بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾.[1]
آية يتيمة لا نظيرة لها في القرآن، بشأن الرسول اليتيم المنقطع النظير، يمن الله فيها به على المؤمنين، يرتكز في ذلك المن على قواعد أربع.
الأولى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾، ف «المؤمنين» هنا طليقة تعم كل المؤمنين على مدار الزمن الرسالي الأخير من أي العالمين كانوا، من الجنة والناس وسواهما أجمعين، فهي تعني مجانسة الإيمان، لا المجانسة في البشرية.
وأما ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾،[2] المقرّرة المجانسة بين الرسول والمرسل إليهم، فقد تعني مطلق المجانسة، غير المتناحرة لاختلاف الجنس بين الرسل الأصليين والمرسل إليهم، حيث تكفي المجانسة في الرسل الوسطاء، جنا في الجن وسواه في سواه، ثم الرسالة المحورية هي لقبيل الإنس، و«رسولا منهم» تحمل بعدا البشرية والرسالية، فهو بشر كما أنتم، وهو مؤمن فيما أنتم، فاصطفاه الله من البشر المؤمنين رسولا فيهم، لا إليهم فقط فإنه رسول للعالمين من الجنة والناس ومن سواهم من المكلفين أجمعين.
هنا ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾، وفي سواها منهم، وليست الأنفس هنا زائدة غير قاصدة، فإنما تعني زائدا قاصدا وظلاّ عميق الإيحاء والدلالة، إن الصلة بينه وبين المؤمنين هي صلة النفس بالنفس، واقعة بينه وبين قليل منهم، وواجبة بين الآخرين أن يحصلوها، فليست المسألة أنه واحد منهم وكفى، إنما هي ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾، وهم بالإيمان الصالح يرتقون إلى هذا المرتقى، ويرتفعون الى هذه الصلة، فالمنة - إذا - مضاعفة في إرسال رسول من أنفسهم، بهذه المواصلة النفسية النفيسة بينهم وبينه (صلى الله عليه وآله) فلو كان رسولا لا بشرا ولا من المؤمنين لكانت الخيبة في هذه الرسالة ذات بعدين، حيث المجانسة بين الرسول والمرسل إليهم أصل من اصول الرسالة الرئيسية: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾، كما أن أمانة الإيمان الأمين أصل وهو أقوى من اصل المجانسة، ولو كان رسولا منهم لا من أنفسهم لقلت العائدة في هذه الرسالة، فبفقد كلّ من الأصلين تنقص الرسالة، فذلك ثالوث من انتقاص الرسالة أن يكون الرسول مؤمنا غير بشر أو بشرا غير مؤمن أم يفقدهما، ف ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾، تجمع الأصلين معا، انه بشر كما هم ومؤمن كما هم ولكنه أُصطفي من بينهم فأوحي إليه: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾،[3] فأصبح ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾، فالروح الرسالية هي أرواح المؤمنين اجمع.
الثانية: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾، تلاوة المتابعة فإنها ليست إلا هي كما ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا* وَالْقَمَرِإِذَا تَلَاهَا﴾،[4] وقد ارتكزت رسالته على هذه التلاوة: «وأَنْ أَتْلُوَا اَلْقُرْآنَ» متابعة في كل حقولها ترتلا وترتيلا، تعلما وتعليما، فهي - إذا - رسالة التلاوة التابعة لآيات الله في نفسه وأنفس العالمين.
الثالثة: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾، بتلاوة آياته، زكاة في علومهم وحلومهم، عقائدهم وأخلاقهم، أعمالهم وكل ما لهم من أقوال وأحوال وأفعال وصفات.
الرابعة: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، تعليما بعد التزكية وتلاوة للآيات، حيث العلم الذي يتبنى الزكاة هو خالص العلم وصالحه، وقد يقدم التعليم على التزكية كما في آية واحدة بين أربع ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾،[5] ﴿وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾، أي كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله في ضياع تام وعلى غير هدى.
[1] سورة آل عمران، الآية: 164.
[2] سورة الأنعام، الآية: 130.
[3] سورة الكهف، الآية: 110.
[4] سورة الشمس، الآيتان: 1-2.
[5] سورة البقرة، الآية: 129.
تعليق