بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.[1]
﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، ليس فحسب أنهم ﴿أَحْيَاءٌ﴾، كما كانوا قبل استشهادهم، بل هم كانوا قبله في حياة بعيدة عن حضرة الربوبية خليطة بكل شقاء ثم الآن عند ربهم عندية الزلفى والكرامة المتميزة ﴿يُرْزَقُونَ﴾، رزقا من عنده، فهي - إذا - حياة عند ربهم يرزقون عند ربهم، بعد أن كانوا أحياء بحياة بعيدة خليطة بموات وظلمات.
أترى ﴿أَحْيَاءٌ﴾، تعني - فقط - الحياة الآخرة؟ و﴿أَمْوَاتًا﴾، تحلق على كل حلقات الموت بعد الشهادة، فلو كانوا أمواتا في البرزخ بين الحياتين لصدق أنهم أموات؟ مهما أحيوا يوم القيامة، ثم ولا تصدق ﴿أَحْيَاءٌ﴾، على الذين يحيون يوم الدين وهم أموات في البرزخ، وإنما صيغته الصالحة «بل يحيون يوم الدين» ثم الخطاب ليس لناكري الحياة يوم الدين مهما كانوا ضمنه في طليق الخطاب! فليس لناكري الحياة البرزخية من محيص ولا محيد عنها وجاه هذه الآية المصرحة بها في بنود عدة.
أن جميع الكمالات لهم فعلية على حسب قصعتهم، فلا يكون فيهم من اهل العذاب حتى يأتيهم الموت من كل مكان، وما هم يميت أي من جميع الجهات وإن كانوا ميتين من بعض الجهات، فالشهداء لا جهة موت فيها ولا يأتيهم سبب الموت وارزاقهم عند الله من باب الشرافة، أي لا بالوسائط المتعارفة عند الناس، وهم في الفرح من فضل الله ومبشرين(اما) للإحياء الذين لم يلحقوا بهم بلسان الأنبياء والاولياء فمبلغهم في هذه البشارة هو الأنبياء والاولياء(أو) لمن يموت بعدهم ويحبهم ويلحق بهم ولا خوف لهم ولا حزن، ويبشرون بالنعمة والفضل كليهما أي ما يستحقونه وما يكون من باب الفضل. إذ الله لا يضيع أجر المؤمنين ويعطيهم من باب عملهم ومن باب منشأ عملهم وهو الايمان.
ومن أجاب دعوة الله والرسول بعد الجرح، فللذين احسنوا مع اجابتهم وجعلوا الله وقاية أو خافوا من الله اجر عظيم، ولغير الجامع اجر دون ذلك، ومن اخافه بعض الناس باجتماع الأعداء فيجب منهم الحذر، ولم يعتن بالمخوف وزاد فيهم الايمان وقالوا حسبنا الله لا يصل اليهم سوء ويصلون الى رضوان الله، لأن المخوف هو الشيطان يخوف المؤمنين من اوليائهم، فلا تخافوا أيها المؤمنون من أولياء الشيطان، وخافوا الله فإن الأمور بيد الله لا بيد الشيطان، ومطابقة جميع مفادها مع العقل العلمي والسياسة العملية بإدخال الاطمئنان والسكينة في القلوب مما لا يخفى على ذي مسكة
﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، كما المقربون والسابقون: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾[2]، ولا تعني عندية الرب مكانا ولا زمانا، وإنما هي مكانة ربانية قدر مساعيهم ودرجاتهم، من الزلفى والمعرفة بجنب الله.
ذلك ولأنهم انقطعوا عن النفس والنفيس إلى الله، فأصبحوا وهم ليسوا عند أنفسهم ونفائسهم، فإنما هم عند ربهم حيث ضحوا في سبيل ربهم، فهم - إذا - أحياء عند ربهم، فالمتفاني في سبيل هو محسوب على ذلك السبيل، سبيل اللهو ولا سمح الله، أو سبيل الله رزقنا الله إياه. فالمستشهدون في سبيل الله - في صيغة سائغة لهم - هم خرجوا من عند أنفسهم فعرجوا الى معراج ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾، فما لم يخرج السالك من عند نفسه لم يعرج الى «عند ربه» كما وكل تحلية بحاجة الى تخلية قبلها يناسبها، والمستشهد في سبيل الله يتخلى عن كلما يملكه في سبيل الله، فيتحلى بالزلفى عند الله، فطوبى له وحسن مآب.
وكما العندية في حياتهم الدنيا ذات درجات كذلك خلفيتها يوم البرزخ وبأحرى الأخرى ذات درجات ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[3]، و﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾، هي رمز لكل مواصلة ربانية عن كل مفاصلة، إذ انقطع الشهيد عن كل ما لديه الى الله، فلم يبق له ولا عنده إلا سبيل الله، فأصبح بنفسه سبيل الله.
[1] سورة آل عمران، الآية: 169.
[2] سورة الأعراف، الآية: 206.
[3] سورة النجم، الآية: 39.
تعليق