علي حسين الخباز
أطلت الكثير من الكتابات والبحوث على نافذة التأثر والتأثير بين سيرة الائمة عليهم السلام والأسلوب التدويني الذي يرتكز في معظمه على التداول النمطي.....والبقاء في حدود السيرة الذاتية على حساب المضامين الفكرية والروحية، مثل هذه القراءات لا تصمد أمام سعة المساحة الفكرية وخاصة عند الإمام السجاد عليه السلام، لابد من الوقوف أمام معترك الماضي وما حمل في وجدانه من مشاهد واقعة كربلاء الرهيبة وفصولها الدموية، وبين حاضر كبلته السلطة حتى صارت تحصي أنفاسه، وأما الغد فله حضور فاعل في روحية وجوده المبارك ليبني آفاقًا جديدة من الوعي العام ،بعد ما هدم الجهد السلطوي قاعدة الإنتماء الحقيقي للدين،
فسعى الإمام عليه السلام جاهدًا ليغوص عبر الدعاء في أعماق النفس الإنسانية، ويعيد العلاقة بين العبد وربه في مجتمع وصلت به القطيعة لحد قتل سبط الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويحتاج الإمام عليه السلام جهد كبير ليعيد لهم موازنة العقل مع القلب والفكر مع الروح.
سعى البحث لإكتشاف المعاني وتقصيها في أشكالها التعبيرية بما تحمل من دروس في أصول الشريعة و تفسير القرآن الكريم.
جاء في مقدمة الدكتور صباح محسن كاظم ( جهد الباحثة رؤى فليح هو جهد تحليلي استنتاجي واستقراء تأملي بينت فيه أن للقران الكريم صور لفظية ومعنوية في الصحيفة السجادية.
سعت الباحثة في بحثها إلى إكتشاف المعاني وتقصيها في أشكالها التعبيرية والبحث عن الدلالات المتولدة من تلك السياقات، كم جيل مر على هذه الصحيفة وكل جيل له قراءاته، علينا أن نعرف أن دعاء مدرسة الإمام زين العابدين عليه السلام، هو كان شعوري ومنهاج الإمامة والقيادة ومن أهم الرؤى المطروحة هو تشخيصها للمنجز الدعائي بأنه نضال سياسي وتدبيرًا حكيمًا ضد الحكومات واعتبرته موقفًا قويًا صلبًا وجريئًا، وقفت الصحيفة السجادية سدًا منيعًا لحماية الإسلام وصيانته من التفسخ الجاهلي.
نحن بحاجة إلى مثل هذه البحوث المدركة لتستثمر الوعي، وتواجه الشبهات التي زرعتها السلطات في الذهنية العامة من أجل استثمارها سياسيًا، فصورت لنا الإمام السجاد عليه السلام بأنه نزل عن حراك المجتمع ولم يزاول أي نشاط اجتماعي بينما الإمام سخر قدرة الدعاء إلى خلق مساحات تأثيرية روحية تعيد صياغة السلوك المجتمعي ،وتعيده مجتمعًا مؤهلًا لحمل الرسالة المحمدية و مواجهة العروش الزائلة بالرفض، والنظر إلى دلائل العلائق التي تتباين في رابطها المنطقي بين الأشياء، لتصل إلى جمالية التعامل الذوقي بين كلام الخالق والمخلوق ،ثلاثة اقتباسات لفظية ومعنوية لتكثيف المعنى الايحائي،
ودرست لنا الأسلوب البلاغي القرآني وأثره في الصحيفة السجادية على ضوء التأثيرات الأدبية ليرتقي النص عبر الابتداء (والذي ابتدأ بالحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده )
والتذييل بالآيات والأسماء الإلهية
( انك قريب مجيب، ؛سميع عليم، عفو غفور ،؛رؤوف رحيم؛ فآتنا في الدنيا وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
الأختام بالآيات القرآنية والأسماء الالهية ، مثل آمين رب العالمين أو أنك ذو الفضل العظيم وأنت الجواد الكريم،
ووردت اقتباسات من قبيل ذكر النصوص القرآنية، ومن ذلك قول الإمام عليه السلام ( يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ،أعصمني وطهرني ببليتي )وهناك توظيف اللفظ القرآني والتكرار والقسم والقصص والمعاهدة وأثر آيات الحمد والتقديس مثل التوحيد وتنزيه الله سبحانه وتعالى كقوله عليه السلام
(فلك الحمد ما وجد في حمدك مذهب وما بقى للحمد لفظ تحمد به ومعنى ينصرف إليه يا من تحمد إلى عباده بالإحسان والفضل) نجده يستقصي محامد الله تعالى على الإنسان بأن وهبه المعرفة والعلم بالله تعالى من خلال التدبر والتأمل في رؤية آيات الحق بما أن الإمام عليه السلام كان يعمل لتغيير ثقافة المجتمع فلا بد أن يكون هذا التغيير مدعومًا بتأهيل فكري يقوم على ترسيخ المعتقد العبادي، لهذا سلك الإمام زين العابدين عليه السلام في منهاجه التربوي مزيجًا دعائيًا مقتبسًا من أصول الإعتقاد الإسلامي وفروعه (الحمد لله على ما عرفنا بالرسل من نفسه) ومن أساسيات تهيئة الدعاء تهيئة النفس بتقديم الشفعاء ويتفاعل المتلقي مع الدعاء بأنه يمثل مسألة وجوده وإيمانه وبحثه على التمسك بالأيمان و بالقرآن.
أستقت الأدعية خطابها من رحيق القرآن يقول الله تعالى (ومن شر حاسد إذا حسد) ركز الإمام عليه السلام في دعائه على مسألة الحسد والاستعادة من الشيطان،
هناك مسألة مهمة وعلينا النظر لها بتأمل بين لغة الدعاء لغة حداثوية رغم أنها كتبت قبل قرون وتمثلت فيها الأصالة والهوية والحراك المضموني للتشكيل وتأصيل التمسك بهذه الهوية، وبناء ثقافة معاصرة أصيلة تستمد معاصرتها من جوهر الإيمان ومع كل مساحات التنظير والقراءة فأننا لا نستطيع أن نستوعب مدى أهمية الدعاء ومعرفة الحوار الدائر بين الله والملائكة والشيطان، ،تبرز الحاجة الحقيقية للعلم الذي يستلهم الرؤية الحقيقية لجوهر الدعاء.
ترى الباحثة في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه أنه هو التواب الرحيم هذه الكلمات كانت أول انطلاقة الدعاء بين يدي الله وبعدها الأبعاد التي حملها الدعاء وتبنت أهميتها في الآية الكريمة، (قل ما يعبا بكم ربي لولا دعائكم)
يحال المعنى الفلسفي للدعاء إلى معراج المؤمن إلى الله سبحانه وتعالى يستقطب الفعل الإنساني المتجسد البلوغ إلى أرقى مراتب الكمال وتلخص لنا الباحثة( رؤى فليح خضير) تعريف الدعاء بأنه حالة فطرية تتناسب مع الطلب النفسي مع نسبة الحاجة للعبد ونسبة الفيض المعطى من قبل الرب سبحانه وتعالى، لنصل إلى غاية المأثور من سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام، تمتاز بالكثرة والنفس الطويل والشهرة في التداول، تمكنت الباحثة من احتواء المنجز الدعائي لحد لم تترك للقراءات من حيز سوى تكرار ما وصلت إليه حين ذكرت الأبعاد الفكرية الواسعة المدى للصحيفة السجادية.
أعجبني
تعليق
مشاركة