بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
هل كانت ميمونة زوجة النبيِّ الكريم (ص) من أهل الولاية للإمام عليِّ بن أبي طالب (ع)؟
الجواب:
السيدة أمُّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلاليَّة رضوان الله عليها كانت من النساء الفاضلات المعروفات بالصلاح والإيمان، تزوَّجها النبيُّ الكريم (ص) بعدما تأيَّمت في السنة السابعة من الهجرة في مكة الشريفة بعد عمرة القضاء، وبنى بها في منطقةٍ يُقال لها سرَف على بُعد أميال من مكة الشريفة، وقيل كان اسمُها بَرَّة فسمَّاها رسول الله (ص) ميمونة وهي أخت أمِّ الفضل هند بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب عمِّ النبيِّ الكريم (ص) فهي خالة عبد الله بن عباس، وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعميَّة -زوجة جعفر الطيار (ع)- من جهة الأم، وهي آخر مَن تزوَّج منهنَّ النبيُّ (ص) وتُوفيت في العام واحد وستين من الهجرةن وقيل غير ذلك، وهي من أخريات من تُوفي من زوجات النبيِّ (ص) ولم يبقَ بعدها من زوجات النبيِّ (ص) سوى أمِّ سلمة (رضوان الله عليها) وكان عمرُ السيِّدة ميمونة حين وفاتها قد بلغ الثمانين أو تجاوزها، وقد شاءت الأقدار أنْ يكون موضعُ وفاتها وقبرها منطقة سرَف التي بنى بها فيها الرسول الكريم (ص)(1).
السيدة ميمونة من أهل الجنَّة:
هذا وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) أنَّها من أهل الجنَّة فقد أورد الشيخ الصدوق في الخصال بسندٍ صحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعتُه يقول: "رحم اللهُ الأخوات من أهل الجنَّة فسمَّاهن: أسماء بنت عميس الخثعميَّة وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وسلمى بنت عميس الخثعميَّة وكانت تحت حمزة، وخمس من بني هلال: ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبيِّ صلى الله عليه وآله، وأم الفضل عند العباس اسمها هند، والغميصاء أم خالد بن الوليد، وعزة كانت في ثقيف الحجاج بن غلاظ، وحميدة ولم يكن لها عقب"(2).
وورد أنَّ السيِّدة ميمونة كانت تلي أمَّ سلمة في الفضل، فقد روى الشيخ الصدوق في الخصال -كما في البحار للمجلسي والوسائل للحر العاملي- بسنده عن ابن عمارة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تزوَّج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة منهن، وقُبض عن تسع .. وأفضلُهنَّ خديجةُ بنت خويلد، ثم أمُّ سلمة، ثم ميمونة بنت الحارث"(3) وذكر ذلك ابن شهراشوب في المناقب(4).
السيدة ميمونة من أهل الولاية:
وكانت السيدة ميمونة (رضوان الله عليها) من أهل الإيمان والولاية للإمام أمير المؤمنين (ع) ويُؤيِّد ذلك ما أورده الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الأمالي عن عبد الله بن معاذ عن أبيه وعمِّه معاذ وعبيد الله ابني عبد الله، عن عمِّهما يزيد بن الأصم قال: قدم شُقير بن شجرة العامري المدينة، فاستأذنَ على خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) وكنتُ عندها، فقالت: ائذنْ للرجل، فدخل فقالتْ: مِن أين أقبلَ الرجلُ؟ قال: من الكوفة. قالتْ: فمن أيِّ القبائل أنت؟ قال: مِن بني عامر. قالتْ: حُيِّيت ازدد قرباً، فما أقدمك؟ قال: يا أم المؤمنين، رهبت أنْ تكبَسني الفتنةُ لِما رأيتُ مِن اختلافِ الناس فخرجتُ.
قالت: فهل كنتَ بايعتَ عليَّاً (عليه السلام)؟
قال: نعم.
قالت: فارجع فلا تزولنَّ عن صفِّه، فواللهِ ما ضَلَّ ولا ضُلَّ به.
قال: يا أمَّاه فهل أنتِ محدِّثتي في عليٍّ بحديثٍ سمعتِه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قالت: اللهمَّ نعم، سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يقول: عليٌّ آيةُ الحقِّ، ورايةُ الهدى، عليٌّ سيفُ اللهِ يسلُّه على الكفَّار والمنافقين، فمَنْ أحبَّه فبحبِّي أحبَّه، ومَن أبغضه فببغضي أبغضَه، ومن أبغضَني أو أبغضَ عليَّاً لقيَ الله (عزَّ وجلَّ) ولا حجَّةَ له"(5).
أقول: قوله (ص): "ومَن أبغضه فببغضي أبغضَه" معناه أنَّ منشأ البغض -واقعاً- لعليٍّ (ع) هو البغضُ لرسول الله (ص) فالباء في قوله: "فببغضي" سببيَّة يعني أنَّ سبب بغض مَن يبغضُ عليَّاً (ع) هو البغضُ لرسول الله (ص) وسببُ حبِّ مَن يُحبُّ عليَّاً (ع) هو الحبُّ لرسول الله (ص) فهذا هو معنى: "فمَنْ أحبَّه فبحبِّي أحبَّه".
ومعنى قوله (ص): "عليٌّ آيةُ الحقِّ، ورايةُ الهدى" أنَّ عليَّاً (ع) هو العلامةُ التي يُعرفُ بها الحق، وهو (ع) رايةُ الهدى التي يأمن من الضلال من سار في ركابها وتفيأ ظلالها.
وأورد الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسندٍ له عن أبي إسحاق عن جرى بن كليب العامري قال: لمَّا سار عليٌّ إلى صفِّين كرهتُ القتالَ فأتيتُ المدينةَ فدخلتُ على ميمونةَ بنت الحارث، فقالتْ: ممَّن أنتَ؟ قلتُ من أهل الكوفة، قالتْ من أيِّهم؟ قلتُ من بنى عامر قالت رحبا على رحب وقربا على قرب تجيئ ما جاء بك قال: قلتُ: سار عليٌّ إلى صفين وكرهتُ القتالَ فجئنا إلى هاهنا قالت: أكنتَ بايعته قال: قلتُ: نعم، قالت فارجع إليه فكنْ معه، فوالله ما ضَلَّ ولا ضُلَّ به" وعلَّق الحاكم النيسابوري على الحديث بقوله: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"(6).
أقول: معنى قول السيدة ميمونة: "فوالله ما ضَلَّ ولا ضُلَّ به" هو أنَّها تُقسمُ بالله -صادقة- أنَّ عليَّاً (ع) ما ضلَّ قطُ في شيءٍ مما فعل ولا كان سبباً قطُ في ضلال أحد، فهو على الهدى أبداً واتباعه أمانٌ من الضلال.
وفي الأصول الستة عشر عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ينجو من النار وشدَّة تغيُّظِها وزفيرِها وقرنها وحميمها مَن عادى عليَّاً وترك ولايتَه وأحبَّ مَن عاداه. فقالت ميمونةُ زوج النبيِّ (صلى الله عليه وآله): واللهِ ما أعرفُ من أصحابِك يا رسولَ الله مَن يُحبُّ عليَّاً إلا قليلاً منهم، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): القليلُ من المؤمنينَ كثيرٌ، ومن تعرفينَ منهم؟ قالتْ: أعرفُ أبا ذرٍّ والمقدادَ وسلمان، وقد تعلمُ أنِّي أُحبُّ عليَّاً بحبِّك إيَّاه ونصيحتِه لك. قال: فقال لها رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): صدقتِ، إنَّك صدِّيقةٌ، امتحنَ اللهُ قلبَك للإيمان"(7).
والحمد لله ربِّ العالمين
1- لاحظ: بحار الأنوار -المجلسي- ج22 / ص203، صحيح الحاكم النيسابوري ج4 / ص30، الاستيعاب -ابن عبد البر- ج4 / ص1914، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج8 / ص132، اسد الغابة في معرفة الصحابة -ابن الأثير- ج7 / ص262.
2- الخصال -الصدوق- ص363.
3- بحار الأنوار -المجلسي- ج22 / ص194، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص245.
4- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج1 / ص139.
5- الأمالي -الطوسي- ص505.
6- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص141.
7- الأصول الستة عشر ص217. الخبر في أصل جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي من الأُصول الأربعمائة، وإنّما رواه جعفر، عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي، والأصل عندي في أربعة عشر منها" قاموس الرجال- التستري- ج12 / ص346.