بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.[1]
في هذا المقطع طرح جديد للتعامل مع المرأة التي شكّلت أحد المحاور الفكرية لسورة النساء. الطرح هنا يتصل بمن يحاول إلحاق الأذى بالمرأة، كما لو كرهها حيث يستثمر هذه الكراهية من خلال حجزها حتى تفتدي بما ساقه إليها من المهر أو ينتظر موتها ليرثها، وبالرغم من أن هذا التعامل المنهيّ عنه قد ارتبط ببعض سلوك الجاهليين، إلا أنه يرشح بدلالات عامة تخص مطلق الأشخاص الذين يستثمرون سيطرتهم على المرأة حيث يلحقون الضرر بها من خلال حجزها ومنعها من التزويج، في حالة كراهيتهم للمرأة.
ورد عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا اَلنِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾، قَالَ: ((اَلرَّجُلُ تَكُونُ فِي حَجْرِهِ اَلْيَتِيمَةُ فَيَمْنَعُهَا مِنَ اَلتَّزْوِيجِ لِيَرِثَهَا بِمَا تكُونُ قَرِيبَةً لَهُ قُلْتُ: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾، قَالَ: اَلرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ اَلْمَرْأَةُ فَيَضْرِبُهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ فَنَهَى اَللهُ عَنْ ذَلِكَ))[2].
وقد طالب المقطع القرآني الكريم الرجل بأن يعاشر المرأة بالمعروف حتى في حالة كراهيته، موضّحا بأن كراهيته للمرأة قد يقترن بما هو خير له لذا قال تعالى: ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، وهذا يعني المطالبة بأن يتحمّل الرجل شدائد حياته الزوجية وألا يسرع إلى عملية طلاق إلا في حالة الضرورة التي لا مناص منها.
وحتى في حالة الطلاق لا ينبغي أن يلحق بها أدنى ظلم فقد قال عز وجل في الآية اللاحقة: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾[3]، ويلاحظ أن النص أطلق سمة (البهتان) على من يحاول أخذ شيء من المال الذي وهبه للمرأة التي يعتزم تطليقها، مع أن (البهتان) سمة للتعبير اللفظي وليس سمة للتعامل المالي. وهذا يعني (من الزاوية الفنية) أن النص قد استخدم عنصر (الصورة الفنية) لتقرير هذه الحقيقة، بمعنى أنه استخدم (الاستعارة)، حيث أكسب المال سمة شيء آخر فأطلق على من يأخذ ما لا يستحقه، طابع (البهتان)، فكما أن الشخص الذي يوجّه تهمة لا أصل لها إلى الطرف المقابل فيكون ذلك بهتانا، كذلك حينما يأخذ الزوج من امرأته التي يعتزم تطليقها، ما وهبها من مال، يكون بذلك أيضا قد مارس عملية (بهتان)، ولكنه بهتان مالي وليس بهتانا لفظيا، بصفة أن مطالبته بما لا يحق من المال هو بهتان على الحقوق المالية للمرأة.
نعم إذا تجاسرت الزوجة فزنت وهي في حبال الرجل أو اساءت عشرته ونشزت عن طاعته وفزعت الى ايذائه، وقد ورد عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ((فِي اَلْخُلْعِ إِذَا قَالَتْ لاَ أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ وَلاَ أَبَرُّ لَكَ قَسَماً وَلَأُوطِئَنَّ فِرَاشَكَ مَنْ تَكْرَهُهُ فَإِذَا قَالَتْ لَهُ هَذَا حَلَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا))[4]. وعليه فله أن يمنعها بعض حقوقها الشرعية حتى تخلص نفسها منه ببذل كل أو بعض ما اصدقها.
ويجب عليكم أيّها الأزواج المؤمنون أن تعاشروا نساؤكم بالمعروف وهو حسن الأخلاق في المعشر وبذل تمام النفقة من كافة وجوهها والمحافظة على وجودها بأنحاء ما يحفظه، ولا تعاجلوا نساءكم بالطلاق وتعجّلوا لهنّ السراح لمجرد أنكم لا ترغبون بهنّ واصبروا فعسى أن تكرهوا بالفعل شيئا وتكون عواقبه محمودة؛ من تبدّل عدم الرغبة بالرغبة والكراهة بالمحبة فإنّ ذلك كثير الوقوع فالتسرّع مع هذا الإمكان مذموم.
[1] سورة النساء، الآية: 19.
[2] بحار الأنوار، ج 100، ص 373.
[3] سورة النساء، الآية: 20.
[4] وسائل الشيعة، ج 20، ص 282.
تعليق