بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.[1]
توجد علاقة وطيدة بين التوبة في حالة من حالاتها المتعددة وبين الموت، وذلك عندما ينتبه العبد من غفلته بسبب معاصيه في حياته فيلجأ الى التوبة ولكن متى تكون مقبولة عند الله تعالى؟
فنتحدث بشيء عن الموت فإنّ حقيقة حياة البدن هي وجدانه الروح الحيّ وموته عبارة عن فقدانه الروح والتفريق بينه وبين الروح. ولمّا كانت الروح من سنخ الحقائق الأخروية نزلت من شأن الآخرة وليس نزولها إلغاء مرتبتها وصيرورتها من سنخ الجواهر الدنيويّة فيكون التركيب بينها وبين البدن بحفظ المرتبتين: مرتبة الحقائق الدنيوية والأخرويّة، والروح تحتاج في أعمالها وتصرّفاتها في الحقائق الدنيوية إلى البدن فيرى ويسمع مثلا عن طريق الحسّ وهكذا؛ وهو في هذه المرتبة محجوب عن إدراك الحقائق الأخرويّة وأعيانها وأشخاصها فعند حضور الموت أي عند تخلية الروح ومفارقتها البدن تشرف الروح على الآخرة ومشاهدة أعيانها وأشخاصها. فحضور الموت عبارة عن أخذ الروح بالمفارقة واطّلاعها على ما هناك من أعمال الآخرة.
فالروح ليست جوهرا مجرّدا بل هي حقيقة ماديّة لطيفة مظلمة الذّات؛ والعلم والعقل حقيقتان مجرّدتان نوريّتان خارجتان عن حقيقتها.
والتوبة عن قريب وبعد المعصية هي مورد الميعاد وحتمية القبول من قبله تعالى، وأمّا التوبة لا عن قريب أي توبة أهل التسويف فهي مقبولة أيضا، وإن كانت خارجة عن مورد الميعاد إلاّ أنّه تعالى يعفو عنهم ويتوب عليهم بفضله إلى أن يحضرهم الموت لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[2]، وإذا حضر الموت فلا توبة لهم. والله تعالى يحكم فيهم بعدله أو فضله. وليس معنى عدم قبوله تعالى توبتهم كون العقاب حتما عليهم.
وأمّا عدم القبول ممّن حضره الموت فهو من باب عدله سبحانه وهو حسن.
وليس سدّ باب التوبة عليهم لسقوط التكليف عنهم بل من حيث الاحتقار لهم وعدم الاعتناء بشؤونهم هواناً وخذلاناً، فتماديهم في العصيان وإصرارهم على السوء أوجب أن يحكم الله تعالى فيهم بعدله.
فقد ورد عَنِ اِبْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ اَلشَّيْطَانَ وَأَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى اَلدَّمِ فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً فَقَالَ: يَا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَمَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اِسْتَغْفَرَ غَفَرْتُ لَهُ قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ: جَعَلْتُ لَهُمُ اَلتَّوْبَةَ أَوْ قَالَ: بَسَطْتُ لَهُمُ اَلتَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ اَلنَّفْسُ هَذِهِ قَالَ يَا رَبِّ حَسْبِي))[3].
وعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((إِذَا بَلَغَتِ اَلنَّفْسُ هَذِهِ وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِمِ تَوْبَةٌ وَكَانَتْ لِلْجَاهِلِ تَوْبَةٌ))[4].
قال العلامة المجلسي قدس سره في كتابه البحار، بعد نقل هذا الخبر: [ظاهره الفرق بين العالم والجاهل في قبول التوبة عند مشاهدة أحوال الآخرة، وهو مخالف لما ذهب إليه المتكلّمون من عدم قبول التوبة في ذلك الوقت مطلقا، وعدم الفرق في التوبة مطلقا بين العالم والجاهل.][5]
لكن قد عرفت أنّ قبول التوبة ليس محالا عقلا. والآية الكريمة تنفي قبول التوبة عن المسوّفين إلى أن حضرهم الموت فليس فيها دلالة على استحالة قبول التوبة عقلا وبرهانا وإنّما هو إخبار عن سنّة اللّه تعالى وقضائه العادل وحكمة الحقّ فيهم.
فالآية من حيث إطلاقها لا تأبى عن التقييد كما لا يخفى.
[1] سورة النساء، الآية: 18.
[2] سورة الشورى، الآية: 25.
[3] وسائل الشيعة، ج 16، ص 86.
[4] الكافي، ج 2، ص 440.
[5] بحار الأنوار، ج 6، ص 33.
تعليق