بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في محكم كتابه الكريم
﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ أَيَاتِنَا غَفِلُونَ7 أُوْلئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ8 إِنَّ الَّذِينَ أَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَرُ فىِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ9دَعْوَاهُمْ فِيَهَا سُبْحَنَك اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ10﴾ سورة يونس
القرآن الكريم عرض في بداية هذه السورة بحثاً إِجمالياً عن موضوع المبدأ والمعاد، ثمّ بدأ بشرح هذه المسألة، ففي الآيات السابقة كان هناك شرح وبحث حول مسألة المعاد، ويلاحظ في هذه الآيات تفصيل حول المعاد ومصير الناس في العالم الآخر.
اللقاء مع الله خالق السموات و الارض ، الرحمن الرحيم ، هدف سام يرجى بلوغه لما فيه من مصالح هامة ، ولكن بعض الناس لا يرجون لقاء الله ، فهم غير مرتبطين بهدف اسمى في حياتهم ، لذلك تجدهم يهتمون بعاجل الدنيا ، يحسبون ما فيها من لذائذ و متع هي كل شيء
المقصود من لقاء الله الذي جاء في الآية الأُولى ليس هو اللقاء الحسي قطعاً، بل المقصود أنّ الإِنسان إِضافةً إِلى الحصول على الثواب وعطايا الله، فإِنّه يشعر يوم القيامة بنوع من الحضور القلبي بالنسبة للذات المقدسة، لأنّه حينئذ سيرى آيات الله وعلاماته بصورة أوضح في كل مكان، وسيحصل على رؤية وإدراك جديد لمعرفته
ففي البداية يقول: (إِنّ الذين لايرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنّوا بها) فهم لايعتقدون بالمعاد وتجاهلوا الآيات البينات فلم يتدبروا فيها كيما تستيقظ قلوبهم ويتحرك فيهم روح الاحساس بالمسؤولية (والذين هم عن آياتنا غافلون) فكلا هاتين الطائفتين مصيرهم الى النّار: (أُولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون).
فهؤلاء هم المنكرون ليوم الجزاء و بإنكاره يسقط الحساب و الجزاء فالوعد و الوعيد و الأمر و النهي، و بسقوطها يبطل الوحي و النبوة و ما يتفرع عليه من الدين السماوي
و بإنكار البعث و المعاد ينعطف هم الإنسان على الحياة الدنيا فإن الإنسان و كذا كل موجود ذي حياة له هم فطري ضروري في بقائه و طلب لسعادة تلك الحياة فإن كان مؤمنا بحياة دائمة تسع الحياة الدنيوية و الأخروية معا فهو، و إن لم يذعن إلا بهذه الحياة المحدودة الدنيوية علقت همته الفطرية بها، و رضي بها و سكن بسببها عن طلب الآخرة، و هو المراد بقوله تعالى (و رضوا بالحياة الدنيا و اطمأنوا بها)
الإعراض عن ذكر الله و هو الغفلة عن آياته يوجب قصر علم الإنسان في الحياة الدنيا و شئونها فلا يريد إلا الحياة الدنيا و هو الضلال عن سبيل الله، و قد عرف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب في قوله: (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)
فقد تبين أن إنكار اللقاء و نسيان يوم الحساب يوجب رضى الإنسان بالحياة الدنيا و الاطمئنان إليها من الآخرة و قصر العلم عليه و انحصار الطلب فيه،
و تبين أيضا أن الاعتقاد بالمعاد أحد الأصول التي يتقوم بها الدين إذ بسقوطه يسقط الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و النبوة و الوحي و هو بطلان الدين الإلهي من رأس.
و قوله: تعالى (أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبونبيان لجزائهم بالنار الخالدة قبال أعمالهم التي كسبوها)
في قوله تعالى (ان الذين لا يرجون لقاءنا و رضوا بالحياة الدنيا ) تدل على أن الانسان أرفع درجة من سائر الاحياء ، وأنه قادر على بلوغ مراتب عالية ، لذلك لا يعيشون قلق المؤمنين النفسي الذي يبعثهم الى النشاط من أجل بلوغ تلك المراتب ، بل تجدهم يطمئنون بالحياة الدنيا ، يرضون بما فيها من متع و لذات ، كالبهيمة السائبة همها علفها !!
و قليل من التفكر في آيات الله ، يبعث الفرد الى الايمان بأن الدنيا هذه الحلقة الفارغة التي لا تعني شيئا ، انها أتفه من أن تكون هدف البشر ، عمل وأكل و نوم ،ثم تكرار ذات الاسطوانة ، أعمل لتأكل ، و كل لتنام ، ونم لتعمل غدا .. وهكذا !!
لأن هؤلاء الناس اطمأنوا بالدنيا ، فإن الدنيا سلمتهم الى النار ، لأن الذي يحسب الدنيا نهاية مطافه ، يجترح السيئات و يكتسب شرا ، و ذلك الشر يتحول في القيامة الى عذاب اليم .
فاكتسابهم الشر هو الذي سبب لهم النار ، ولكن هذا الكسب كان بسبب سوءعقائدهم ..
إِنّ النتيجة الطبيعية والحتمية لعدم الإِيمان بالمعاد هي الإِرتباط بهذه الحياة المحدودة والعلائق المادية، والإِطمئنان بها والإِعتماد عليها، ونتيجة ذلك - أيضاً - هو تلوّث الاعمال وفساد السلوك في أنماط الحياة المختلفة، ولاتكون عاقبة ذلك إِلاّ النّار.
وكذلك فإِنّ الغفلة عن الآيات الإِلهية هي أساس البعد عن الله سبحانه، والإِبتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية والتلوّث بالظلم والفساد والمعصية، وعاقبة ذلك لا تكون إلاّ النّار
بناءً على هذا، فإِنّ كلا الفريقين أعلاه - أي الذين لا يؤمنون بالمبدأ، أو لايؤمنون بالمعاد - سيكونان ملوّثين حتماً بالاعمال الذميمة، ومستقبل كلا الفريقين مظلم.
إِنّ هاتين الآيتين توكّدان هذه الحقيقة، وهي أنّ إِصلاح مجتمع ما وإِنقاذه من نار الظلم والفساد، يتطلب تقوية رُكني الإِيمان بالله والمعاد اللذين هما شرطان ضروريان وأساسيان، فإنّ عدم الإِيمان بالله سبحانه سيقتلع الإِحساس بالمسؤولية من وجود الإِنسان، والغفلة عن المعاد يذهب بالخوف من العقاب، وعلى هذا فإِنّ هذين الأساسين العقائديين هما أساس كل الإِصلاحات الإِجتماعية.
ثمّ يشير القرآن إِلى وضع فئة أُخرى في مقابل هذه الفئة، فيقول:
(إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربّهم بإِيمانهم)
في الموضوع القادم يتم الحديث عن هذه الفئة المؤمنة ان شاء الله تعالى
************************************************** ************************************************** ************************************************** *
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير من هدى القرآن
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في محكم كتابه الكريم
﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ أَيَاتِنَا غَفِلُونَ7 أُوْلئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ8 إِنَّ الَّذِينَ أَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَرُ فىِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ9دَعْوَاهُمْ فِيَهَا سُبْحَنَك اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ10﴾ سورة يونس
القرآن الكريم عرض في بداية هذه السورة بحثاً إِجمالياً عن موضوع المبدأ والمعاد، ثمّ بدأ بشرح هذه المسألة، ففي الآيات السابقة كان هناك شرح وبحث حول مسألة المعاد، ويلاحظ في هذه الآيات تفصيل حول المعاد ومصير الناس في العالم الآخر.
اللقاء مع الله خالق السموات و الارض ، الرحمن الرحيم ، هدف سام يرجى بلوغه لما فيه من مصالح هامة ، ولكن بعض الناس لا يرجون لقاء الله ، فهم غير مرتبطين بهدف اسمى في حياتهم ، لذلك تجدهم يهتمون بعاجل الدنيا ، يحسبون ما فيها من لذائذ و متع هي كل شيء
المقصود من لقاء الله الذي جاء في الآية الأُولى ليس هو اللقاء الحسي قطعاً، بل المقصود أنّ الإِنسان إِضافةً إِلى الحصول على الثواب وعطايا الله، فإِنّه يشعر يوم القيامة بنوع من الحضور القلبي بالنسبة للذات المقدسة، لأنّه حينئذ سيرى آيات الله وعلاماته بصورة أوضح في كل مكان، وسيحصل على رؤية وإدراك جديد لمعرفته
ففي البداية يقول: (إِنّ الذين لايرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنّوا بها) فهم لايعتقدون بالمعاد وتجاهلوا الآيات البينات فلم يتدبروا فيها كيما تستيقظ قلوبهم ويتحرك فيهم روح الاحساس بالمسؤولية (والذين هم عن آياتنا غافلون) فكلا هاتين الطائفتين مصيرهم الى النّار: (أُولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون).
فهؤلاء هم المنكرون ليوم الجزاء و بإنكاره يسقط الحساب و الجزاء فالوعد و الوعيد و الأمر و النهي، و بسقوطها يبطل الوحي و النبوة و ما يتفرع عليه من الدين السماوي
و بإنكار البعث و المعاد ينعطف هم الإنسان على الحياة الدنيا فإن الإنسان و كذا كل موجود ذي حياة له هم فطري ضروري في بقائه و طلب لسعادة تلك الحياة فإن كان مؤمنا بحياة دائمة تسع الحياة الدنيوية و الأخروية معا فهو، و إن لم يذعن إلا بهذه الحياة المحدودة الدنيوية علقت همته الفطرية بها، و رضي بها و سكن بسببها عن طلب الآخرة، و هو المراد بقوله تعالى (و رضوا بالحياة الدنيا و اطمأنوا بها)
الإعراض عن ذكر الله و هو الغفلة عن آياته يوجب قصر علم الإنسان في الحياة الدنيا و شئونها فلا يريد إلا الحياة الدنيا و هو الضلال عن سبيل الله، و قد عرف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب في قوله: (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)
فقد تبين أن إنكار اللقاء و نسيان يوم الحساب يوجب رضى الإنسان بالحياة الدنيا و الاطمئنان إليها من الآخرة و قصر العلم عليه و انحصار الطلب فيه،
و تبين أيضا أن الاعتقاد بالمعاد أحد الأصول التي يتقوم بها الدين إذ بسقوطه يسقط الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و النبوة و الوحي و هو بطلان الدين الإلهي من رأس.
و قوله: تعالى (أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبونبيان لجزائهم بالنار الخالدة قبال أعمالهم التي كسبوها)
في قوله تعالى (ان الذين لا يرجون لقاءنا و رضوا بالحياة الدنيا ) تدل على أن الانسان أرفع درجة من سائر الاحياء ، وأنه قادر على بلوغ مراتب عالية ، لذلك لا يعيشون قلق المؤمنين النفسي الذي يبعثهم الى النشاط من أجل بلوغ تلك المراتب ، بل تجدهم يطمئنون بالحياة الدنيا ، يرضون بما فيها من متع و لذات ، كالبهيمة السائبة همها علفها !!
و قليل من التفكر في آيات الله ، يبعث الفرد الى الايمان بأن الدنيا هذه الحلقة الفارغة التي لا تعني شيئا ، انها أتفه من أن تكون هدف البشر ، عمل وأكل و نوم ،ثم تكرار ذات الاسطوانة ، أعمل لتأكل ، و كل لتنام ، ونم لتعمل غدا .. وهكذا !!
لأن هؤلاء الناس اطمأنوا بالدنيا ، فإن الدنيا سلمتهم الى النار ، لأن الذي يحسب الدنيا نهاية مطافه ، يجترح السيئات و يكتسب شرا ، و ذلك الشر يتحول في القيامة الى عذاب اليم .
فاكتسابهم الشر هو الذي سبب لهم النار ، ولكن هذا الكسب كان بسبب سوءعقائدهم ..
إِنّ النتيجة الطبيعية والحتمية لعدم الإِيمان بالمعاد هي الإِرتباط بهذه الحياة المحدودة والعلائق المادية، والإِطمئنان بها والإِعتماد عليها، ونتيجة ذلك - أيضاً - هو تلوّث الاعمال وفساد السلوك في أنماط الحياة المختلفة، ولاتكون عاقبة ذلك إِلاّ النّار.
وكذلك فإِنّ الغفلة عن الآيات الإِلهية هي أساس البعد عن الله سبحانه، والإِبتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية والتلوّث بالظلم والفساد والمعصية، وعاقبة ذلك لا تكون إلاّ النّار
بناءً على هذا، فإِنّ كلا الفريقين أعلاه - أي الذين لا يؤمنون بالمبدأ، أو لايؤمنون بالمعاد - سيكونان ملوّثين حتماً بالاعمال الذميمة، ومستقبل كلا الفريقين مظلم.
إِنّ هاتين الآيتين توكّدان هذه الحقيقة، وهي أنّ إِصلاح مجتمع ما وإِنقاذه من نار الظلم والفساد، يتطلب تقوية رُكني الإِيمان بالله والمعاد اللذين هما شرطان ضروريان وأساسيان، فإنّ عدم الإِيمان بالله سبحانه سيقتلع الإِحساس بالمسؤولية من وجود الإِنسان، والغفلة عن المعاد يذهب بالخوف من العقاب، وعلى هذا فإِنّ هذين الأساسين العقائديين هما أساس كل الإِصلاحات الإِجتماعية.
ثمّ يشير القرآن إِلى وضع فئة أُخرى في مقابل هذه الفئة، فيقول:
(إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربّهم بإِيمانهم)
في الموضوع القادم يتم الحديث عن هذه الفئة المؤمنة ان شاء الله تعالى
************************************************** ************************************************** ************************************************** *
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير من هدى القرآن
تعليق