بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتامَى أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾.[1]
من ضمن منهجية اللطف الإلهي الاهتمام بفئة من خلقه تحتاج الى مراعاة خاصة في حياتهم نتيجة لنقص فيها لذا قال تعالى:
﴿وَآتُوا الْيَتامَى أَمْوَالَهُمْ﴾، لما أمر تعالى بصلة الرحم، ومراعاة حقه ابتدأ ببيان حق اليتيم؛ لأنهم أضعف وحاجتهم إلى القيّم أشد.
واليتامى: جمع يتيم وهو من فقد أبوه، وكان لم يبلغ مبلغ الرجال، ومن فقدت أمّه فهو: لطيم. واليتيم أيضا يطلق على من فقدت أمه من البهائم، وله معان آخر، كاليتيم الذي هو المفرد من كل شيء، إذ يقال: بيت يتيم، وقرية يتيمة، وكل شيء يعزّ نظيره كالدّرة اليتيمة أي الثمينة التي لا نظير لها. وبهذا اللحاظ كله كثيرا ما يطلق على نبينا محمد صلّى الله عليه وآله لفظ: يتيم. وله جموع كثيرة: كيتامى وأيتام ويتمه وميتمه ويتائم.
أمر بإيتاء الأيتام أموالهم إطلاقا، أي سواء أبلغوا الرشد أم لا.
والخطاب في الآية موجّه لأوصياء اليتامى، وهو يعني: أن لا تمنعوها عنهم فأعطوهم في حال صغرهم بالإنفاق عليهم اقتصادا، وفي حال كبرهم - مع حصول الرشد - بالتسليم إليهم تمام الأموال وكمالها. وهذا باب آخر من أقسام التقوى، ولذا عقّبه تعالى بما قبله من تقوى الله والأرحام. أما إطلاق لفظ اليتامى عليهم بعد بلوغهم الرشد وبعد تسليمهم أموالهم، فهو مجاز جاء باعتبار قربهم من حالة اليتم التي كانوا عليها. ولذا قال صلّى الله عليه وآله: ((وَلاَ يُتْمَ بَعْدَ اِحْتِلاَمٍ))[2]. ولكن ذلك كقوله سبحانه؛ ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾[3]، مع عدم بقائهم سحرة حينما آمنوا وكانوا ساجدين؛ إذ سجدوا بعد إنكار السحر، وبعد إيمانهم إيمانا قلبيا. وقولهم بعد سجودهم: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، كان أخبارا عن إيمانهم قبل السجود.
وفي هذا المقام نبهنا سبحانه الى أمور أخلاقية وإنسانية وشرعية لطفا منه تعالى بنا كما أن سائر شرائعه لطف ورحمة بعباده، وسيشرع لليتامى أمورا غير هذه.
فقد شرع الله تعالى لأموال اليتامى شرعا، نظرا الى أنهم ليتمهم أحوج ما يكونون للعناية، فيجب صيانة أموال كل مسلم ومسلمة بحكم الشارع في كل حال. وهذا أمر يحكم به العقل والوجدان ولا يحتاج الى إقامة برهان هذا أولا.
وثانيا: أنه يجب تسليم الأيتام أموالهم بعد بلوغهم ورشدهم، لأن كل إنسان أولى بماله وأكثر حفظا له من غيره. فلربما نما ماله في يده بتجارة أو صناعة أو زراعة أو غيرها، بخلاف ما لو كانت في يد الغير راكدة ساكنة لا تتحرّك ولا يعمل بها عملا يدرّ الربح، بل قد تنقص أيضا إذا صرف منها على صاحبها.
وثالثا: فهو نهيه تعالى للأوصياء أن يخلطوا أموالهم بأموال اليتامى، فإن أهل الجاهلية كانوا يضيفونها الى أموالهم الرديئة وبعد ذلك قد يقسمون لليتامى وقد يأكلون أموالهم بالباطل، ولعل هذا هو المراد بقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ﴾، فكما أمرهم سبحانه بإيتائهم أموالهم نهاهم أن يبدّلوا مال اليتيم الطيّب بأموالهم الخبيثة ويعاوضوه في حال صغره بما لا يقبله منهم لو كان رشيدا.
ولا شكّ أن ابدالهم طيّبة بخبيثهم لؤم وخيانة للأمانة كما نهاهم أن يجمعوا بين أموال اليتامى واموال أنفسهم لخاصة اكياسهم ويحرموا اليتيم منها بالمرّة فأن ذلك من أعظم الجرائم ولذلك قال عنه سبحانه ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا﴾،أي جرما كَبِيراً والحوب هو الإثم وكان في أصله لزجر الإبل لأن كل اثم يزجر عنه.
وملاك الآية هو توصية الأقوياء من أي طريق كان لهم فيه قوّة بالضعفاء فلا يجوز لهم أن يتخطوا حدود الحقّ انتهازا للنفوذ الذي يملكونه فيكون اليتيم كناية عن الضعيف والولي كناية عن القوىّ.
[1] سورة النساء، الآية: 2.
[2] وسائل الشيعة، ج 23، ص 217.
[3] سورة الأعراف، الآية: 120.
تعليق