بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾.[1]
عاب الإسلام من صفة ذميمة موجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه وحذر منها تحذيرا رهيبا وهي البخل، والامساك لا يجدي البخيل نفعاً، وإنما ينعكس عليه إفلاساً وحرماناً، قال تعالى ﴿هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ..﴾[2].
فعلى الانسان القضاء على البخل، لأنه يذهب بصاحبه الى الهلاك، وقام الدين الإسلامي بمحاربة هذه الصفة، فوعد الله تعالى الذين يبخلون بما اتاهم من خيرات، وأموال ويكتنزونها ولا يظهرونها للناس ولا ينفقونها على من هو احوج اليها منهم، وكذلك وعد سبحانه من يأمر الناس بالبخل، بالعذاب على بخلهم، وعلى فعلهم هذا اشد العذاب كما ذكرت الآية محل التفسير.
إنّ البخيل يأثم ببخله وهو ممّا لا كلام فيه الذي يأمر غيره به فهو مضافا الى أنّه من الآثمين يعاون غيره على الإثم أيضا فله ذنبان:
أحدهما: بخله في حدّ نفسه.
ثانيهما: إعانته لغيره عليه وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[3]، ومن المعلوم أنّ الإعانة على الإثم أمر زائد على نفس الإثم الموجود في المعين عليه، وكيف كان لا شكّ في ذمّ البخل فضلا عن الأمر به،
والسبب الأهم للبخل، الخوف من الفقر، وهذه من نزعات الشيطان، الذي يزين له حب اكتناز المال، وجمعه، وعدم انفاقه على من هو احق به منه، خوفاٍ على نفسه من أن يقع في الفقر لكن هو واقع في الفقر، لأنه لا ينفق من ماله حتى على نفسه ولكن لا يعلم بذلك، فيعيش حياته كأنه فقيراً لا يملك قوت يومه، لكن سيحاسبه الله في الاخرة حساب الغني، كما في قول أمير المؤمنين(عليه السلام): ((عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ))[4].
وللبخل صوره وأبعاده، فأقبح صور مختلفة وابعاد وأشدها إثما هو البخل بالفرائض الإلهية التي أوجبها الله على المسلمين، كالخمس والزكاة والحج والجهاد، وهذا اقبح البخل كما في قول الامام علي (عليه السلام): (اَلْبُخْلُ بِإِخْرَاجِ مَا اِفْتَرَضَهُ اَللهُ سُبْحَانَهُ مِنَ اَلْأَمْوَالِ أَقْبَحُ اَلْبُخْلِ))[5].
وأمّا قوله تعالى: ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾، فقيل أنّه موضوع مستقلّ برأسه والحقّ أنّه من مصاديق البخل ولذلك عطف عليه وذلك لأنّ كتمان الفضل والنّعمة من مصاديق البخل ومن زعم أنّ البخل منحصر بالأموال فقد أخطأ فإنّ العالم الذي يكتم علمه عن غيره من غير مجوّز عقلي أو شرعي بخيل قطعا ولا فرق بينه وبين الغنيّ الذي يبخل في ماله بل ذنبه أعظم لأنّه أضّر بدين غيره والغنيّ أضّر بدنياه والضّرر بالدّين أعظم ذنبا من الضّرر على الدّنيا.
بل نقول أنّ البخل عبارة عن الإمساك في غير حقّه سواء كان في المال أم في العلم والقدرة والهداية، والتّعليم وغيرها من الأمور وعلى هذا فقوله: ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾، أعمّ من أن يكون الكتمان في المال أو في العلم والحديث أو في النّصح والوعظ أو غير ذلك من النّعم التي أنعم الله بها على عباده ثمّ توّعد البخلاء فقال: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾، أي أعددنا لهم العذاب ببخلهم وسوء سريرتهم والمراد بالكفر هنا كفر النّعمة لا الكفر المصطلح وذلك لأنّ البخيل لا يكون كافرا خارجا عن الإسلام بل يكون كافرا بنعمة ربّه غير شاكر له بها فإنّ الشّكر العملي في النّعمة عبارة عن صرفها في مورده وحيث أنّ البخيل لم يصرفها كذلك فهو كافر بهذا المعنى ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[6].
[1] سورة النساء، الآية: 37.
[2] سورة محمد، الآية: 38.
[3] سورة المائدة، الآية: 2.
[4] نهج البلاغة، ص 428.
[5] غرر الحكم، ص 114.
[6] سورة آل عمران، الآية: 97.