بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.[1]
يكاد يكون معنى المحصنة هو ما تعارف بين الناس في هذه الأزمنة هي فقط الزوجة التي أحصنت نفسها وزوجها حي يرزق، في حين أن ذلك خطأ شائع والصحيح هو أن معنى الإحصان في الأصل هو المنع بحصن وسياج أيا كان، كما يقال: مدينة حصينة ودرع حصين، وكلمة لا إله إلا الله حصني، ويقال للفرس الفحل حصان لمنعه صاحبه من الهلاك، والحصان المرأة العفيفة الحصينة فرجها وسائر رغباتها الأنثوية عما لا يجوز.
والإحصان في كل حقل يخص حقله، فهو في حقل الرجال والنساء يعني الصيانة عن الشهوات الجنسية بمقدماتها، فالرجل المحصن هو المصون عنها والمرأة المحصنة هي المصونة. ولأن الصيانة الجنسية لها أسباب عدة فللإحصان أيضا صور عدة:
الأوَلى: إحصان بالإيمان فإنه قيد الفتك، فهو يحصن الإنسان عما يخالف الإيمان ومنه التخلفات والشذوذات الجنسية بمعداتها وخلفياتها، فالعفاف الحاصل بالإيمان هو من الإحصان بل وهو الأصيل في درجاته، وقد جاء في القرآن بنفس المعنى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ﴾.[2]
الثانية: إحصان بالحرية حيث الحرة تتأبى عن التبذّر الجنسي أكثر من الأمة بأصل الحرية وفصلها بها عن الخلط بالرجال الأغراب وليست كذلك الأمة، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾.[3] الثالثة: إحصان بالزواج كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾.[4] والمحصنات الثانية هن الحرائر. فكما الإيمان إحصان، كذلك الحرية إحصان، والزواج إحصان، مهما اختلفت هذه الزوايا الثلاث من الإحصان سببا.
الرابعة: وقد يكون إحصان العفاف بطبيعة الحال دون إسلام ولا حرية ولا زواج، فالإحصان العفاف - إذا - أربع وأصله العفاف، سواء أكان بسبب داخلي كأصل العفاف والحرية، أم وعارض كالإيمان والزواج كما ورد في كتاب من لايحضره الفقيه للشيخ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ الصدوق قَالَ: سُئِلَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنِ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾، قَالَ: ((هُنَّ ذَوَاتُ اَلْأَزْوَاجِ قُلْتُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، قَالَ: هُنَّ اَلْعَفَائِفُ))[5]. ذلك مربع من الإحصان،
وإلى خامسة: هو الإحصان عن الزواج منعا عنه شرعيا لكونهن ذوات أزواج أم سائر المنع، كضابطة عاملة تجمع من لم يذكرن من الممنوعات إلى اللائي ذكرن كما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾، قَالَ: ((كُلُّ ذَوَاتِ اَلْأَزْوَاجِ))[6].
ولو عنت «المحصنات» هنا - فقط - ذوات الأزواج لجئ بصيغتها الخاصة: «ذوات البعولة» إضافة الى أن عدم قرينة تخص المحصنات بذوات الأزواج، هو بنفسه قرينة على العموم إلا ما نعلم خروجه عنها وهن العفائف.
وقد ذكر في القرآن من عموم المحصنات المشركات والزانيات والمطلقات ثلاثا وأشباههن، ثم وفي السنة منهن أخريات لم يذكرن في القرآن. إذا ف «المحصنات» هنا هن الممنوعات عن الزواج بعد تلكم الموانع المنصوصة بموانع طارئة، إحصانا شرعيا عن النكاح، ويقابله الإحصان عفاف، فهما متقابلان في حكم الزواج حيث الأول محظور والآخر محبور.
[1] سورة النساء، الآية: 24.
[2] سورة المائدة، الآية: 5.
[3] سورة النساء، الآية: 25.
[4] نفس السورة والآية.
[5] وسائل الشيعة، ج 28، ص 72.
[6] ن، م، ج 21، ص 152.
تعليق