بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.[1]
﴿وَمَا كَانَ﴾، هنا كأضرابها في سائر القرآن تضرب هذه السلبية إلى أعماق الماضي سلبا عن مثلث الزمان، حيث تسلب الغلول عن الكينونة الرسالية ككل وبأحرى هذه الرسالة السامية، فليس - إذا - سلبا للجواز وتثبيتا للحرمة فحسب، بل هو سلب لإمكانية الغلول للنبيين. والغلول هو تدرع الخيانة كما الغل: العداوة، والغل هو الاغتيال: القتل، فما كان لنبي أن يغل ولا أن يغل وله أن يغل ويقتل في سبيل الله من يغل أو يغل إذ كان يستحق الغل. فالخيانة بأية صورة من صورها وأية سيرة من سيرها مسلوبة عن النبيين، سواء أكانت خيانة في النفس أو النفيس، خيانة بحق الله في شرعته أم بحق عباد الله في حقوقهم، فإن الأمانة هي من الملازمات الأولية الرئيسية للرسالة الإلهية على أية حال، ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾،[2] وكيف يخون الله شرعته وخلقه أن يأتمن الخائن، وما هو إلاّ جهلا أو تجاهلا أو عجزا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فالآية لها دور طليق بالنسبة لمطلق الخيانة عن ساحة النبوة على مدار الزمن الرسالي، فتشمل كافة الشؤون لنزولها وسواها مما لم تحصل، اجتثاثا للغلول عن هذه الساحة السامية عن بكرته وبكرتها، سواء أكانت خيانة في الرسالة، أم في الغنائم الحربية اختصاصا بنفسه أم في تقسيمها ام قبولها أم في السكوت عنها كما وضح ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ((إِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِي اَللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا اَلصِّدِّيقِينَ وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ عُمَّارُ اَللَّيْلِ وَمَنَارُ اَلنَّهَارِ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اَللهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَلاَ يَعْلُونَ وَلاَ يَغُلُّونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِي اَلْجِنَانِ وَأَجْسَادُهُمْ فِي اَلْعَمَلِ)).[3] وإن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا للرسول صلى الله عليه وآله يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى أظهره الله على القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة وأنزل في كتابه ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ﴾، وقد ذكره اَلصَّدُوقُ (ره) بِإِسْنَادِهِ إِلَى اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَدِيثٌ طَوِيلٍ يَقُولُ فِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((يَا عَلْقَمَةُ إِنَّ رِضَا اَلنَّاسِ لاَ يُمْلَكُ وَأَلْسِنَتَهُمْ لاَ تُضْبَطُ أَلَمْ يَنْسُبُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى أَنَّهُ أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنَ اَلْمَغْنَمِ قَطِيفَةً حَمْرَاءَ حَتَّى أَظْهَرَهُ اَللهُ عَلَى اَلْقَطِيفَةِ وَبَرَّأَ نَبِيَّهُ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنَ اَلْخِيَانَةِ وَأَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ﴾))[4]،وان تهمة الغلول - الوقحة - كانت من العوامل التي جعلت الرماة يزايلون مكانهم من الجبل خيفة ألا يقسم لهم الرسول صلى الله عليه وآله من الغنائم كما سبقت يوم بدر بالنسبة للقطيفة الحمراء وساحة النبوة منها براء، فهنا يأتي النص بحكم عام ينفي عن الأنبياء إمكانية الغلول فضلا عن خاتم الأنبياء.
ولقد اثرت آية الغلول وأضرابها في نفوس الجماعة المؤمنة أثرا عميقا حتى أتت بالعجاب، فكانوا يجتنبون الخيط والمخيط وكما ورد عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ اَلشَّحَّامِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((فَإِنَّ رَسُولَ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ اَلْخَيْطِ وَاَلْمِخْيَطِ)).[5]
ذلك ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، وهذه هي عينية التبعة أن يؤتى من غل بما غل، سواء أكان قولا أو فعلا أم شيئا غل فيه، حيث المحشر يحشر فيه الإنسان بكل أعماله، ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، وهنا ﴿مَّا كَسَبَتْ﴾، في الوفاء دون «بما كسبت» مما يدل على أن المكاسب يوم الدنيا هي بنفسها الجزاء يوم الآخرة، أن تظهر بملكوتها تحولا لها إلى الجزاء بنفسها.
[1] سورة آل عمران، الآية: 153.
[2] سورة الحاقة، الآيات: 44-47.
[3] نهج البلاغة، ص 302.
[4] الأمالي، ج 1، ص 102.
[5] الكافي، ج 2، ص 636.
تعليق