إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفردات قيّمة من القرآن الكريم، ﴿نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾

    بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ

    اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد


    قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا﴾.[1]

    هناك اختلاف في معنى الطمس على أقوال: -
    1- إن معناه من قبل أن نمحو آثار وجوهكم حتى تصير كالأقفية، ونجعل عيونها في أقفيتها، فتمشي القهقرى.
    2- إن المعنى: أَنَّ اَلْمَعْنَى نَطْمِسَهَا عَنِ اَلْهُدَى فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا فِي ضَلاَلَتِهَا ذَمّاً لَهَا بِأَنَّهَا لاَ تُفْلِحُ أَبَداً وَرَوَاهُ أَبُو اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ
    [2].
    3- إن معناه: نجعل في وجوههم الشعر، كوجوه القرود،
    4- إن المراد: حتى نمحو آثارهم من وجوههم: أي نواحيهم التي هم بها، وهي الحجاز الذي هو مسكنهم، ونردها على أدبارها حتى يعودوا إلى حيث جاءوا وهو الشام، وحمله على إجلاء بني النضير إلى أريحا، وأدرعات، من الشام، وهذا أضعف الوجوه، لأنه ترك للظاهر.
    فإن قيل على القول الأول كيف أوعد سبحانه، ولم يفعل‌؟ فجوابه على وجوه: -
    فالوجه الأول: إن هذا الوعيد كان متوجها إليهم لو لم يؤمن واحد منهم، فلما آمن جماعة منهم، كعبد الله بن سلام، وثعلبة بن شعبة، وأسعد بن ربيعة، وأسعد بن عبيدة، ومخيريق، وغيرهم، وأسلم كعب في أيام عمر، رفع العذاب عن الباقين، ويفعل بهم ذلك في الآخرة، على أنه سبحانه قال: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا﴾، والمعنى أنه يفعل أحدهما، وقد لعنهم الله بذلك.
    والوجه الثاني: إن الوعيد يقع بهم في الآخرة، لأنه لم يذكر أنه يفعل بهم ذلك في الدنيا، تعجيلا للعقوبة.
    والوجه الثالث: إن هذا الوعيد باق منتظر لهم، ولا بد من أن يطمس الله وجوه اليهود، قبل قيام الساعة، بأن يمسخها. ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ﴾، أي نخزيهم ونعذبهم عاجلا.
    وبتعبير أجمل أن هذا الخطاب يتضمن صورة فنية هي طمس الوجوه وردّها على الأعقاب.
    فأهمية هذه الصورة الفنية تكمن في ترشّحها بأكثر من استيحاء واستخلاص، فطمس الوجوه قد نستوحي منه دلالة معنوية هي: الختم على قلوبهم بحيث لا يهتدون أبدا، وقد نستوحي منه دلالة حركية كما لو تغيّرت وجوههم فعلا من نحو أن يمسخوا كالقردة أو تجعل عيونهم خلف ظهورهم.
    إنّ ردّ الوجوه على الأدبار يشكّل صورة أخرى تزدوج مع الصورة السابقة (نَطْمِسَ وُجُوهاً. إنّ النص رسم صورة (طمس الوجوه) ليعبّر بذلك عن رمز هو ضلالتهم أو مسخهم، ثم ألحق بها صورة أخرى ذات دلالة مزرية أيضا هي (الرد على الأعقاب). ومن المعلوم فنيّا أنّ شرح أو تكملة صورة بصورة أخرى (بدلا من شرحها أو تكملتها بواسطة اللغة المباشرة) يعدّ من أشدّ التركيبات الفنية إثارة وجمالا وطرافة.
    والمهم، إن هذه الصورة المزدوجة ذات الإيحاءات المتنوعة التي أشرنا إليها قد أردفها النص بتشبيه مباشر هو: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾، فالمعروف أن أصحاب السبت قد مسخوا قردة، وهذا يعني أن استيحاء الصورة السابقة ينبغي ألاّ يتّجه إلى أنّ المقصود من طمس العيون وردّها إلى الأدبار هو عملية المسخ إلى قردة لأن المسخ قد ذكره النص على سبيل الترديد بينه وبين الطمس والرد على الأعقاب. وأيا كان الأمر، فالمهم هو أن هذه الصورة الفنية المكتنزة بالدهشة وبالجمال وبالطرافة قد وظّفها النص لإنارة الأفكار المطروحة في المقطع، وهي أفكار تتحدث عن سلوك اليهود الذين مهّد النص القرآني - في مقطع أسبق - الحديث عنهم، حينما توعّدهم بالعذاب الأخروي لكونهم يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا وحيث جاء في هذا المقطع ليحدثنا عن معنى كتمانهم لحديث الله وهو : تحريف الكلم عن مواضعه، وحيث توعّدهم بالجزاء الدنيوي أيضا في هذا المقطع، وهو بهذا الربط بين المقطع السابق والمقطع الحالي، يكشف عن مدى إحكام العمارة التي تنتظم السورة من حيث تلاحم مقاطعها بعضا مع الآخر .



    [1] سورة النساء، الآية: 47.
    [2] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 487.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X