بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم وظالميهم من الأوين والأخرين
وبعد
السيد الملاني يحاكم صحيح البخاري في كتابة نفحات الازهار ج 6 ص 138
الحديث السادس
قال : وهو ما أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، حيث قال :
" حدثنا عبيد بن اسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيدالله ، عن نافع ، عن
ابن عمر ، قال : لما توفي عبد الله بن أبي ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن
يصلي عليه . فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله ، فقال : يا رسول الله تصلي عليه
وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما خيرني
الله فقال : * ( إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة ) * وسأزيده
على السبعين . قال : إنه منافق .
قال : فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ قال : ] فأنزل الله :
* ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره " ( 1 ) .
فأخرجه البخاري في الباب مرة أخرى عن ابن عباس ( 2 ) .
وأخرجه في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين
باسناد آخر ، عن عبيدالله ، عن ابن عباس ، عن عمر ( 3 ) .
كبار الائمة وهذا الحديث .
ولقد طعن في صحة هذا الحديث ، جماعة من أئمة علماء أهل السنة
وقد ذكر طعن هؤلاء الائمة - في صحة هذا الحديث المخرج في البخاري
ثلاث مرات - الحافظ ابن حجر في شرحه ، حيث قال ما نصه :
" واستشكل فهم التخيير من الآية ، حتى أقدم جماعة من الاكابر على
الطعن في صحة هذا الحديث ، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين
خرجوا الصحيح على تصحيحه ، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة
الحديث وقلة الاطلاع على طرقه .
قال ابن المنير : مفهوم الآية زلت فيه الاقدام ، حتى أنكر القاضي أبوبكر
صحة الحديث وقال : لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصلح أن الرسول قاله . انتهى .
ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب : هذا الحديث من أخبار الآحاد
التي لا يعلم ثبوتها .
وقال إمام الحرمين في مختصره : هذا الحديث غير مخرج في صحيح . وقال
في البرهان : لا يصححه أهل الحديث .
وقال الغزالي في المستصفى : الاظهر أن هذا الحديث غير صحيح .
وقال الداودي الشارح : هذا الحديث غير محفوظ .
والسبب في إنكارهم صحته ، ما تقرر عندهم مما قدمناه ، وهو الذي فهمه
عمر - رضي الله عنه - من حمل " أو " على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل
السبعين على المبالغة . . . " ( 1 ) .
وقال شهاب الدين القسطلاني ، بعد أن نقل كلمات الائمة المذكورين :
* ( هامش ) * ( 1 ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 271 . ( * )
/ صفحة 195 /
" وهذا عجيب من هؤلاء الائمة ، كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة
طرقه واتفاق الشيخين على تصحيحه ، بل وسائر الذين خرجوا في الصحيح
وأخرجه النسائي وابن ماجة " ( 1 ) .
أقول : وقد صرح الغزالي في مبحث المفهوم بعد كلام طويل ، بأن هذا
الحديث كذب قطعا ، واليك نص ما قال : " وأما الشافعي فلم ير التخصيص
باللقب مفهوما ، ولكنه قال بمفهوم التخصيص بالصفة والزمان والمكان والعدد ،
وأمثلته لا تخفى ، وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصفة وادعى اندراج جميع
الاقسام تحته ، إذ الفعل لا يناسب المكان والزمان إلا لوقوعه فيه وهو كالصفة له .
وتمسك أصحابنا في نصرة مذهب الشافعي بطريقتين مزيفتين . . . الثانية :
قولهم : لا بعد في اقتباس العلم من أمور توافرت الصور فيها على التطابق ، وان
كان نقلة الصور آحادا انحطوا عن مبلغ التواتر ، كالقطع بشجاعة علي وسماحة
حاتم ، وآحاد وقائعها لم ينقلها إلينا إلا آحاد الرجال ، وادعوا مثل ذلك من
الصحابة في المفهوم ، وعدوا وقائع . . . وقوله عليه السلام في قوله تعالى : إن
تستغفر لهم سبعين مرة ، لازيدن على السبعين .
وهذا مزيف . . . على أن ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعا ، إذ الغرض
منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة ، فلا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم
الذهول عنه . . . " ( 2 ) .
الحديث السابع
وهو ما رواه البخاري بعد حديث عن ابن مسعود ، وهذا نصه :
" حدثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، قال حدثنا منصور والاعمش ، عن ابن
* ( هامش ) * ( 1 ) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 7 / 148 .
( 2 ) المنخول في علم الاصول 209 - 212 . ( * )
/ صفحة 196 /
أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : أتيت ابن مسعود فقال : إن قريشا أبطؤا عن
الاسلام ، فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا
فيها وأكلوا الميتة والعظام ، فجاء ه أبوسفيان فقال : يا محمد جئت تأمر بصلة
الرحم ، إن قومك قد هلكوا فادع الله ، فقرأ : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان
مبين . الآية . ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله تعالى : * ( يوم تأتي السماء بدخان
مبين ) * الآية . ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى : * ( يوم نبطش البطشة
الكبرى ) * يوم بدر .
قال : " وزاد أسباط عن منصور : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فسقوا الغيث ، فأطبقت عليهم سبعا ، وشكا الناس كثرة المطر . فقال : اللهم
حوالينا ولا علينا ، فانحدرت السحابة عن رأسه ، فسقوا الناس حولهم " ( 1 ) .
كبار الائمة وهذا الحديث
وقد أبطل وغلط جماعة من كبار أئمتهم هذه الزيادة عن أسباط وهم :
الامام العلامة قاضي القضاة بدر الدين العيني شارح البخاري .
والامام الداودي
والامام أبو عبد الملك
والامام الدمياطي .
والامام الكرماني .
فقد قال العيني بشرح هذا الحديث : " هذا تعليق - يعني زاد أسباط بن
نصر ، عن ابن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود - قد وصله البيهقي
من رواية علي بن ثابت ، عن أسباط بن نصر ، عن ابن أبي الضحى ، عن مسروق
عن ابن مسعود ، قال : لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الناس
* ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخاري 2 / 137 . ( * )
/ صفحة 197 /
إدبارا ، فذكر نحو الذي قبله ، وزاد : فجاء ه أبوسفيان وأناس من أهل مكة ،
فقالوا : يا محمد إنك تزعم أنك بعثت رحمة ، وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم .
فدعا رسول الله - عليه السلام - فسقوا الغيث . الحديث .
وأسباط - بفتح الهمزة وسكون السين المهملة بعدها الباء الموحدة وفي آخره
الطاء المهملة - قال صاحب التوضيح : أسباط هذا هو : ابن محمد بن عبد الرحمن
القاص أبومحمد القرشي مولاهم الكوفي ، ضعفه الكوفيون ، وقال النسائي ، ليس
به بأس ، وثقه ابن معين .
وقيل : هو ابن نصر وهو الصحيح ، وهو أسباط بن نصر الهمداني أبو
يوسف ، ويقال : أبونصر الكوفي ، وثقه ابن معين ، وتوقف فيه أحمد ، وقال
النسائي : ليس بالقوي .
واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا ، فقال الداودي : أدخل قصة
المدينة في قصة قريش وهو غلط .
وقال أبو عبد الملك : الذي زاده أسباط وهم واختلاط ، لانه ركب سند
عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله : فدعا رسول الله -
عليه السلام - فسقوا الغيث . . . إلى آخره .
وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وقال : هذا حديث عبد الله بن
مسعود وكان بمكة ، وليس فيه هذا .
والعجب من البخاري كيف أورد هذا وكان مخالفا لما رواه الثقات .
وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله : لا مانع أن يقع ذلك مرتين . وفيه نظر
لا يخفى .
وقال الكرماني : قلت : قصة قريش والتماس أبي سفيان كان في مكة ، لا في
المدينة . قلت : القصة مكية إلا القدر الذي زاد أسباط ، فإنه وقع في المدينة " ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) عمدة القاري - شرح صحيح البخاري 7 / 46 . ( * )
/ صفحة 198 /
ترجمة العيني
ونكتفي بترجمة الحافظ جلال الدين السيوطي للبدر العيني ، حيث قال :
" محمود بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الغساني ، الحنفي العلامة ،
قاضي القضاة بدر الدين العيني ، ولد في رمضان سنة ثلاثين وستين وسبعمائة بعين
تاب ، ونشأ بها وتفقه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وانتفع في النحو وأصول الفقه
والمعاني وغيرها بالعلامة جبريل بن صالح البغدادي ، وأخذ عن الجمال يوسف
الملطي والعلاء السيرافي ، ودخل معه القاهرة ، وسمع مسند أبي حنيفة للحارثي
على الشرف بن الكويك ، وولي نظر الحسبة بالقاهرة مرارا ، ثم نظر الاحباس ، ثم
قضاء الحنفية ، ودرس الحديث بالمؤيدية ، وتقدم عند السلطان الاشرف برسياي .
وكان إماما عالما علامة ، عارفا بالعربية والتصريف ، وغيرهما ، حافظا للغة
كثير الاستعمال لحواشيها ، سريع الكتابة ، عمر مدرسة بقرب الجامع الازهر ووقف
بها كتبه . . " ( 1 ) .
عمدة القاري
وذكر الكاتب الجلبي كتابه بقوله : " ومن الشروح المشهورة أيضا : شرح
العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين
وثمانمائة ، وهو شرح كبير أيضا في عشرة أجزاء وأزيد ، وسماه عمدة القاري . . .
وقد استمد فيه من فتح الباري بحيث ينقل منه الورقة بكمالها ، وكان
يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنفه له ، وتعقبه في مواضع وطوله بما تعمد
* ( هامش ) * ( 1 ) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2 / 275 . وتوجد ترجمته في : الضوء اللامع 10 / 131 -
135 ، البدر الطالع 2 / 294 ، حسن المحاضرة 1 / 770 ، شذرات الذهب 7 / 287 ، نظم
العقيان / 174 - 175 ، وغيرها ، توفي سنة 855 . ( * )
/ صفحة 199 /
الحافظ ابن حجر حذفه من سياق الحديث بتمامه ، وإفراد كل من تراجم الرواة
بكلام وتباين الانساب واللغات والاعراب والمعاني والبيان ، واستنباط الفوائد من
الحديث والاسئلة والاجوبة .
وحكى أن بعض الفضلاء ذكر لابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل
عليه من البديع وغيره ، فقال بديهة : هذا شئ نقله من شرح ركن الدين ، وقد
كنت وقفت عليه قبله ، ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتم . . .
وبالجملة ، فإن شرحه حافل كامل في معناه ، لكن لم ينتشر كانتشار فتح
الباري في حياة مؤلفه وهلم جرا " ( 1 ) .
الحافظ ابن حجر وهذا الحديث
أقول : وبالرغم من كثرة محاولة الحافظ ابن حجر العسقلاني الدفاع عن
مرويات صحيح البخاري ومساعدة مؤلفه ، فإنه لم يجد بدا هنا من الاعتراف بأن
هذا الحديث منكر ، وإنكار الحديث يساوق القدح فيه كما ذكر ( الدهلوي ) في
كلامه على حديث : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " . . .
أما إنكار الحافظ ابن حجر هذه الزيادة ، فقد جاء بترجمة أسباط بن نصر
الهمداني :
" أسباط بن نصر الهمداني أبويوسف . . . قال حرب : قلت لاحمد كيف
حديثه ؟ قال : ما أدري ، وكأنه ضعفه . وقال أبوحاتم : سمعت أبا نعيم يضعفه
وقال : أحاديثه علمتها سقط مقلوب الاسانيد ، وقال النسائي : ليس بالقوي .
قلت : علق له البخاري حديثا في الاستسقاء ، وقد وصله الامام أحمد
والبيهقي في السنن الكبير ، وهو حديث منكر أوضحته في التعليق .
وقال البخاري في تاريخه الاوسط : صدوق . وذكره ابن حبان في الثقات .
* ( هامش ) * ( 1 ) كشف الظنون 1 / 548 . ( * )
/ صفحة 200 /
وسيأتي في ترجمة مسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه إخراجه لحديث أسباط
هذا . وقال الساجي في الضعفاء : روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن
حرب . وقال ابن معين : ليس بشئ ، وقال مرة : ثقة . وقال موسى بن هارون :
لم يكن به بأس " ( 1 ) .
( هامش ) * ( 1 ) تهذيب التهذيب 1 / 212 . ( * )
تعليق