اللهم صل على محمد وآ ل محمد
للحزن درجات تنبع من حالة الوعي لدى الحزين ، والحزن أيضا على قدر المحزون عليه صحيح ان المصيبة واحدة كما عبر عنها الله تعالى :
(( فأصابتكم مصيبة الموت))
ولكن الحزن على موت نبي ليس مثل الحزن على موت انسان عادي لان النبي او الامام او الشخصية العلمية والسياسية والاقتصادية يكون له اثر في حياة الناس وعلى قدر هذا الاثر... تكون الفاجعة ويكون الحزن.
ولكن بما أن الانسان له الاسوة بمن يعتقد بهم ويقلدهم وينتمي لهم .
فعليه ان ينظر إلى هذه الاسوة ماذا تصنع في حالات الفرح والحزن لكي يكون عمله مطابقا لمن يتأسى به .
فالبعض سنّ لمن يتأسون بهم مظاهر الفرح والرقص وضرب الدفوف والصيام والاكتحال وغيرها فرحا بمصيبة مقتل حفيد رسول الله وسيد شباب اهل الجنة
فمثلا (هند) ام معاوية سنت الفرح والاكتحال عند مقتل حمزة اسد الله ورسوله ،
وللامويين اعيادهم التي سنوها فرحا بمقتل الامام علي والحسن والحسين عليهما السلام .
ولكن النبي محمد (صلى الله عليه و آله وسلم) والائمة من بعده سنو لمن يتأسون بهم الحزن والبكاء والتفجع على مصيبة الحسين عليه السلام
لأنها من المصائب الكبرى التي مُنيت بها البشرية وهو بداية الامتحان الإلهي للناس إذن فإن الحزن تشريع إلهي سنّهُ نبيه الكريم « صلى الله عليه وآله »
من بين كل ذلك نقول :
ما هي حدود الحزن على مصيبة الحسين عليه السلام ؟
- وبداية نقول : أن الذي سن هذا الحزن على الحسين هو محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)
حينما اخبره الوحي بمقتل الحسين وناوله بعضا من تربة كربلاء (2) فنحن نتأسى برسول الله « صلى الله عليه وآله » والصحابة في البكاء على الحسين (عليه السلام)
والحسين هو اول شخص في هذا العالم تم البكاء عليه في حياته .
وهكذا تتالت مناسبات الحزن على ايدي الائمة المعصومين من بعد قتل الحسين (عليه السلام) وخرجت من بيوتهم المقدسة ، فاصبحت شعرا يُنشد بين يدي الامام ، ثم مجالس وعزاء
وكلما جاء عصر واشتد الظلم فيه على اتباع الحسين (عليه السلام) قام شيعة الحسين بالتنوع في اظهار مظاهر الحزن على هذه المصيبة
إلى أن حل عصر الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وهنا توقف التشريع في قضية الامام الحسين حيث سن المهدي (عج) السنن الاخيرة ــ لأن قول المعصوم حجة علينا ـــ واضعا حدود الحزن على الحسين
فنستطيع ان نعرف حدود الحزن على الحسين من خلال تتبع ما جاء في (زيارة الناحية المقدسة) حيث توفر لنا هذه الزيارة رؤية شاملة كاملة لحدود الحزن ،
ونتوقف عند مقطع من هذه الزيارة التي يقول فيها الامام المهدي (عج) مخاطبا جده الحسين عليه السلام :
(( ولئن أخرتني الدهور واعاقني عن نصرك المقدور فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب)).
إذن من النص أعلاه نقرأ عدة أمور منها :
. أولا : أن الامام المهدي يُثبت طول عمره الشريف بقوله : (ولئن أخرتني الدهور). فهو يعترف هنا بأنه مع الدهور.
. ثانيا : قول الامام المهدي (واعاقني عن نصرك المقدور) . ان أن هناك امر مقدرعينه الله للمهدي ويوم معين يأخذ فيه الامام الثأر من قتلة الحسين .
. ثالثا : لا حدود للحزن على الحسين (عليه السلام) حيث يقول : (فلأندبنك صباحا ومساءً).
وهذا يُبين حجم مصيبة الحسين بحيث ان اماما معصوما يبكي على هذه المصيبة ليل نهار ، فهل بكينا نحن شيعته ليل ونهار وهل استحضرنا الحزن في كل شأن من شؤون حياتنا ؟
. رابعا : اطلق الامام المهدي الحزن اطلاقا حتى لوأدى إلى الموت من شدة الحزن ونقرأ هذا في قوله :
(ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب) .
وفي هذا القول عدة وجوه منها :
1. أن قول الامام المهدي (عج) انه يبكي بدل الدموع دما ، يعني سوف اخوض في دماء اعدائك وانتقم لك منهم واعجل بارواحهم إلى النار.
ولربما نستشف من خلال هذا النص ان الدماء إذا خرجت بكاءا وحزنا على الحسين وبأي وسيلة فلا حرمة فيها، حتى لو أدى ذلك إلى الموت بلوعة المصاب.
- الوجه الآخر ان لغة الدم غير لغة الدموع ، لأن الدم من أقوى عوامل التحريك في المجتمعات ، وهو مصدر اثارة طاغية تلهب مشاعرالناس وتشعرهم بعظم المصاب وفداحة الخسارة بمقتل الامام الحسين (عليه السلام).
فمن كل ما تقدم نرى أن الامام المهدي (عج) وهو آخر إمام في سلسلة المعصومين وضع لنا اسس الحزن على الحسين ورسم لنا حدود هذا الحزن.
والامام المهدي لا يزال حيا بيننا يتعهد محبي الحسين وعزاء الحسين ويبعد عنهم الاخطار والامراض ويتعهدهم بالطعام من خلال البركة التي تحل ببركة وجوده المبارك ،
فكل مظاهر الامان والسلام والهدوء وحالة الخشوع الذي يعم هذه الحشود المليونية الراكضة إلى قبر جده في كربلاء ،
إنما هي دليل على وجود المهدي المبارك في هذا المحفل العظيم فعلى الرغم من هذا العدد الهائل من الزائرين
إلا انك ترى بركة كبيرة في وفرة الطعام ووسائل النقل وانسيابية في العزاء وعدم انتشار الامراض بين الزائرين وقلة وقوع الحوادث حتى في اصعب الحالات التي مرت على العراق من تفجير وقتل فإن مسيرة الحسين محفوظة ببركة وجود الامام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
وهذا من اكبر المصاديق على وجوده الشريف بيننا ويدلنا على ذلك آخر رسالة ارسلها المهدي عليه السلام إلى شيعته يُبشرهم بقرب ظهورة ويطلب منهم الصبر على فتنة سوف تُصيبهم عما قريب ، وهو التوقيع الذي ظهر من الناحية المقدسة فيقول فيه :
(( إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا اللّٰه وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة ازوف حركتنا ومناقشتكم لأمرنا و نهينا، و اللّٰه متمّ نوره ولو كره المشركون)).
---------------
المصادر
1- لما بلغ عائشة قتل علي قالت : فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر . ثم قالت من قتله فقيل رجل من مراد فقالت : فإن يك نائيا فقد نعاه نعي ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة اتقولين هذا لعلي فقالت إنني أنسي فإذا نسيت فذكروني ، رواه تاريخ الطبري ج 3 ص 159 و ج7-87 ،والطبقات لابن سعدج3-40،الكامل في التاريخ للشيباني ج 3 ص 259 والكامل في التاريخ لابن الاثيرج3-157،ومقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصبهاني 42 .
2- الرواية عن عائشة أنّها قالت : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه ، والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟!
فقال : " أخبرني جبرائيل ، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني أنّ فيها مضجعه. المصدر : مجمع الزوائد 9 / 188 ، المعجم الكبير 3 / 107 ، كنز العمّال 12 / 123 فيض القدير 1 / 266 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 73 ، ينابيع المودّة 3 / 10 .
3- مستدرك الوسائل : ج 3 ص 518 . الاحتجاج 2: 318.البحار : ج 53 ص 174 ب 31 ح 7.
معادن الحكمة : ج 2 ص 303
---------
منقول
تعليق