بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
تخرج العيون دموعها على الخدود، تنهمر تلك الدموع على الوجوه ، و تبلل الملابس، ولكن كل شيء يمكن أن يهدأ ويعود لحالته الطبيعية، حتى العيون يمكن أن تجفف دموعها بالمنديل، وتذهب حمرتها بعد قليل من الوقت، وربما ينتهي كل شيء.
في القرآن الكريم آيات كثيرة عن المطر الذي ينزل على الأرض فيباركها ويحييها ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾.
تفعل الدموع بالقلوب ما تفعله الأمطار بالأرض الهامدة، فتهزها هزا قويا، وتجعل صاحبها حال البكاء يتذكر ما اقترفت يداه، متمنيا لو أنه كان في حالة مختلفة، كأن يكون أكثر قربا من ربه، وأبعد عن هيمنة الشيطان عليه.
لكن الفارق هو أن قلوبنا لا تنبت بالبكاء أخلاقا كريمة وتعاملا حسنا وعلاقات سليمة، بينما تتفاعل الأرض وإن كانت هامدة مع المطر فتنبت زرعا جميلا، طيب المأكل، حسن المذاق.
وفي عتاب المؤمن لنفسه أمن مثلك مع حسن تدينك وحرصك على العبادة ودموعك المنسكبة خوفا من الله تصدر هذه التصرفات القاسية في حق زوجته أو اولاده أو من حوله ومن يتعامل معه ؟
وكأنه أنسان بشخصيتين، شخصية العبادة والتضرع، وشخصية أخرى مع زوجته وأولاده، وعنف أشد مع من يتعامل معه.
1/ ينسى الأنسان عبادته ودموعه فور انتهائه منها، ولذلك لا ترمي المناديل التي تمسح بها دموعك حين الدعاء والتضرع والتوسل ، بل أحتفظ بها في علب صغيرة واحدة في خزانة الملابس، وثانية في السيارة والثالثة في مكان عملك، كل ذلك كي تتذكر ولا تنسى دموعك وعبادتك.
2/ تأخذ الأنسان صغائر الأمور فتحرمه ما ظفر به من عباده وطاعتذة لله، فالغيبة تمنع دموعنا من التأثير في قلوبنا، والغل الذي نحمله على بعضنا يحجب تأثير الدموع على حواسنا، وثقافة الكره للإنسان تحول بيننا وبين أن نهتدي للخلق السليم في نسج علاقاتنا، وسوء الخلق يحرق كل أشجار الحسنات التي أنبتتها عبادتنا.
فاصلة كبيرة بين دعائنا وتضرعنا إلى الله في شهر رمضان المبارك في أيام الحج في عرفة وفي غيره من الشهور والأوقات وبين التغير المنشود على أثر تلك اللحظات أو الساعات من التضرع التي لا يعلم مقدار ثوابها إلا الله، فهل هي دموع كاذبة؟ وهل هي دموع رياء؟ وهل هي دموع ساذجة؟ وهل هي حالة انفعالية تحدثها أصوات السماعات العالية، وحماسة الحشود المتفاعلة؟
هي يقظة الضمير في أعماق الإنسان، وإفاقة للنفس اللوامة التي تواطأ الإنسان مع غرائزه وشهواته وهفواته المتكاثرة على وأدها، ولحظة هداية تحتاج لاستنبات ورعاية وسقي كي تتجدر وتعلو فروعها وتؤتي أكلها في كل تصرف وكل سلوك.
هذا هو التفاعل المطلوب بين فيض الدموع وصدق القلوب ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
تعليق