد المذكور - مثلاً - لا يدخل في تقية المداراة، بل في التقية الخوفية فقط، ومراعاة ذوق المخالف فيه في حال الأمان يدخل ضمن المداهنة؛ لأنه من التنازل عن ضروري من ضروريات المذهب، وإنما المقصود هو ترك الأمور المباحة، بل وحتى المستحبة وعدم ممارستها أمام المخالفين لأجل أن لا تكون سببًا للنفرة عن التشيع.
------
منقول
تعليق