بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾.[1]
قد بين الله أن أصل المعاد الجسماني محتّم لا ريب فيه وأنه سيجازي الإنسان على ما فعل في دنياه فيؤخذ بظلمه ويفاض عليه الأجر للحسنة يجيء بها، ويبدي عز وجل كلّ عجبه من العصاة عند الوقوف بين يديه. والشاهد على كل أمّة نبيّها المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من أيّة جهة تصورتها وشهد هذا النبي لما شاهد من اعمال امّته صالحها وطالحها وأبدى شهادته بين يدي ربّه كما عاينها فهناك كل الويل للمشهود عليه بالسوء وهناك يودّ الكافر بالله والعاصي لما وظّف الله عليه لو كانوا هم والأرض سواء أي ترابا لا مسؤولية عليه، أو أنهم بقوا تحت الأرض ولم يخرجوا لمعاينة الجزاء، وهناك لا يستطيعون أن يكذّبوا الرسل فيما شهدوا به لأنّهم فعلوا ذلك بلا مرية فيضطرّهم الواقع الى الاعتراف به فيؤخذون باعترافهم كما يؤخذ المعترف باعترافه امام القاضي.
والمراد بقوله: ﴿هؤُلاءِ﴾، من سمّاهم المسلمين في قوله تعالى: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[2].
وقد ورد عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ: ﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاء شَهِيداً﴾، قَالَ: ((يَأْتِي اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ بِوَصِيِّ نَبِيِّهَا وَأُوتِيَ بِكَ يَا عَلِيُّ شَهِيداً [شَاهِداً] عَلَى أُمَّتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ))[3].
وروي أن عبد الله ابن مسعود قرأ هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله) ففاضت عيناه فإذا كان النبي وهو الشاهد على الأمة المنزّه في نفسه عن كل دنس وشين تفيض عيناه لهول ما سيقع فما حال المشهود عليه إذا كان مقترفا للمعاصي نعوذ بالله من غضبه وانتقامه.
وتدلّ مجموعة من الآيات على المقام العظيم للشهداء في يوم القيامة وكمال هؤلاء الشهداء وعلوّ مقامهم وتنزيههم عن المآثم منها: -
- قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[4]، أي يوم القيامة يوم الحساب ويوم الجزاء وفيه لابدّ للحساب من الأشهاد.
- وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾[5]، وهادي كلّ أمّة شهيد عليهم.
- وقوله تعالى: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[6].
- وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾[7].
وما يتحصل من مضمون الآيات والروايات أنّ للشهادة في يوم القيامة مراتب بحسب مراتب القرب إلى الله تعالى.
[1] سورة النساء، الآية: 41.
[2] سورة الحج، الآية: 78.
[3] تفسير العياشي، ج 1، ص 242.
[4] سورة غافر، الآية: 51.
[5] سورة الرعد، الآية: 7.
[6] سورة النساء، الآية: 165.
[7] سورة النحل، الآية: 89.
[8] الكافي، ج 1، ص 190.