بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.[1]
تذكير للمسلمين من قبل الله تعالى بعد غزوة أحد والهزيمة النكراء التي حصلت وتنبيه لعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت من قبلهم وضرورة الالتفاف حول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال تعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾، ف «إذ» تتعلق صرفكم وليبتليكم وعفى عنكم توافقا لأدب اللفظ والمعنى.
والإصعاد خلاف الصعود كما الإضراب خلاف الضرب، فهو الانصراف والذهاب بعيدا - هنا - عن المعركة فرارا دون قرار، لا سيما وهم زاعمون أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قتيل.
﴿وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾، من اللّي: الالتفات، وهنا الالتفات على أحد دون «إلى أحد» لتعني خلاف اللفتة الحربية، فهم حين الذهاب لم يلتفتوا على أحد من المشركين ليواصلوا في قتالهم فإنما أدبروا إدبارا وفرارا.
ذلك ﴿وَ﴾، الحال أن ﴿الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾، إذ كان يلاحقكم منبها أنه حي قائلا: «إلي عباد الله ارجعوا إلي عباد الله ارجعوا»، ولأنه لم يصعد ما صعدوا فهو - إذا - في أخراهم من جهتين.
وقد تلمح ﴿فَأَثَابَكُمْ﴾، أنهم استجابوا له فرجعوا - وكما في الأثر - وقالوا: والله لنأتيهم ثم لنقتلهم فقال: (صلى الله عليه وآله) مهلا فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني، ﴿غَمًّا بِغَمٍّ﴾، وترى ما هو الغم المثاب به، ثم ما هو المبدل عنه؟ الأمر الذي لا بد منه في الغم الأوّل أنه هو غم الثواب الصواب حيث يخلّف سلب الحزن على ما فاتكم وما أصابكم، فتراه الندم على ما فشلوا وتنازعوا في الأمر وعصوا الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ وليس الندم وحده هو الذي يزيل الحزن على الفائتة والمصيبة وإن كان يخففه! ولكن المبدل عنه وهو بطبيعة الحال غم قتال الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الذي يجاوب الندم على ما كان، تناصرا في إزالة الحزن، مهما كان بضمنه غم الهزيمة وانفلات الغنيمة.
فالغم الثاني هو انفلات الغنيمة والهزيمة العظيمة والإصابة الفادحة، وكل ذلك أمام غم الرسول لا يحسب بشيء، فلقد تناسوا الحزن على ما فاتهم وما أصابهم لما علموا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) حي بعد، فلهم رجاء استمرارية النضال وجبر كل انكسار في تلك الهزيمة.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ((﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾، فَأَمَّا اَلْغَمُّ اَلْأَوَّلُ فَالْهَزِيمَةُ وَاَلْقَتْلُ، وَأَمَّا اَلْآخَرُ فَإِشْرَافُ خَالِدِ بْنِ اَلْوَلِيدِ عَلَيْهِمْ)).[2]
إن الحزن على كل فائتة صالحة ومصيبة فادحة، هو طبيعة الحال للإنسان أيّا كان، ولأن ذلك كتاب وليس ليخطأ المصاب - سواء أكان بفعل الله فقط أم وبما قدمته نفسه - فلا دور للحزن عليه ف ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا..* لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ..﴾.[3] ولكن غم الأسى على ما مضى من الفشل والتنازع في الأمر وعصيان الرسول (صلى الله عليه وآله) التي خلّفت فوت الغنيمة والنصرة وفادح الإصابة، ذلك الغم المقارن باستبشار حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) مما يزيل وينسي كل ﴿مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾.
فالغم الأول بديلا عن الثاني ومسببا عنه مع ذلك الاستبشار يحقق تلك السلبية الصالحة: ﴿لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾، فكل نقمة أمام هذه النعمة منفية مطفية، فإن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي فوق كل غنيمة ونصرة.
اجل هو الثواب الصواب بعد الهزيمة وحين الإصعاد، ذلك الغم المنبه المريح بعد التأكد من حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) سكونا نفسيا بعد الاستكانة حيث تابوا الى ربهم وثابوا الى نبيهم، ومن ثم شملهم نعاس لطيف فيه خلاص عما تعبوا.
[1] سورة آل عمران، الآية: 153.
[2] بحار الأنوار، ج 20، ص 60.
[3] سورة الحديد، الآيتان: 22-23.
تعليق