بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾.[1]
﴿إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا﴾، وهم عارفون أنها آياتنا، عنادا لها ونكرانا إياها ﴿سَوْفَ نُصْلِيهِمْ﴾ في النار الكبرى يوم القيامة الكبرى.
والصلي هو الإيقاد كما الصلاء هو الوقود، فهؤلاء - إذا - هم من وقود النار، تتّقد بهم النار فتحرق أهل النار، وهم حارقون أنفسهم قبل سائر أهل النار كما حرقوا أنفسهم يوم الدنيا
أي يجدّد الله لهم جلودا غير جلود الّتي أحرقت، فلو قيل: إنّ هذا الجلد المجدّد لم يذنب فكيف يعذّب من لا يستحقّ العذاب؟ فالجواب: أنّ المعذّب هو الذات الحيّ والذات واحدة والمتبدّل هو الصفة ولا اعتبار بالأطراف والجلود، والمراد بالغيريّة التغاير في الصفة.
وأمّا من قال: إنّ الإنسان غير هذه الجملة المشاهدة وأنّه المعذّب في الحقيقة فقد تخلّص من هذا السؤال؛ لأنّ المعذّب هو الإنسان وذلك الجلد ما كان جزءا من ماهيّة الإنسان بل كان كالشيء الملتصق به الزائد على ذاته فإذا جدّد الله الجلد وصار ذلك الجلد الجديد سببا لوصول العذاب إليه لم يكن ذلك تعذيبا إلّا للعاصي.
وقيل: إنّ المراد بالجلود السرابيل قال: ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾[2]، فتجديد الجلود إنّما هو تجديد السرابيل.
فكذا قوله: ﴿كُلَّما نَضِجَت﴾، يعني كلّما ظنّوا أنّهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك أعطيناهم قوّة جديدة من الحياة بحيث ظنّوا أنّهم الآن حدثوا ووجدوا فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه، بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى، كقولك: بدّلت الخاتم قرطا، أو بأن يزال عنه أثر الإحراق ليعود إحساسه للعذاب.
والجلود الجديدة هي الجلود القديمة التي خلقت من جديد، إذ الشيء المحترق تتفرق أجزاؤه في الفضاء فيجمعها سبحانه ويعطيها الصورة الجلدية من جديد، هذا بالإضافة إلى أنه لو خلقت جلود جديدة لم يكن بذلك بأس إذ المتألم هو الروح فلا يقال: بما استحق الجلد الجديد العذاب؟
وقد يقال نار تحرق الأبدان ببواطنها كظواهرها، فإنها ﴿ نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ* إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ* فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾[3]!، والفؤاد المطلع عليه النار هو القلب المتفئد(المصاب) بنار الكفر والجحود! قد تعني ﴿جُلُودُهُم﴾، جلود الأرواح، فإن ﴿هم﴾، هنا تعني في الحق الأرواح مهما كان في ﴿بَدَّلْنَاهُمْ﴾، الأبدان، فكما أن للأبدان جلودا كذلك للأرواح وأين جلود من جلود. فمما لا ريب فيه في عذاب الجحيم شموله للأبدان ظاهرة وباطنة فالنضج - إذا - تعمهما دون اختصاص بجلود الأبدان، فمثل قوله تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾[4]، تنضج الأمعاء كما تنضج جلود الأبدان.
وبتصوير آخر: ما هي ﴿جُلُوداً غَيْرَها﴾؟ وجلود الأرواح الخاصة بها هي المخصوصة بالعذاب، دون سائر الجلود المستعارة! إنها هي مستعادة كصورها الأولى بنفس موادها التي حشرت مع أرواحها، فهي الأبدان الخاصة بأرواحها دون خليط الأجزاء المستعارة، الأصيلة لغيرها أم غيرها وسواها كما فصلت في آيتها الخاصة: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ* قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾[5]، فقد سقط سؤال: «هب هذه الجلود عصت وعذبت فما بال الغير؟ حيث الجواب: هي هي وهي غيرها..» لمكان ﴿بَدَّلْنَاهُمْ﴾، دون بدلنا لهم، فالمبدّل جلودا غيرها هو نفس المنضوجة لا سواها، فالمبدل إليه هو نفس المبدل مادة ومثله صورة وليس التبديل إلاّ في الصورة البدنية دون مادتها.
ثم الجلود المنضوجة ليست هي بنفسها المدركة نضجها، وإنما تدركه أرواحها، حيث تذوق الأرواح ما عملت بعمالها الجلود بوسيطها كما تذوق ما عملت دون وسيط الجلود، ذوق روحي بتخلف الروح في نفسها، وذوق جسمي يدركه الروح بما عملت بجسمها.
[1] سورة النساء، الآية: 56.
[2] سورة إبراهيم، الآية: 50.
[3] سورة الهمزة، الآيات: 6-9.
[4] سورة محمد، الآية: 15.
[5] سورة السجدة، الآيتان: 10-11.