بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.[1]
وقع المفسّرون في تفسير الآية فيما وقعوا من الاضطراب في فهم الآية الى أن قنعوا بتفسير الألفاظ ولم يعدلوا عن ظاهر القرآن فقالوا: أنّ المراد بالنّفس الواحدة آدم ومن زوجها زوجته عباراتهم مختلفة، وتارة يقولون أن المراد بالنفس الواحدة آدم وعليه جمهور المفسّرين وكذا ولم نظفر بعد الفحص التّام على دليل قد اقاموه على هذا الحمل والكتاب ساكت عنه فإن سأل منهم سائل من أين اخذتم هذا وحملتم النّفس الواحدة عليه يقولون في الجواب لم يخالف فيه أحد أو عليه الجمهور من المفسّرين وأمثال ذلك ممّا قالوه في تفاسيرهم، يعلموا أنّ المسألة ليست من الفروع حتّى يمكن فيها، التشبّث بالأجماع كان كذلك فقول الجمهور ليس بحجّة والموضوع يبقى على إبهامه كما كان وأعجب من ذلك كلّه أنّك تراهم مصرّين على قولهم من غير إقرار منهم على أنفسهم بالعجز وليس هذا إلّا الجهل المرّكب ولا غرو فيه فإنّ القرآن كلام الخالق وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾،[2] ولا سيّما المتشابهات منه وما نحن فيه من هذا القبيل ولو لم يكن منها فلا أقلّ من أنّه من المعضلات التّي لا تصل أفهامنا الى درك حقيقتها اذا عرفت هذا فنقول: لا يبعد أن يكون المعنى في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا﴾، زَوْجَهَا أي من النّفس ﴿زَوْجَهَا﴾، ففيه إشارة الى أنّ لكلّ نفس زوج منها.
أي من جنسها والحاصل أنّ كلّ نفس وزوجها من جنس واحد من حيث الحقيقة والماهيّة لا اختلاف فيهما من هذه الجهة وإنّما الاختلاف بالعوارض والمشخصات، وهذا يجيء كثيرا في القرآن وفي كلام العرب قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ﴾، أي فأجلدوا كلّ واحد منهم ﴿ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾[3]، فإن كان هذا الاحتمال مقرونا بالصّحة فهو المطلوب وإن لم يكن فالكلام باق على إبهامه والله أعلم.
﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾، البّث هو التّفريق بالإثارة ونحوها قال تعالى: ﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا﴾[4]،
والمقصود منه أنّ النّسل الموجود من الإنسان ينتهي الى آدم وزوجته على المشهور في تفسير الآية أو ينتهي الى النّفس وزوجته بأيّ معنى كانت كان لا شكّ في هذا المعنى كما هو المشاهد المحسوس في أصناف الإنسان من الأبيض والأسود والأحمر وكونهم مبثوثين في نقاط الأرض.
﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾، اختلفوا في معنى الكلام فمنهم من عطف الأرحام على لفظ الجلالة أي اتقوا الأرحام وعليه فالمعنى اتقوا الله في التساؤل وهو سؤال بعض النّاس بعضا بالله مثل أن يقول أسألك بالله أن تفعل كذا وكذا أي لا تفعلوا ذلك واتقوا الله في الأرحام بالبرّ والصّلة اليهم، ومنهم من عطف قوله : والأرحام على محلّ الضّمير في قوله: بِهِ وهو النّصب أو على الضّمير المتّصل المجرور وهو الجرّ وعليه فالمعنى اتقوا التساؤل والرّحم فلا تقولوا أسألك بالله أو أسألك بالرّحم، وقرأ الجمهور السّبعة بنصب الميم في الأرحام وهو الثّابت في القرآن فعلا وليس هذا إلّا من عطف الأرحام على محلّ الضّمير، ونقل الرّفع أيضا بناء على أنّه مبتدأ والخبر محذوف قدّره ابن عطيّة، والأرحام أهل أن توصل وقدّره الزّمخشري والأرحام ممّا يتقى أو ممّا يتساءل به.
﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، الرّقيب الحفيظ والمراقبة المحافظة، والله تعالى رقيب على العباد، أمّا لأنّه يحفظ عليهم أعمالهم ليجزيهم بها.
[1] سورة النساء، الآية: 1.
[2] سورة الإسراء، الآية: 85.
[3] سورة النور، الآية: 4.
[4] سورة الواقعة، الآية: 6.
تعليق