بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾.[1]
هل من الممكن هنا يكون انصراف الذهن الى الْقَيُّوْمِيَّة للرجال على زوجاتهم فقط أم أن المعنى أعم وأشمل؟ وطليق التعبير يعم قبيل «الرجال» ككل أنهم قوّامون على قبيل النساء ككل، مهما كانت هذه الْقَيُّوْمِيَّة في حقل العائلة أبرز في كل ملامحه من سائر الحقول، ولأن البيئة الزوجية هي التي تتبنى سائر البيئات.
ثم «قوامون» مبالغة في القيام والقيمومة لصالح النساء، وهي الرقابة الصالحة عليهن والحراسة الفالحة عن تفلتهن، وعن قصورهن وتقصيرهن، وعن أطماع سراق الجنس فيهن.
وتلك الْقَيُّوْمِيَّة القيمة تعم الناحيتين: التكوينية والتشريعية، حراسة دائبة على كونهن وكيانهن وكرامتهن في كل الحقوق والحاجيات الأنثوية.
فالرجال - إذا - هم حراس على النساء في كل متطلّبات الحياة، لأنهم أقوى منهن عقليا وبدنيا وفكريا، والحراسة تتطلب هذه الثلاث لتصلح للحراسة والاحتراز. وقد ورد عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((إِنَّمَا اَلْمَرْأَةُ لُعْبَةٌ مَنِ اِتَّخَذَهَا فَلاَ يُضَيِّعْهَا))[2].
وفي الجملة في شأنهن: ففِي رِسَالَةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((فَإِنَّ اَلْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ))[3]، فإنما الرجل هو القهرمان (هو المُسَيْطِرُ الحَفِيظ على من تحت يديه) عليها والقوام، فعليه الحراسة التامة قدر المستطاع بشأنها.
وهذه القوامة ليست لتفضل قبيل الرجال على قبيل النساء، فلو لم تكن للنساء فضيلة تجب الحفاظ عليها ما قررت على الرجال تلك القوامة القويمة على النساء، و ﴿بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، لا تفضلهم عليهن لمكان البعضية الطليقة في ﴿فَضَّلَ اللهُ﴾، فهما - إذا - وحدة ذات أبعاض، فضّلت البعض على البعض، كما فضلت الأخرى على الأولى من ناحية أخرى حسب الفاعليات والقابليات والمصالح. و«هم» هنا في التفضيل تعمهما، وتعمية البعض المفضل تلمح الى معاكسة في ذلك التفضيل الفضيل، فكما فضّل الرجال في قبيل من الفضائل على النساء كذلك النساء فضلن في قبيل آخر من التفضيل عليهم، فلولا هذه المعاكسة في التفضيل لكان حق التعبير «بما فضلهم الله عليهن» دون ﴿بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، ف «هم» تعمهما لمكان بعضهم على بعضهم، وتذكير الضمير ليس إلاّ للتغليب. ولأن الرجال بإمكانهم الحفاظ على فضلهم بأنفسهم دون النساء، لقوتهم وضعفهن، ولكرامتهن في أمانة العفاف، لذلك كلّف الرجال المفضّلون بالقوة العقلية والبدنية بالحفاظ على النساء المفضلات بفضائل الأنوثة التي ليست للرجال، حفاظا عليهن من ناحية، وعليهم من أخرى لأنهن أمهات أولادهم، وحافظات أماناتهم غيّبا وحضورا.
وإضافة الى فضيلة القوة العقلية والبدنية للرجال حيث تتطلب الْقَيُّوْمِيَّة على النساء.
﴿وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، هي زاوية ثالثة تفرض عليهم تلك القوامة حفاظا على نواميسهم. وحين لا يقوم الرجل بتلك القيومية قاصرا أو مقصرا، فهو ناشز عن شأن الرجولية قاصرا أو مقصرا، وقد تعاكس حينئذ الولاية، أو تتهاوى حين لا قيمومة من الطرفين.
فلا ولاية طليقة للرجال، لأنهم - فقط - رجال، على النساء، إنما هي على غرار الْقَيُّوْمِيَّة الصالحة ومداها.
وتلك الْقَيُّوْمِيَّة تتطلب منهن الطاعة الصالحة، اللّهم إلاّ في غير صالح أو في منكر، وهذه هي الدرجة المعنية لهم عليهن بعد تماثل الحقوق بينهما: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[4].
فلا يفضل ذكر على أنثى في عمل وثواب بذكورة، ولا ينقص فيهما من أنثى بأنوثة، فإنما جعلت الْقَيُّوْمِيَّة الرجالية على النساء حفاظا على الكرامتين.
[1] سورة النساء، الآية: 34.
[2] الكافي، ج 5، ص 510.
[3] وسائل الشيعة، ج 20، ص 168.
[4] سورة البقرة، الآية: 228.