بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.[1]
بعد التثبيت للبشارة الموعودة في الآية السابقة؛ وهي قوله: ﴿وأَنْتُمُ اَلْأَعْلَوْنَ﴾.
فالظاهر أنّ الآية بمنزلة التعليل للنهي عن الوهن والحزن، وأيضا الظاهر أنّ الآية في مقام التعرّض بأنّ القرح كما أصابكم كذلك أصابهم لا الموازنة والمماثلة الحقيقيّة بين القرحين كي يبحث عن تعداد المجروحين من الكفّار والمسلمين. فإنّ القصص المذكورة لا تصلح لإثبات الجزئيات الواقعة في الموقف، وكذا الآحاد من الأخبار. فمن ادّعى ظهور الآية في الموازنة الحقيقيّة فلا احتياج له إلى نقل القصص والقضايا.
﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾، أي إن يصبكم قرح - بفتح القاف وبضمّها - كالشهد والشهد، وقيل: إنّ القرح - بالضمّ - الجراحات بأعيانها، والقرح - بالفتح - ألم الجراحات ﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ﴾، أي الكفّار يوم بدر، وقتل المسلمون من الكافرين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وقتل الكافرون من المسلمين بأحد سبعين وأسروا سبعين. والمعنى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله ولم يضعف ذلك قلوبهم ولم يمنعهم عن معاودتكم بالقتال فأنتم أولى بأن لا تضعفوا فإنّكم ترجون من الله ما لا يرجون.
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ﴾، إشارة إلى أوقات الظفر والغلبة ﴿نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، أي نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى و«المداولة» نقل الشيء من واحد إلى واحد يقال: تداولته الأيدي أي تناقلته، وليس المراد أنّه تعالى تارة ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين لأنّ نصره تعالى منصب شريف لا يليق بالكافر؛ بل المراد أنّه تعالى تارة يشدّد المحنة على الكفّار وأخرى على المؤمنين وأنّه لو شدّد المحنة على الكفّار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الضروريّ بأنّ الإيمان حقّ وما سواه باطل: ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة كذا وتارة كذا لتكون الشبهات باقية والمكلّف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل.
ويمكن أن يقال المراد من الأيّام هي الكرّات الحاصلة للأقوام باستعلاء هؤلاء القوم على أولئك يوما واستعلاء أولئك على هؤلاء يوما آخر كما يقال: اليوم يومان: يوم لك ويوم عليك. ولعلّ إطلاق اليوم على الوقائع والحوادث الواقعة فيه من قبيل إطلاق المحلّ على الحالّ والظرف على المظروف. وهذا إطلاق شائع في كلام العرب.
وهذا التحوّل والغلبة والكرّة بعد الكرّة لا يختصّ بقوم دون قوم وهو من سنن الله تعالى في خلقه، ويفعلها الله سبحانه لحكم وفوائد قدّرها بعلمه، لا سيّما المداولة بين أهل الحقّ والباطل بالإملاء للكافرين والنصرة للمؤمنين.
﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، عطف على علّة محذوفة أي تلك الأيّام نداولها بينكم ليكون المصالح كيت وكيت وإيذانا بأنّ العلّة فيما فعل غير واحدة. و ﴿لِيَعْلَمَ﴾، أي وليعاملكم معاملة من يريد أن يعلم المخلصين من غيرهم، أو العلم في الآية مجاز عن التمييز بطريق إطلاق اسم السبب على المسبّب أي ليميّز الثابتين على الإيمان من غيرهم، والمراد تعلّق العلم بالمعلوم من حيث إنّه موجود بالفعل إذ هو الّذي يدور عليه فلك الجزاء لا من حيث إنّه موجود بالقوّة فالمعنى: ليعلم الله الّذين آمنوا علما يتعلّق به الجزاء.
﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾، أي ويكرم أنُاسا منكم بفوز الشهادة وهم شهداء أحد ﴿وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، ونفي المحبّة كناية عن البغض، وفي الآية إشعار بأنّه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وإنّما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين ولا ينافي هذا مع قوله ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.[2]
وقد ورد عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فِي قَوْلِ اَللهِ ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، قَالَ: ((مَا زَالَ مُذْ خَلَقَ اَللهُ آدَمَ دَوْلَةٌ للهِ وَدَوْلَةٌ لِإِبْلِيسَ، فَأَيْنَ دَوْلَةُ اَللهِ أَمَا [مَا] هُوَ إِلاَّ قَائِمٌ وَاحِدٌ)).[3]
[1] سورة آل عمران، الآية: 140.
[2] سورة الصافات، الآية: 173.
[3] تفسير العياشي، ج 1، ص 199.
تعليق